< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/07/17

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الطرف الثالث - الذمام

إنّ المحقق بعد ما ذكر الفروع التي تعلقت بالطرف الثاني من الركن الثاني في كتاب الجهاد قال: (الطرف الثالث في الذمام: ‌و الكلام في العاقد و العبارة و الوقت‌).[1] اما في معنى الذمام فقال في العين (الذمام: كل حرمة تلزمك، إذا ضيعتها،) وقال في لسان العرب: (الذِّمَّة: العهد و الكَفالةُ، و جمعها ذِمامٌ. و فلان له ذِمَّة أَي حق. و ‌في حديث عليّ، كرم الله وجهه: ذِمَّتي رَهِينُه وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ ‌أَي ضماني و عهدي رَهْنٌ في الوفاء به. و الذِّمامُ و الذِّمامةُ: الحُرْمَةُ؛....و الذِّمامُ: كل حرمة تَلْزمك.... ومن ذلك يسمى أَهلُ العهد أَهلَ الذِّمَّةِ، و هم الذين يؤدون الجزية من المشركين كلهم. و رجل ذِمِّيٌّ: معناه رجل له عهد. و الذِّمَّةُ: العهد). وقد يعبر عنه بالأمان.

والذمام الذي قد يعبر عنه بالأمان يقع على حسب ما تم الاتفاق عليه بين الكافر والمسلم، و لكن الشهيد رضوان الله عليه قال في الروضة: (وهو الكلام، و ما في حكمه، الدال على سلامة الكافر نفساً و مالاً إجابة لسؤاله ذلك،) فظاهر كلامه ان الذمام يتعلق بتأمين الكافر في نفسه وماله بعد ما طلب ذالك من المسلمين، ولا وجه لهذا الحصر بل يشمل اي قرار تم في ما بين الفريقين او آحادهما. كما في عصرنا الحاضر مثل ما يؤمن المواد الغذائية او الدواء او حمل المرضى والمجروحين إلى المشافي وغير ذالك مما توافق عليه الطرفان بتأمينه بينهما ولعل الشهيد اراد أن يذكر المصداق المشهور في موارد الذمام والأمان كما حمل في الجواهر كلامه عليه.

أما من ناحية الحكم فهو مقبول عند عامة الفقهاء شيعة وسنة قال في الجواهر: (لا خلاف في مشروعيته بيننا بل و بين المسلمين كما في المنتهى بل الإجماع بقسميه عليه) وهو فقيه ضليع بالأقوال. و قد نطق بذلك الكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى: " وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجٰارَكَ فَأَجِرْهُ حتى يَسْمَعَ كلام اللّٰهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ..."[2] مضافاً إلى الآيات التي وردت في هذه السورة وغيرها تامرنا بوفاء العهد مع الكفار والمشركين وقد تحدثنا سابقا عن حرمة الغدر وهو نقض العهد ومنها التأمين لهم ثم نقضها. واما الروايات فهي ايضاً كثيرة:

منها: ما رواه الكليني عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ مَا‌ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ ص يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ- قَالَ لَوْ أَنَّ جَيْشاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَاصَرُوا- قَوْماً مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَشْرَفَ رَجُلٌ فَقَالَ- أَعْطُونِيَ الْأَمَانَ حَتَّى أَلْقَى صَاحِبَكُمْ وَ أُنَاظِرَهُ- فَأَعْطَاهُ أَدْنَاهُمُ الْأَمَانَ وَجَبَ عَلَى أَفْضَلِهِمُ الْوَفَاءُ بِهِ"[3] وهي موثقة سندا وصريحة دلالة.

ومنها: ما عن الكليني عَنْ علي بن ابراهيم عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: "أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام أَجَازَ أَمَانَ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ لِأَهْلِ حِصْنٍ مِنَ الْحُصُونِ- وَ قَالَ هُوَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"[4]

ومنها: وَ عَنْ علي بن ابراهيم عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ مَا مِنْ رَجُلٍ آمَنَ رَجُلًا عَلَى ذِمَّةٍ ثُمَّ قَتَلَهُ- إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ لِوَاءَ الْغَدْرِ"[5] ورواه الشيخ والصدوق ايضاً بسندهما، ولكن عبد الله بن سليمان لم يرد له توثيق.

ومنها: ما رواه الشيخ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنْ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ قَالَ: قَالَ أَمِيرُ‌ الْمُؤْمِنِينَ ع مَنِ ائْتَمَنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ ثُمَّ خَاسَ بِهِ- فَأَنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِي‌ءٌ وَ إِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ فِي النَّارِ"[6] وغيرها من الروايات التي وردت حول حرمة الغدر مجموعها تبلغ حد الاستفاضة ان لم تبلغ مبلغ التواتر المضموني (راجع باب15و21ومن ابواب جهاد العدو وباب 31 من ابواب القصاص)

حتى ورد وجوب رعاية الامان اذا ظن الكفار أن المسلمين أعطوهم الأمان، فعن الكلينيَ عَنْ علي بن ابراهيم عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: "لَوْ أَنَّ قَوْماً حَاصَرُوا مَدِينَةً فَسَأَلُوهُمُ الْأَمَانَ- فَقَالُوا: لَا، فَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَالُوا: نَعَمْ- فَنَزَلُوا إِلَيْهِمْ كَانُوا آمِنِينَ"(المصدرح4). فعلى كل حال لزوم الوفاء بعقد الذمام مع العدو أمر لا نقاش فيه في الجملة.

حتى أن ابي الصلاح الحلبي رأى عدم جواز الإجارة الا بإذن الإمام ولكنه يرى وجوب الوفاء به اذا فعل ذالك عصياناً قال في الكافي في الفقه: (لا يجوز لأحد من المسلمين أن يجير كافرا و لا‌ يؤمن أهل حصن و لا قرية و لا مدينة و لا قبيلة إلا بإذن سلطان الجهاد فإن أجار بغير إذنه أثم و وجب إجارته و جواره و لم تجز ذمته و إن كان عبدا و أمسك عمن أجار من الكفار).

قال المحقق: (أما العاقد‌ فلا بد أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً. و يستوي في ذلك الحر و المملوك و الذكر و الأنثى و لو أذم المراهق أو المجنون لم ينعقد لكن يعاد إلى مأمنه و كذا كل حربي دخل في دار الإسلام بشبهة الأمان كأن يسمع لفظا فيعتقده أمانا أو يصحب رفقة فيتوهمها أمانا)[7] فذكر في هذا المقطع من كلامه أربعة مطالب: اشترط كون العاقد عاقلا بالغاً ، استواء الحر والعبد والذكر والانثى في صحة عقده، عدم صحة عقد المراهق والمجنون ولزوم ارجاع الكافر إلى مأمنه اذا عقد أحدهما معه، وشمول هذا الحكم لكل حربي دخل في دار الاسلام بشبهة الأمان.

أما البلوغ والعقل فهما من الشرائط العامة للتكليف وقد يقال عمد الصبي وخطأه سيان او خطأ.

قال في الجواهر: (لسلب عبارة الصبي و المجنون و من في حكمه كالنائم و السكران و نحوهما في الإنشاء، إلا ما خرج من وصية الأول، و لعدم دخول الأول أيضا منهما في لفظ الرجل و المسلم، بل و الثاني في الثاني حقيقة و إن دخلا في حكمه بالنسبة إلى بعض الأحكام). فكون عمد الصبي وخطئه سيان مقبول في سقوط المؤاخذة عنه وكذلك عدم انعقاد عقده في المعاملات عند المشهور لا عدم صحة عباداته.

والاختيار كذلك شرط في صحة العقد فان المكره بعقد لا يصح عقده وفيما نحن فيه اتفق الفقهاء حتى ان صاحب الجواهر بعد ما يحكي الاجماع من المنتهى يقول: (بل محصلاً) وهذا ظاهر في انه ثبت عنده الإجماع من خلال تطلعه في أقوال الفقهاء.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo