< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/12/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : حکم اطعام الاسیر

كان بحثنا في حكم إطعام الأسير من انه هل هو واجب كما عليه المشهور و قال به المحقق في الشرائع او مستحب كما ذهب اليه صاحب الجواهر ويظهر من صاحب الوسائل.

وقد ذكرنا ثلاثاً من الروايات التي استدلوا بها على استحباب أطعام الأسير وسقيه وهي كانت روايات صحيحة ولكنها دلت على الوجوب دون الاستحباب.

ومنها: ما عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ ع إِطْعَامُ الْأَسِيرِ وَ الْإِحْسَانُ إِلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ- وَ إِنْ قَتَلْتَهُ مِنَ الْغَدِ.[1]

اما السند : فهارون بن مسلم وثقه النجاشي وقال في حقه: ( هارون بن مسلم بن سعدان ، الكاتب السر من رائي. كان نزلها ، وأصله [ من ] الانبار. يكنى أبا القاسم ، ثقة ، وجه. وكان له مذهب في الجبر والتشبيه. لقى أبا محمد وأبا الحسن عليهما‌السلام)[2] واما المسعدة فقد وثقه النجاشي أيضاً فقال: (مسعدة بن زياد الربعي ثقة عين روى عن ابي عبد الله عليه السلام الخ)[3] فسنده لابأس به ولكن لاأدري لماذا عبر عنه صاحب الجواهر بخبر مسعدة؟!، ولعله اشتبه في ذهنه المبارك بمسعدة بن صدقة الذي كان بترياً ولم يوثقه أحد من الرجاليين.

اما وجه دلالته: على الاستحباب:

فانه ولو عبر فيه بأنه "حق واجب" ولكنه لا يدل على الوجوب الفقهي بل ان دل على شيئ فانما يدل على التحريض الشديد على الفعل لأن مفردة إحسان من المقولات المشككة ولا يمكن الالتزام بوجوب جميع مصاديقه حتى بالنسبة الى الوالدين المؤمنين فلابد من الحمل الى الاستحباب.

لكن يمكن الإجابة عنه:

أولاً: بأن قوله "حق واجب" ظاهر في الوجوب بل نص على ذلك، وتعلّقه بامرين اللذین لا يمكن الالتزام بالوجوب في أحدهما، لا يوجب جواز رفع اليد عن دلالته في الامر الآخر.

ثانياً: لا محذور في الإلتزام بوجوب الإحسان ولو كان من المقولات المشككة لأنه انما يؤخذ بالقدر المتيقن بلا محذور عقلي ولا شرعي، كما في قوله تعالى: "وَقَضى رَبّكَ أن لا تَعبُدوا الاّ الله وبالوالدين إحساناً"[4] حيث لا شك انها تدل علی وجوب الإحسان الى الوالدين في الجملة.

فهذه الروايات دالة على قول المشهور من وجوب إطعام الأسير على من هو تحت يده، ولم نجد قرينة صارفة عن الوجوب الى الاستحباب فلم يظهر وجه لمقالة صاحب الجواهر حيث قال: (و لكن الإنصاف انسباق الندب من النصوص المزبورة بملاحظة بعض القرائن فيها، سيما خبر أبي بصير المشتمل على تفسير الآية المساقة للمدح)[5] ثم انه رضوان الله عليه أيّد قوله بالاستحباب بقوله: (مضافاً إلى معلومية عدم احترام نفس المشرك الذي هو شرّ الدوابّ المؤذية، بل طلب إتلافها)[6] .

لانه يرد عليه:

اولا: بأن المتفق علیه بین الاصحاب ، عدم احترام نفس المشرك مادام الحرب قائمة ولكن بعد انتهاء الحرب لا يجوز قتله كما هو المشهور بین الفقهاء و یکون أمره الى أحد الامور الثلاثة من إطلاق سراحه منّة عليه او إطلاق سراحه في مقابل الفدية و اما سبيه، نعم على بعض الأقوال القتل خيار رابع فيه و قد تحدثنا عنه سابقاً،

ثانیا: الإمام هو الذي يختار أحد الوجوه وليس لآحاد المسلمين خيار في ذلك، حتی یترکوا الاطعام بذریعة انه مطلوب اتلافه .

ثالثا: الاخذ بقياس الاولوية بكونه شر الدوابّ أخذ بالقياس المُحرَّم الذي يسمى في المنطق بالتمثيل و ليس حصراً في المشركين قال تعالى: " إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذينَ لا يَعْقِلُونَ"[7] وفي موطن آخر: " إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ . الَّذينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ في‌ كُلِّ مَرَّةٍ وَ هُمْ لا يَتَّقُونَ"[8] .

نعم يظهر تراجع عن قوله في آخر مقطع من كلامه حيث قال: (نعم قد يقال بإطعامه لبقاء حياته حتى يصل إلى الإمام عليه السلام، و اللّٰه العالم)[9] .

الفرع الثاني الذي ذكره المحقق هو كراهة قتله صبراً قال صاحب الجواهر: (و یکره قتله صبرا كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافاً)[10] . فعلينا ان نتكلم في تحديد الموضوع ثم نرى الادلة في حكمه .

فنقول: اختلف العلماء في المراد من قتل الصبر فقيل انه تقييد اليدين و الرجلين حال القتل، فيرتفع الكراهة باطلاقها قبل القتل، و نسب هذا المعنى الى المشهور، وقيل أنه الحبس للقتل، و في قاموس المحیط: صبر الإنسان و غيره على القتل أن يحبس و يرمى حتى يموت و قد قتله صبرا و صبره عليه،[11] و أما ما قيل- كما حكاه في المسالك من أنه التعذيب حتى يموت أو القتل جهراً بين الناس أو التهديد بالقتل ثم القتل، و في غيرها القتل و ينظر إليه آخر، أو لا يطعم و لا يسقى حتى يموت بالعطش و الجوع- فلم أجد ما يشهد لها، بل الأخير منها مناف لما مر من وجوب الإطعام و السقي. ولكن مع ذالك كله الاحتياط يقتضي الاجتناب من الإيذاء بغير القتل لان كل تصرف في الغير يحتاج الى مرخص والاصل فيه عدم الجواز.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo