< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

39/10/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : آيات الامر بالمعروف/ كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

بعد ما انتهينا من كتاب الجهاد في شعبان، ارتئينا ان نتابع بحثنا في مسئلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اتباعاً لما مشى عليه المحقق في شرايعه، و لتناسب هذا المبحث مع الجهاد اذ كان الكلام في الجهاد مدافعة الشرك والكفر والبغي، والدعوة الى السلم و السلام و الاسلام، وفي هذا البحث ندفع الفسق والفجور والعصيان و ندعوا الى الخير والصلاح والاحسان.

قال المحقق رضوان الله عليه في شرائع الاسلام: ( كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر‌و الكلام فيه و شروط النهي و مراتب الإنكار و في المقيم للحد‌) [1] فهو رضوان الله عليه انما اكتفى في مفتتح بحثه على ذكر فهرس من مباحثه في اربع فصول، ولم يتطرق الى اهمية هذا المبحث، لأنّ اسلوبه الذي اختاره في شرائعه مجرّد ذكر الاحكام الشرعية البحتة من دون اطناب.

ولكن صاحب الجواهر عندما دخل في البحث إفتتح كلامه بذكر بعض الآيات القرآنية والروايات التي تدل على الموقع السامي لهذا البحث في الشريعة الاسلاميّة المقدّسة، و نِعمَ ما فعل، ونحن نمشي ممشاه في مفتتح كلامنا فنقول:

قال تعالى: "وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[2] اللام للأمر و يحتمل في مِن أحد الأمرين: فهو إمّا للتبعيض فيوجب على المسلمين تخصيص جمع منهم للقيام بواجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، و يحتمل ان يكون مِن نشوية اي لابد ان تنشؤوا منكم ايها المسلمون اُمّةً يدعون الى الخير الى آخر الآية، والمعنى الثاني هو الأقرب لأنّ استعمال مفردة الاُمّة على فريق من الناس غير مسبوق بل يطلق الامّة على مجموع المسلمين الذين يأتمون الرسول وما جاء به من الشريعة الغرّاء. فتوجب الآية علينا ان نعيش تكافلاً اجتماعياً وشعوراً شاملاً لكل ابناء المجتمع تجاه الاخرين، داعين الى الخير، آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر.

وقال تعالى بعد بضعة من الآيات السابقة: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ" [3] في هذه الآية الكريمة ورد الامر بلسان الجملة الخبرية لتكون آكد في الوجوب، ثم يعمم الحكم الى اهل الكتاب حيث ان الدعوة الى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تعتبر من تعاليم جميع الانبياء والشرائع السماوية.

ثم بعد آيتين من هذه السورة ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ ﴾[4] ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَ أُولٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾[5] ﴿ وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾[6] فقارن بين المؤمنين الملتزمين من اهل الكتاب ويصفهم بالإيمان بالله واليوم الآخر في مجال الإعتقاد، و بالقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمسارعة في الخيرات ثم يؤكد على صلاحهم وعدم ضياع اعمالهم و قبولها عند الله، و كذا يشير الى مصداقيتهم للمتقين في منتهى الكلام بذكر كبرى: فقال: "وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ"

وقال تعالى في سورة الأعراف: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[7] فجعل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في طليعة تعاليم النبي صلى الله عليه واله. كما ان من مصاديق المآزرة والنصرة للنبي هو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَ يُطِيعُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[8] . الولاية في هذه الآية عبارة عن التكافل الاجتماعي و تعبير عن المسئوليات المتقابلة بين افراد المجتمع الاسلامة، ويتفرع على ذلك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر و اقامة الصلاة وهي ليس مجرد اتيان الصلاة بل هي احياء ثقافة الصلاة في المجتمع و ايتاء الزكاة الى آخر الآية.

وقال تعالى في صفة المؤمنين: "التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ"[9] ذكر في هذه الآية المباركة تسع صفات من صفات المؤمنين ستة منها تتعلق بالامور النفسانية التي لابد أن يعيشها المؤمن، والثلاثة الأخيرة ما يقدّمه تجاه مجتمعه من الواجب وهو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر و الإحتفاظ لحدود الله، و قوله في مختتم الآية: "وبشر المؤمنين" أيضاً اشارة الى ان من فاز بهذه الصفات فهو مؤمن حقّاً يستحق البشارة.

و قال تعالى:﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَ آتَوُا الزَّكَاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [10] في هذه الآية المباركة بعد ما ذكر الله تعالى في الآيات السابقة منها الإذن في القتال بحجة المظلومية و بيان أهمية الجهاد و دوره في صيانة القيم والتأكذد على نصرة المقاتلين الناصرين للحق، ذكر لهم شرط متأخر لبعد الانتصار والتمكين من الأرض في هذه الآية فجعل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من تلك الشروط.

وقال تعالى في ضمن وصايا لقمان لإبنه: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ اصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ[11] .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo