< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

38/02/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : حكم الغنائم

كان بحثنا حول ما يجوز التصرف فيه من الغنائم قبل القسمة زائدا عن الخمس و الجعائل قال المصنف: (و هذا القسم يختص به الغانمون بعد الخمس و الجعائل و لا يجوز لهم التصرف في شي‌ء منه إلا بعد القسمة و الاختصاص، و قيل يجوز لهم تناول ما لا بد منه كعليف الدابة و أكل الطعام) قال في الجواهر: (و قيل و القائل الشيخ في المبسوط و الإسكافي و الفاضل و ثاني الشهيدين و غيرهم على ما حكي عن بعضهم يجوز لهم تناول ما لا بد منه كعليق الدابة و أكل الطعام من غير ضمان و لو كان غنيا).

وقال العلامة في التذكرة: (مسألة 77: لا يجوز التصرّف في شي‌ء من الغنيمة قبل القسمة إلّا ما لا بدّ للغانمين منه، كالطعام، و ضابطه: القوت و ما يصلح به القوت، كاللحم و الشحم، و كلّ طعام يعتاد أكله، و علف الدوابّ: التبن و الشعير و ما في معناهما، إجماعا، إلّا من شذّ) فهو خصص الجواز بالقوت وما يصلح به القوت.

ثم ذكر اقوال بعض العامة في الموافقة فقال: (و به قال سعيد بن المسيّب و عطاء و الحسن البصري و الشعبي و الثوري و الأوزاعي و مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي)

وقال في المنتهى: (مسألة: لا يجوز التصرّف في شي‌ء من الغنيمة قبل القسمة إلّا ما لا بدّ منه، كالطعام و علف الدوابّ. و قد أجمع أهل العلم على جواز التصرّف في الطعام و علف الدوابّ إلّا من شذّ، و به قال سعيد بن المسيّب، و عطاء، و الحسن البصريّ، و الشعبيّ، و الثوريّ، و الأوزاعيّ، و مالك، و الشافعيّ، و أحمد بن حنبل، و أصحاب الرأي. و قال الزهريّ: لا يؤخذ إلّا بإذن الإمام)

ثم استدل للجواز بامور: أحدها: ما رواه الجمهور عن نافع، عن ابن عمر، قال: كنّا نُصيب العسل و الفواكه في مغازينا فنأكله و لا نرفعه.

وثانيها: عن عبد اللّه بن أبي أوفى، قال: أصبنا طعاماً يوم خيبر و كان الرجل يأخذ منه مقدار ما يكفيه ثمّ ينصرف.

وثالثها: كتب صاحب جيش الشام إلى عمر: أنّا أصبنا أرضا كثيرة الطعام و العلف، و كرهت أن أتقدّم في شي‌ء من ذلك، فكتب إليه عمر: دع الناس يعلفون و يأكلون، فمن باع منهم شيئا بذهب أو فضّة، ففيه خمس اللّه و سهام المسلمين.

رابعها: ما استدل به من طرق الخاصّة: منها ما رواه الشيخ عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في وصيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأمير السريّة: «و لا تقطعوا شجرة مثمرةً، و لا تحرقوا زرعاً؛ لأنّكم لا تدرون لعلّكم تحتاجون إليه، و لا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلّا ما لا بدّ لكم من أكله». مستدلا على أنه لو لم يكن التناول سائغاً، لما سوّغ له الزرع على إطلاقه. و لأنّ الحاجة تشتدّ إليه، و في المنع منه مضرّة عظيمة بالمسلمين و بدوابّهم؛ لتعسّر نقل الطعام و العلف من بلاد الإسلام، و لا يجدون بدار الحرب ما يشترونه، و لو وجدوه لم يجدوا الثمن، و لا يمكن قسمة ما يجده الواحد منهم، و لو قسّم، لم يحصل للواحد منهم شي‌ء ينتفع به، و لا يدفع به حاجته، فكان مباحاً. احتجّ الزهريّ: بأنّه مال مغنوم فلم يجز أخذه بغير إذن الإمام، كسائر الأموال. و الجواب: بالفرق من حيث الحاجة و الضرورة و عدمهما).

اما هذه الادلة فالروايات العامية ساقطة سندا ورواية مسعدة بن صدقة فاليك نصها: (وَ عَنْهُ-عن الكليني عن علي بن ابراهيم- عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ ص كَانَ إِذَا بَعَثَ أَمِيراً لَهُ عَلَى سَرِيَّةٍ- أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ- ثُمَّ فِي أَصْحَابِهِ عَامَّةً ثُمَّ يَقُولُ- اغْزُ بِسْمِ اللَّهِ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ- لَا تَغْدِرُوا وَ لَا تَغُلُّوا وَ لَا تُمَثِّلُوا- وَ لَا تَقْتُلُوا وَلِيداً وَ لَا مُتَبَتِّلًا فِي شَاهِقٍ- وَ لَا تُحْرِقُوا النَّخْلَ وَ لَا تُغْرِقُوهُ بِالْمَاءِ- وَ لَا تَقْطَعُوا شَجَرَةً مُثْمِرَةً وَ لَا تُحْرِقُوا زَرْعاً- لِأَنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ- وَ لَا تَعْقِرُوا مِنَ الْبَهَائِمِ مِمَّا «5» يُؤْكَلُ لَحْمُهُ- إِلَّا مَا لَا بُدَّ لَكُمْ مِنْ أَكْلِه...) الحديث وفي سنده هرون بن مسلم فقد وثقه النجاشي ولكن مسعدة بن صدقة عامي لم يوثق فالسند ساقط عن الاعتبار. واما الدلالة فمورد الرواية قبل الغنيمة ولعل المراد من الحاجة كأرض مفتوحة لا كغنيمة منفصلة قبل القسمة.

والاستدلال بشدة الحاجة اليه، ان كانت الحاجة غالبا اليه فيمكن الاخذبه من باب تنقيح المناط وهو الذي أشار اليه بأن في المنع مضرّة عظيمة و صعوبة حمل الطعام والعلف من دار الاسلام الى دار الحرب و عدم التوفير للشراء خلاف الغالب كما أن عدم توفير النقود للشراء ايضاً.

وعدم امكان القسمة لما وجد واحد منهم صحيح غالباً، ولكن كثيراً ما يغتنمون من المأكولات شيئا كثيراً فعند ذالك لا يبقى وجه لقوله: (و لو قسّم، لم يحصل للواحد منهم شي‌ء ينتفع به)

وقل العلامة في التذكرة: (و الحيوان المأكول يجوز ذبحه و الأكل منه مع الحاجة، و لا تجب القيمة، لأصالة البراءة. و لا فرق بين الغنم و غيرها. و قال بعض الشافعيّة: ما يمكن سوقه يساق، و أمّا الغنم فتذبح، لأنّها كالأطعمة، و لهذا قال عليه السّلام حين سئل عن ضالّتها: «هي لك أو لأخيك أو للذئب»

و قال بعض العامّة: تجب القيمة، لندور الحاجة إليه، بخلاف الطعام. و ليس بشي‌ء، لأنا فرضنا الحاجة.

و إذا ذبح الحيوان للأكل، ردّ الجلود إلى المغنم، و لا يجوز استعمالها، لعدم الحاجة إليها. و لو استعمل الجلد في سقاء أو نعل أو شراك، ردّه إلى المغنم مع اجرة المثل لمدّة استعماله و أرش نقص أجزائه بالاستعمال. و لو زادت قيمته بالصنعة، فلا شي‌ء له، لأنّه متعدّ. و أمّا ما عدا الطعام و العلف و اللحم فلا يجوز تناوله و لا استعماله و لا الانفراد به، لقوله عليه السّلام: «أدّوا الخيط و المخيط فإنّ الغلول عار و نار و شنار يوم القيامة». و للشافعيّة في الفواكه وجهان. و يمكن الفرق بين ما يسرع إليه الفساد و يشقّ نقله و بين غيره. و أمّا الدهن المأكول فيجوز استعماله في الطعام مع الحاجة، لأنّه نوع من الطعام. و لو كان غير مأكول، فإن احتاج إلى أن يدهن به أو دابّته، لم يكن له ذلك إلّا بالقيمة، قاله الشافعي، لأنّه ممّا لا تعمّ الحاجة إليه، و لا هو طعام و لا علف. و قال بعض العامّة: يجوز، لأنّ الحاجة إليه في إصلاح بدنه و دابّته كالحاجة إلى الطعام و العلف. و يجوز أن يأكل ما يتداوى به أو يشربه- كالجلاب و السكنجبين و غيرهما- عند الحاجة، لأنّه من الطعام. و قال أصحاب الشافعي: ليس له تناوله، لأنّه ليس قوتا و لا يصلح به القوت. و الوجه: الجواز، لأنّه يحتاج إليه، فأشبه الفواكه. و ليس له غسل ثوبه بالصابون، لأنّه ليس طعاما و لا علفا، و إنّما يراد للتحسين و التزيين لا للضرورة. و لا يجوز الانتفاع بجلودهم و لا اتّخاذ النعال منها و لا الجرب و لا الخيوط و لا الحبال- و به قال الشافعي لأنّه مال غنيمة لا تعمّ الحاجة‌ إليه، فلا يختصّ به البعض. و رخّص مالك في الحبل يتّخذ من الشعر، و النعل و الخفّ يتخذ من جلود البقر) (تذكرة الفقهاء ج1ص419).

ولذالك نقول ما قاله صاحب الجواهر: (ينبغي الاقتصار فيما خالف قاعدة الشركة على المتيقن، فلا يجوز مع عدم الحاجة كما صرح به الفاضل و غيره،.... بل ينبغي الاقتصار على ما جرت العادة بتناوله لا ما اتفق احتياجه لبعض الأفراد منهم، كل ذلك لقاعدة الاقتصار فيما خالف الأصل على ما اقتضاه الدليل الشرعي،) وكذالك الشهيد في المسالك حيث يقول: (يجب الاقتصار على الأكل في دار الحرب و المفازة التي في الطريق، أما عمران دار الإسلام التي يمكن الشراء فيها فيجب الإمساك فيها).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo