< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

38/04/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : اراضي الخراج

قد ثبت مما قدمناه من البحث ان الاراضي المعمورة بشرياً ملك للمسلمين بالفتوحات التي حصلت في عهد رسول الله صلى الله عليه واله و الخلفاء الثلاثة من بعده مستنداً الى امضاء امير المؤمنين عليه السلام.

اما بالنسبة الى اراضي الخراج فقد ذكروا مواقع كثيرة منها: ما قاله العلامة في المنتهى انها: (سواد العراق، و حده في العرض من منقطع الجبال بحلوان إلى طرف القادسية المتصل بعذيب من أرض العرب، و من تخوم موصل طولا إلى ساحل البحر ببلاد عبادان من شرقي دجلة،)[1] و عدّوا منها أرض الشام و خراسان وغيرها.

امّا ما يقال انها من المفتوحة، ففيما لم نتيقن بانّها ارض الخراج تجري البرائة فيها عن حرمة التملك و ما هو ممنوع في اموال المسلمين كافة، فيبقى المتيقن منها قليل جداً، وما ثبت منها كونها ارض مفتوحة عنوة فإن ثبت كونها عامرة عند الفتح فهي للمسلمين، وباقي الاراضي تخرج من هذا العنوان مستندا الى استصحاب العدم الازلي بل العدم النعتي ايضاً خصوصاً مع ملاحظة انّ سكان الارض كانوا قلّة قليلة و وسائل الاحياء كانت صعبة نادرة، بل كانت أراضي العامرة بشرياً محصورة بما حول المدن والقرى، لا كل أرض العراق او سائر البلاد التي عدّوها من المفتوحة عنوة.

و لكن الشبهات التي كانوا يثيرونها حول الاراضي المفتوحة عنوة، دفع المحقق الكركي الى تاليف كتاب - قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج - وهو يشكو في مقدمة كتابه من اثارة تلك الشبهات نذكر لكم شيئا منها:

قال في قاطعة اللجاج: (فإنّي لمّا توالى على سمعي تصدّى جماعة من المتسمّين بسمة الصلاح، و ثلّة من غوغاء الهمج الرعاع، أتباع كلّ ناعق الذين أخذوا من الجهالة بحظّ وافر، و استولى عليهم الشيطان فحلّ منهم في سويداء الخاطر لتقريض العرض و تمزيق الأديم، و القدح بمخالفة الشرع الكريم، و الخروج عن سواء النهج القويم،- حيث انّا لمّا لزمنا الإقامة ببلاد العراق، و تعذّر علينا الانتشار في الآفاق لأسباب ليس هذا محلّ ذكرها- لم نجد بدّاً من التعلّق بالقرية لدفع الأمور الضروريّة من لوازم متمّمات المعيشة، مقتفين في ذلك أثر جمع كثير من العلماء و جمّ غفير من الكبراء الأتقياء، اعتماداً على ما ثبت بطريق من أهل البيت- عليهم السلام- من أنّ أرض العراق و نحوها- مما فتح عنوة بالسيف- لا يملكها مالك مخصوص، بل هي للمسلمين قاطبة يؤخذ منها الخراج و المقاسمة، و يصرف في مصارفه التي بها رواج الدين، بأمر إمام الحقّ من أهل البيت- عليهم السلام-، كما وقع في أيّام أمير المؤمنين- عليه السلام.و في حال غيبته- عليه السلام- قد أذن أئمتنا- عليهم السلام- لشيعتهم في تناول ذلك من سلاطين الجور، كما سنذكره مفصلا. فلذا تداوله العلماء الماضون و السلف الصالحون غير مستنكر و لا مستهجن. و في زماننا- حيث استولى الجهل على أكثر أهل العصر، و اندرس بينهم معظم الأحكام، و أخفيت مواضع الحلال و الحرام- هدرت شقاشق الجاهلين، و كثرت جرأتهم على أهل الدين، استخرت اللّه تعالى، و كتبت في تحقيق هذه المسألة «رسالة» ضمّنتها ما نقله فقهاؤنا في ذلك من الأخبار عن الأئمة الأطهار- عليهم السلام-، و أودعتها ما صرّحوا به في كتبهم من الفتوى: «بأنّ ذلك حلال لا شكّ فيه، و طلق لا شبهة تعتريه»،)[2] .

كما أن صاحب الجواهر يشكك في كون كثير منها من العامرة المفتوحة عنوة قال ره: (و أما بلاد الشام و نواحيه فحكي أن حلب و حمى و حمص و طرابلس فتحت صلحاً، و أن دمشق فتحت بالدخول من بعض غفلة بعد أن كانوا طلبوا الصلح من غيره، و منه خراسان، بل ربما نسب إلى الأصحاب و أنه من أقصاها إلى كرمان، و إن كنت لم أتحقّقه، بل عن بعض المتأخرين أن نيشابور من بلاد خراسان فتحت صلحاً، و بلخ منها أيضا و هراة و قوسيخ و التوابع فتحت صلحاً، و منه العراق كما صرح به في النصوص و الفتاوى، و منه خيبر كما صرح به بعضهم، و دل عليه أيضا بعض النصوص بل قيل إن منه غالب بلاد الإسلام، و عن بعض المتأخرين أن أهل طبرستان صالحوا و أن أذربيجان فتحت صلحا، و أن أهل أصفهان عقدوا أمانا،)[3] . فلا يزعم البعض بان كثير من الاراضي هي الخراجية ولا يجوز التصرف فيها الا باذن الامام او نائبه. هذا تمام الكلام في الموضوع.

اما في حكم اراضي العامرة بشرياً المفتوحة عنوة فقال المحقق: (ولا يملكها المتصرف على الخصوص. و لا يصح بيعها، و لا هبتها، و لا وقفها .و يصرف الامام حاصلها في المصالح، مثل سدّ الثغور، و معونة الغزاة، و بناء القناطر)[4] .

وقال العلامة في المنتهى: (و لا يصحّ بيع شي‌ء من هذه الأرضين، و لا هبته، و لا معاوضته، و لا تملّكه، و لا وقفه، و لا رهنه، و لا إجارته، و لا إرثه، و لا يصحّ أن يبني دورا و منازل و مساجد و سقايات، و لا غير ذلك من أنواع التصرّف الذي يتبع الملك، و متى فعل شيئا من ذلك، كان التصرّف باطلا، و هو باق على الأصل)[5] .(منتهى المطلب ج14 ص272) وقد اخذ العلامة هذه العبارة من الشيخ في المبسوط (ج2ص34). فبهذا حرم كثير مما لابد منها في استثمار الارض و كانه حصر الامر بالزراعة والاشجار.

ولكن الشهيد في المسالك بالنسبة الى ماذكره المحقق قال: (أي لا يصحّ شي‌ء من ذلك في رقبتها مستقلّة. أمّا لو فعل ذلك بها تبعا لآثار المتصرّف من بناء و غرس و زرع، فجائز على الأقوى. فإذا باعها بائع مع شي‌ء من هذه الآثار دخلت في البيع على سبيل التبع. و كذا الوقف و غيره. و يستمر كذلك ما دام شي‌ء من الآثار باقيا. فإذا ذهبت أجمع، انقطع حقّ المشتري و الموقوف عليه و غيرهما عنها. هكذا ذكره جمع من المتأخّرين، و عليه العمل)[6] .

قال في الجواهر بالنسبة الى حكم تلك الاراضي في عصر الغيبة: (أما حال الغيبة و نحوها فلا خلاف معتد به بل و لا إشكال في جريان حكم يده بالنسبة إلى براءة ذمة من عليه الخراج، و حل المال بالمقاسمة، و إلى جواز الأخذ بشراء و نحوه على ما كان منها في يد الجائر المتسلط للتقية، و أما غيره فالمرجع فيه إلى نائب الغيبة كما صرح بذلك جماعة منهم الكركي و ثاني الشهيدين و غيرهما، و هو الذي تقتضيه‌ قواعد الشرع)[7] ،

وقال ابن ادريس في السرائر: (فإن قيل: لما نراكم تبيعون و تشترون و تقفون أرض العراق و قد أخذت عنوة؟ قلنا: انما نبيع و نقف تصرّفنا فيه و تحجيرنا و بناءنا، فأما نفس الأرض فلا يجوز ذلك فيها)[8] (ص111) .

وقال العلّامة في المختلف بعد حكاية كلام ابن إدريس هذا،: و هو يشعر بجواز البناء و التصرّف، قال: «و هو أقرب»).(مختلف ص333)

و حكى في الجواهرعن المحقق الكركي انه قال: (و في حال الغيبة يختص بها من كانت في يده بسبب شرعي كالشراء و الإرث و نحوهما، لأنها و إن لم تملك رقبتها لكونها لجميع المسلمين إلا أنها تملك تبعا لآثار التصرف، و يجب عليه الخراج و المقاسمة، و يتولاهما الجائر، و لا يجوز جحدهما و لا منعهما و لا التصرف فيهما إلا بإذنه باتفاق الأصحاب، و لو لم يكن عليها يد لأحد فقضية كلام الأصحاب توقف جواز التصرف فيهما على إذنه حيث حكموا بأن المقاسمة أو الخراج منوط برأيه، و هما كالعوض عن التصرف و إذا كان العوض منوطا برأيه كان المعوض كذلك)[9]

وهذا الكلام لا يمكن الالتزام به لان ولاية الجائر غير نافذة شرعا الا لدفع شره او لحفظ النظام والضرورات تتقدر بقدرها نعم ان كان نائب الغيبة وهم الفقهاء العظام مفتوح اليد والمتصدي لامور المسلمين فمقتضى القاعدة لزوم الاذن منه بشكل خاص او العموم في التصرف في اموال العمومي كالاراضي المفتوحة عنوة كما يشترط حلية التصرف في الانفال على اذنه ايضاً


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo