< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/07/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الطرف الثالث - الذمام

كان بحثنا في قول المحقق: (أما العاقد‌ فلا بد أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً. و يستوي في ذلك الحر و المملوك و الذكر و الأنثى و لو أذم المراهق أو المجنون لم ينعقد لكن يعاد إلى مأمنه و كذا كل حربي دخل في دار الإسلام بشبهة الأمان كأن يسمع لفظا فيعتقده أمانا أو يصحب رفقة فيتوهمها أمانا)[1] .( ‌شرائع الإسلام ج‌1ص285‌). وتحدثنا عن الشروط الثلاثة المذكورة في عاقد الذمام والأمان.

وأما إستواء الذكر والانثى والحر والعبد في صحة عقدهم الذمام، مضافا إلى اتفاق الفقهاء فيه، قد ظهر من بعض الروايات التي مرت بنا سابقاً حيث ورد فيها "من ائتمن رجلاً على دمه" والموصول يشمل اي انسان، و "يسعى بذمتهم أدناهم" في موثقة سكوني، ونص خبر مسعدة من إنّ "علياً أجاز أمان عبدٍ مملوك لأهل حصن من الحصون وقال هو من المؤمنين" وما ورد في التاريخ ان زينب بنت رسول الله أجارت لعاص بن الربيع، واُمّ هاني أجارت لحماها فقالت يا رسول الله ص إني أجرت أحمائي وأغلقت عليهم و أن ابن أمي أراد قتلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه واله قد اجرنا من أجرت يا ام هاني انما يجير على المسلمين أدناهم" وغيرها من ما يفيد تعميم الحكم لكل مسلم.

واما لزوم إعادة المستامن بامان المجنون والمراهق مع عدم انعقاده، فلشبهة الأمان كما بيناه آنفاً.

وأما لزوم رعاية من دخل بشبهة الأمان، فلما ورد في رواية عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: "لَوْ أَنَّ قَوْماً حَاصَرُوا مَدِينَةً فَسَأَلُوهُمُ الْأَمَانَ- فَقَالُوا: لَا، فَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَالُوا نَعَمْ- فَنَزَلُوا إِلَيْهِمْ كَانُوا آمِنِينَ"[2] . والاعتبار يقتضي ذالك ايضا كما اشار اليه صاحب الجواهر، و لا خلاف في هذه المسألة بين الفقهاء، قال في الجواهر مستدلا على لزوم رعاية من دخل بشبهة الامان: (بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المنتهى للفحوى المزبورة و غيرها،)[3] إشارة إلى فحوى رواية محمد بن الحكم.

قال المحقق رضوان الله عليه: (و يجوز أن يذم الواحد من المسلمين لآحاد من أهل الحرب فلا يذم عامّاً و لا لأهل إقليم، و هل يذم لقرية أو حصن؟ قيل: نعم، كما أجاز علي ع ذمام الواحد لحصن من الحصون، و قيل: لا، و هو الأشبه، و فعل علي ع قضية في واقعة، فلا يتعدى و الإمام يذم لأهل الحرب عموماً و خصوصاً و كذا من نصبه الإمام للنظر في جهةٍ يذم لأهلها، و يجب الوفاء بالذمام ما لم يكن متضمناً لما يخالف الشرع و لو أكره العاقد لم ينعقد).[4]

ما قاله المحقق في الفقرة اعلاه: أما بالنسبة إلى ذمام واحد للآحاد فهو مصداق بيّن الدلالة التي دلت على انعقاد الذمام وهو القدر المتيقن. والمراد بالآحاد هو الافراد بأعيانهم ولو بلغ العشرة في مقابل المجموعات و العناوين الكلية، و قد قيد البعض عنوان الآحاد بالعشرة فما دونها، ولا أرى لذلك وجه وجيه.

ثم هناك قدر متيقن لعدم انعقاد الذمام من آحاد المسلمين وهو الذمام للعناوين العامة الشاملة كما اذا أذم عامة المشركين او يذم أهل المدن او بلاد لهم، واستدلوا على عدم صحة الأمان لمثل هذه العناوين العامة بالأخذ باطلاق أدلة القتال عند الشك في شمول المخصص لها، قال في الجواهر عند الاستدلال على عدم انعقاد الذمام العام: (اقتصاراً فيما خالف عموم الأمر بقتل المشركين كتابا و سنة على المنساق من الأدلة السابقة) وهذا من الأخذ بالاطلاق في شبهة المصداقية للمخصص المنفصل، ونِعمَ ما تمسك به، ولكن نحن نضيف إلى ذالك بأن الالتزام بنفوذ الذمام العام من آحاد المسلمين ينافي امامة الامام وقيادة القائد في الحرب ويستلزم الفساد غالباً ولعله مما لا ينكره العقلاء. وهو الدليل بعد الإطلاقات الدالة على قتال المشركين .

اما بالنسبة إلى ذمام قرية او حصن فذكر المصنف قول المثبت، و إستندوا فيه إلى خبر مسعدة : " عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع : أَنَّ عَلِيّاً ع أَجَازَ أَمَانَ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ لِأَهْلِ حِصْنٍ مِنَ الْحُصُونِ- وَ قَالَ هُوَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ." و يضاف إلى ذالك اطلاق قول رسول الله يسعى بذمتهم أدناهم، وموثقة سكوني: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ مَا‌ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ ص يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ- قَالَ لَوْ أَنَّ جَيْشاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَاصَرُوا- قَوْماً مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَشْرَفَ رَجُلٌ فَقَالَ- أَعْطُونِيَ الْأَمَانَ حَتَّى أَلْقَى صَاحِبَكُمْ وَ أُنَاظِرَهُ- فَأَعْطَاهُ أَدْنَاهُمُ الْأَمَانَ وَجَبَ عَلَى أَفْضَلِهِمُ الْوَفَاءُ بِهِ".[5] حيث ورد فيه أمان لجيش من رجل هو ادنى المسلمين.

ولكن المصنف رجح قول النافي لذلك أخذاً باطلاقات القتال، و أجاب عن قضية علي بن ابي طالب عليه السلام بانها قضية خارجية لا اطلاق لها نتمسك به.

وقد أجاب عن ذالك صاحب الجواهر بأن: (الأصل مقطوع بالإطلاق السابق، بل العموم مخصوص به، و المحكي عن علي عليه السلام ما هو كالتعليل العام، و منه أخذ عمر بن الخطاب فيما رواه‌ الجمهور عن فضل بن يزيد الرقاشي، قال: "جهز عمر بن الخطاب جيشا فكنت فيه، فحضرنا موضعا فرأينا أن نستفتحه اليوم و جعلنا نقبل و نروح، فبقي عبد منا فراطنهم و راطنوه فكتب لهم الأمان في صحيفة و شدها على سهم فرمى بها إليهم، فأخذوها و خرجوا فكتب إلى عمر بن الخطاب بذلك فقال: العبد المسلم رجل من المسلمين ذمته ذمتهم") فهو جعل الاطلاقات والعمومات التي تشرع لنا الذمام مقيداً ومخصصاً لإطلاقات القتال واستنتج (أن المتجه إلحاق القرية الصغيرة و القافلة القليلة بالآحاد كما صرح به في المنتهى و حاشية الكركي و غيرهما).[6] وللكلام تتمة نذكرها غدا انشاء الله.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo