< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/08/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : لو عاد الى دار الحرب بعد الذمام

كان البحث حول من أمّنه المسلمون ثم عاد إلى بلاد الحرب للاستيطان فقال المصنف: ينتقض أمانه بالنسبة إلى نفسه دون ماله، وهنا يذكر بالنسبة اليه أمراً آخر حيث يقول: (و لو أسره المسلمون فاستُرِقّ مُلِك مالُه تبعاً لرقبته)[1] . يظهر من كلام المصنف أن تملك مال الحربي الذي اُسر لا يحصل بمجرد الأسر بل انّما يتم بعد الاسترقاق للذي ملكه، و قد ذكروا للمورد أربعة حالات: لأن الامام بعد الأسر مخير بين العفو وإطلاق السراح او أخذ الفدية واطلاق السراح، قال تعالى: ﴿ فَإِذا لَقيتُمُ الَّذينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها [2] كما يجوز له أن يقتل أو يسترق، ففي حالة العفو، المال يبقى لصاحبه وفي حالة الفدية كذالك، أما على فرض القتل فالمال يعود إلى الامام، اذا لم يكن له وارث غير حربي.

وانّما في حالة الاسترقاق، خلاف بين فقهائنا فمنهم من يرى أن المال يتبع الرقبة فمن ملك رقبته يملك ماله ايضاً، ومنهم من برى أن المال فيئ للإمام ولا علاقة له بالرقبة.

اما وجه الحكم في فرض اطلاق السراح سواء كان مجاناً أو في قبال الفدية واضح لأن ماله كان تحت الأمان فيبقى له، وامّا على فرض قتله وعدم وجود وارث غير حربي له، فيبقى ماله بلامالك وهو فيئ للإمام ايضاً، إذ لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب.

وانما الكلام في القسم الرابع الذي ذكره المصنف، فالحكم فيه يبتني على اتخاذ المبنى في ملكية العبد؟ فمن الفقهاء من يرى عدم امكان الملكية للعبد، فبمجرد الاسترقاق يخرج أمواله عن ملكه قبل قسمة الرقاق، فتصبح الأموال فيئاً للامام ولا تبقى لها علاقة بالعبد كي يملكها من ملك العبد، حتى لوحرّره الامام او أحد المسلمين لا يعود امواله اليه ايضاً.

ومن الفقهاء من يري عدم امكان الملكية للعبد لما يحصله في زمن عبوديته فقط لأن المالك يملكه وعملَه، وأما ما ملكه قبل عبوديته فهو ملكه، الا ان المولى هو أولى بالتصرف فيها منه، وقد يحمل الكلام المشهور من: أن العبد وما في يده كان لمولاه، بهذا المعنى، والمراد بما في يده يعني ما يملكه، ففرض له ملكية، فعلى ذالك هو بعد استرقاقه ايضا يملك امواله والمفروض ان امواله كانت تحت الأمان، فالذي ملكه بالإسترقاق، لا يملك ماله، ولكنه أولى بالتصرف منه، وبهذا المعنى يصح استناد المال إلى المولى كما يصح استناد المال إلى العبد. أحدهما –له- اي هو اولى به والآخر –له- اي يملكه.

قال في المسالك: (و إن استرقّوه زال ملكه عن ماله، بناء على انّه لا يملك شيئا، و يكون فيئا للإمام عليه السلام، كما مرّ. فقول المصنف «ملك ماله تبعا» أراد به التبعية في الملك، لا في المالك، فلا يستحقه مسترقّه، لانّه مال لم يوجف عليه. و لو أعتق بعد ذلك لم يعد اليه.) [3]

قال في المنتهى: (إن استرقّه زال ملكه عنه؛ لأنّ المملوك لا يملك شيئا و صار فيئا، و إن أعتق بعد ذلك، لم يردّ إليه، و كذا لو مات، لم يردّ على ورثته، سواء كانوا مسلمين أو كفّارا؛ لأنّه لم يترك شيئا.)[4]

قال العلامة في القواعد: (و لو استرق بعد رجوعه الى داره ملك ماله تبعا له، و لا يتخصص به من خصصه الامام برقبته بل للإمام و ان عتق)[5] وهذا المبنى هو الأشهر بين فقهائنا. ولكن ظاهر كلام المحقق تبعية ملكية المال لمالك الرقبة فكأنه كان يرى امكان الملكية للعبيد.

اما البحث في المبنى فيعود إلى مبحث الإماء والعبيد وهذا البحث متروك لعدم الموضوع له في هذا العصر ولكن مع ذالك لا بأس بالبحث حوله لكشف رؤية الاسلام و دفع بعض الشبهات عنه. ونحن هنا انما نشير إلى بعض ما يستدلون به لنفي الملكية عن العبد من دون اسهاب ولا اتخاذ رأي فيها.

مما يستدل به على عدم مالكية العبد قوله تعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى‌ شَيْ‌ءٍ وَ مَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (75) وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى‌ شَيْ‌ءٍ وَ هُوَ كَلٌّ عَلى‌ مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوي هُوَ وَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ هُوَ عَلى‌ صِراطٍ مُسْتَقيمٍ [6] فإن جعلنا موضوع الآية مطلق العبد اي انها تريد بيان وصف العبد بما انه عبد فيمكن أن نحمل قوله لا يقدر على شيئ اي لا يملك شيئاً، ولو حتى في هذا الفرض لا منافات بين القول بالملكية مع اولوية المولا بالتصرف في اموال العبد كولي الصغير. ولكن إن قلنا أن الآية تريد أن تقارن بين عبد ضعيف مسكين عاجز وبين انسان نشيط فعال ولعل بالتأمل في سياق هذه الآية والتي تليها يظهر هذا المعنى أقرب إلى المراد فعند ذالك الآية اجنبية عن بيان حكم العبد الوضعي في الشريعة الاسلامية. وكذالك يستدل بالمقالة المشهورة: (العبد وما في يده كان لمولاه)[7] وهذه العبارة اظهر في الدلالة على الملكية للعبد من نفيها حيث أن قوله ما في يده ظاهر فيما يملك لا فيما أخذه بكفه نعم ظاهر ايضاً في اولوية المولى في التصرف فيما يملكه العبد وهذا يساوق قوله: انت ومالك لأبيك .

قال في الجواهر: (و حينئذ فبقاء عبارة المصنف على ظاهرها من التبعية في المالك حينئذ أولى، بل الظاهر ذلك أيضا في غير المال المزبور من أمواله التي في دار الحرب، و لعل هذا من أكبر الشواهد على قابلية العبد للملك و لو الاستدامي باعتبار كونه مالكا قبل العبودية، و أقصى ما يدل على عدم ملكية العبد على القول به عدم ابتداء ملكه و هو عبد لا ما ملكه سابقا)[8] . و ايضاً أضيف على ما قاله صاحب الجواهر، فأقول: من شواهد إمكان تملك العبد للشيئ، تشريع عقد الكتابة، حيث يملك نتيجة عمله فيشتري بها نفسه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo