< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/12/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : اسارى المشركين

إن المحقق قال: «و الذكور البالغون يتعين عليهم القتل إن كانت الحرب قائمة ما لم يسلموا»[1] . فنفي تعيّن القتل على من أسلم اثناء الحرب ولم يُبيّن ما حكمه بعد ذالك.

قال الشهيد في المسالك: (اي إن أسروا قبل تقضّي الحرب، و انقضاء القتال، فإنّه يتعيّن قتلهم. و مقتضى قوله: «ما لم يسلموا» منع تعيّن قتلهم مع الإسلام، لكن لم يبيّن حكمهم معه، و قد حكم الشيخ (رحمه اللّٰه) بالتخيير فيهم مع الإسلام بين المنّ و الفداء و الاسترقاق، كما لو أسلموا مع أخذهم بعد تقضّي الحرب. و يمكن أن يريد المصنّف بقوله فيما بعد: «و لو أسلموا بعد الأسر لم يسقط عنهم هذا الحكم» ما يعمّ الأمرين، أعني إسلامهم بعد أخذهم حال قيام الحرب و بعده). انه نسب الى الشيخ عدم الفرق بين من اسلم قبل تقضي الحرب او بعد تقضيها، وحمل كلام المحقق على استواء الحكم في الفرضين، و صاحب الجواهر نسب الى الشيخ استواء الحكم لمن اسلم أثناء الحرب أو اسلم بعد تقضي الحرب، فعلينا ان نتطلع على كلام الشيخ في المبسوط كي نرى مصداقية ذالك،

قال الشيخ في المبسوط: (أما من لم يشكل أمر بلوغه فإن كان أسر قبل تقضى القتال فالإمام فيه بالخيار بين القتل و قطع الأيدي و الأرجل و يتركهم حتى ينزفوا إلا أن يسلموا فيسقط ذلك عنهم، و إن كان الأسر بعد انقضاء الحرب كان الإمام مخيرا بين الفداء و المن و الاسترقاق، و ليس له قتلهم أىُّ هذه الثلاثة رأى صلاحاً و حظاً للمسلمين فعله، و إن أسلموا لم يسقط عنهم هذه الأحكام الثلاثة و إنما يسقط عنهم القتل لا غير)[2]

حكى الشهيد عن بعض الأصحاب - وهوالمحقق الثاني في حاشيته المخطوطة على الشرائع- أنه ذهب إلى تعيّن المنّ عليهم في هذه الصورة، لأنّه لم يكن‌ له استرقاقهم في حال الكفر، إذ يتعين قتلهم حينئذ، ففي حال الإسلام أولى. ويرد عليه بان عدم جواز الاسترقاق الكفار أثناء الحرب كان تغليظاً عليهم كي يقتلوا و يتم الإثخان. ولكن الذي أسلم يسقط عنه القتل رحمة اليه. فيمكن للشارع أن يتنازل عن القتل بالاسلام دون الاسترقاق.

مما اُستُدلّ به على التخييربين الاسترقاق والفدا والمنّ لمن اسلم قبل انتهاء الحرب قياس الاولوية : تقريره انا نعلم أن الاسلام شدد الحكم على العدو قبل الإثخان وانتهاء الحرب بما لم يشدّد بعد انتهاء الحرب وحصول الإسخان، فلم يرض للعدو في أثناء الحرب الا بالقتل، وخفّف عليهم بعد إنتهاء الحرب فخيّر الإمام بين الامور الثلاثة او الأربعة على قول: من المنّ والفداء والاسترقاق والقتل على قولٍ، فمن أسلم بعد الحرب فلا شكّ للامام إسترقاقه فبالاولى يجوز استرقاقه في ما اذا اسلم أثناء الحرب.

وقد رد صاحب الجواهر على دليل الاولوية وذهب إلى تعيّن المنّ دون الفداء والاسترقاق لهذا الذي أسلم قبل إنتهاء الحرب بقوله: (ضرورة كون إسلامه بعد تعلق حق الاسترقاق به و لو على التخيير، فلا يسقط بالإسلام، بخلاف الفرض الذي لا حكم له إلا القتل و لو لإهانته، و قد سقط بالإسلام الذي هو مانع أيضا عن الاسترقاق ابتداء أيضا كالقتل)[3] . ونِعمَ ما قال ولكن فوق ذالك يمكن لنا أن نقول: أن التشدد أثناء الحرب انما يكون في حقّ الكافر لمصلحة إرغامهم بالاسلام او التسليم لا مطلقاً، وهذا الامر لا يجري في من اسلم، بل انه مورد الرحمة وهو أولى بالتلطف والمحبة ممن أسلم بعد إنتصار الاسلام وانتهاء الحرب. فلا مجال لقياس الاولوية حتى نعالجها بما تفضّل به صاحب الجواهر.

ومما ردّ صاحب الجواهرعلى التمسك بالمرسلة التي فيها أنه: "فادى النبي صلى اللّٰه عليه و آله أسيراً أسلم برجلين"، مضافا على ضعف السند (أن فيها ردّ المسلم الى الكفار، وهذا امر غير جائز اللّٰهمّ إلا أن يكون ذا عشيرة تمنعه، أو غير ذلك).

ولكن الذي يسهّل الخطب كما قلنا اذا كان الاسلام قبل الأسر و إنتهاء الحرب لايجوز أسره فلا مجال للمنّ فكيف بالفداء او الاسترقاق وإن استرقه بعض المسلمين فان قلنا ان أسره نافذ وضعاً وحرام تكليفاً فحكمه حكم الأسير، الّا انه لايقتل فيبقى له أحد الامور الثلاثة والاحوط عدم إسترقاقه، وامّا الفداء فأن أنكرنا جوازه فلا يبقى مجال للمنّ لانّ المنّ انّما يصدق اذا كان صاحب الحق تنازل عن حقه. ولكن ان لم يشرع الاسترقاق ولا الفدا لمن اسلم اثناء الحرب فالمنّ منتفي بانتفاء الموضوع.

بما أن الدليل من السنة لسقوط القتل عن من اسلم في اثناء الحرب روايتين احدهما ما رووه اصحابنا قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللّٰه، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم»‌و في‌خبر الزهري عن علي بن الحسين عليهما السلام «الأسير إذا أسلم فقد حقن دمه و صار فيئا»‌[4]

واليك نص الحديث:َ "بِإِسْنَادِهِ-تهذيب- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع فِي حَدِيثٍ قَالَ: إِذَا أَخَذْتَ أَسِيراً فَعَجَزَ عَنِ الْمَشْيِ- وَ لَمْ يَكُنْ مَعَكَ مَحْمِلٌ فَأَرْسِلْهُ وَ لَا تَقْتُلْهُ- فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا حُكْمُ الْإِمَامِ فِيهِ- وَ قَالَ الْأَسِيرُ إِذَا أَسْلَمَ فَقَدْ حَقَنَ دَمَهُ وَ صَارَ فَيْئاً.وَ رَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْمِنْقَرِيِّ وَ رَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ.[5] (وسائل ج15باب 23ح2 ص72) هذه الرواية ضعيفة السند بالاوزاعي والزهري، نعم رواه المحمدون الثلاثة ولكننا لا نرى حجية لاقوالهم ولا يورثنا الاطمئنان بالصدور،

و اما الدلالة فما في ذيلها انّما يشمل من لم يسلم حتي أسر ولا يشمل الذي أسلم أثناء الحرب وقبل الأسر. نعم اذا قلنا أن التأسير اثناء الحرب حرام تكليفا ونافذ وضعاً فاتفق بعض المسلمين أسر أحد من المشركين اثناء الحرب عصياناً او نسياناً او جهلاً ثم اسلم بيده قبل انقضاء الحرب يشمله الحديث فوقها باطلاقه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo