< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

36/09/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : تفسير سورة الإسراء
خاتمة البحث حول المعاد.
بعد أن وقفنا عند عقيدة المعاد، وعند أدلتها القطعية، وعند الشبهات التي أثيرت حولها، والرد عليها، وبعد أن اتضح لنا أن تحقق المعاد محتوم، وأن العقيدة به من ضروريات الدين الحنيف، وأن المعاد ليس روحانيا فقط، بل سيكون مع الجسم الذي مات فيه الإنسان، أودّ أن أشير إشارة عابرة إلى عقيدة التناسخ او التقمص ونناقشها، لأن لها ربط ببحث المعاد، كما سيظهر من خلال وقوفنا عند هذا الموضوع.
عقيدة التناسخ أو التقمص.
هذه العقيدة عقيدة قديمة، وكانت موجودة في الديانات السابقة من البوذيين، والهندوس والسيخ، وحتى في بعض أوساط المسلمين، يؤمن أصحاب هذه العقيدة بأن روح الإنسان بعد موته تحل في جسم آخر فيعود إلى الحياة مرة ثانية، وتتكرر هذه العملية مرات كثيرة بما لا نهاية له، بعبارة أخرى، أن الاجساد هي بمنزلة القميص للروح فتنزع ثوبا بموته من حياة وتلبس الآخر بحلولها في جسم آخر، فالإنسان يعيش في هذا العالم حسب ما اكتسبه في الحياة السابقة، فمن يرى في هذه الحياة من السعادة والراحة فهي نتاج أعماله الصالحة سابقاً، ومن يعيش شقياً مبتلى بالآلام والمصائب، كان قد ارتكب المعاصي والذنوب فيتحمل تبعاتها. بعبارة أخرى أن المصائب والآلام والمشاكل التي تبتلى الناس بها كانت جزاء لما ارتكبوها من المعاصي والذنوب في الحياة السابقة. والنعم واللذائذ والراحة التي يعيشها بعض الناس الآخرون كانت جزاء لأعمالهم الصالحة فيما فعلوها سابقاً، وهذا ما يسمى بتناسخ الأرواح أو تقمّصها.
استدلالهم على صحة هذه العقيدة.
نشير هنا إلى أهم ما استدل به القائلون بالتناسخ، استدل أصحابها – أولاً - على نفس ما استدل به القائلون بيوم القيامة، من أن هذه الدنيا مليئة بالأحزان والمشاكل والمصائب والآلام، فما من إنسان إلا وهو مبتلى بشيء ما، فقيراً كان أو غنياً، لا تجد راحة إلا قبلها أو بعدها أو معها مصيبة أو مشكلة أو حزن، من جهة أخرى نؤمن بأن الله رحمن رحيم وعادل وحكيم، لا يريد ظلماً بالعباد، فإن لم نقل بعقيدة التناسخ، فيلزم منه أن الله تعالى خلق الإنسان ليتعذب في هذا العالم بأنواع المصائب والآلام والمشاكل، لأننا إذا قلنا بالتناسخ، فهذا يعني أن ما يعانيه الإنسان من مصائب هو ليس من الله عز وجل بل مما كسبت أيديه في الحياة السابقة.
ثانيا – كما انهم يستلون للتناسخ بأنه لو لم يكن للظالم حياة اقتص فيها للمظلوم لما نفذ العدل في العباد.
وقد ترى أن بعض المسلمين الذين تأثروا من تلك الافكار يستندون لها ببعض الآيات القرآنية كقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً }[1] فرأوا أن تبديل الجلود دليل على أن الروح تنتقل من جسم إلى جسم ليعذب صاحبها بما فعله في الحياة السابقة. ومما حاول القائلون بالتناسخ الاستدلال بها ما جاء في القرآن في قصة بعض الأمم السالفة من المسخ كقوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازيرَ وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبيلِ}[2] وكذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئينَ}[3] فاعتبروا تحول الكفار في الآية الاولى وأصحاب السبت من اليهود في الآية الثانية إلى القردة والخنازير، من التناسخ، هذا أهم ما استدل به أصحاب التناسخ.
الرد على عقيدة التناسخ. اتفقت علماء الإمامية على بطلان القول بالتناسخ والتقمص، وقد كتبوا فيها كتب ومؤلفات ورسائل عديدة. وقد وردت الإشارة إلى فساد هذه العقيدة في بعض الروايات المباركة، ومنها ما رواه الشيخ الصدوق عليه الرحمة :( ..... فَقَالَ الْمَأْمُونُ يَا أَبَا الْحَسَنِ فَمَا تَقُولُ فِي الْقَائِلِينَ بِالتَّنَاسُخِ فَقَالَ الرِّضَا ع مَنْ قَالَ بِالتَّنَاسُخِ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ مُكَذِّبٌ‌ بِالْجَنَّةِ وَ النَّار.....)[4] فهذا قول المعصوم العالم بحقائق الامور الصریح فی رفض هذه العقیدة، ثم إنه یمکن الرد على ما استدلوا بها لتبرير القول بالتناسخ :
أولاً– أن ما ذكروه في الدلیل الأول من أنه إن لم نقل بالتناسخ فلابد وأن نلتزم بنفي الحكمة والعدالة عن الله وأنه ظالم للعباد حیث سلط عليهم من يظلمهم من دون أن يقتص للمظلوم من ظالمه، وهذا لا يصح لأنه رحمن رحيم وعادل، ولا يريد بالعباد إلا خيراً ورحمة، هذا الاشکال وارد لو لم نؤمن بيوم القيامة، أما إذا ثبت عندنا أنه يأتي يوم الجزاء والحساب، ويوفى كل نفس بما كسبت في هذا العالم، لا يرد ما ذكروه في المقام. لكن لما أنكروا المعاد، وجعلوا هذه العقيدة في مقابل عقيدة المعاد، استدلوا بنفس ما استدل به القائلون بيوم المعاد. فالقول بیوم الجزاء والقيامة وان هذه الدنيا دار ممر وهي قصيرة جدا وانما هي دار البلاء اي الامتحان ووجود البلايا والرزايا مكمل لظروف الامتحان يبرر حكمة الله في خلقه وعدله في عباده ولا حاجة إلى تلك التمهلات التي ترد عليها مناقشات كثيرة كما سوف تتوضح لكم.
ثانياً - أنه لو تم ما ذهب إليه القائلون بالتناسخ، للزم أن يكون عدد البشر ثابتا لا یزيد ولاينقص، بینما نرى ونشاهد تصاعد جمعية البشر يوما بعد يوم، فازداد عدد سكان العالم كل سنة أضعافا مضافة، فإن راجعنا إلى الاحصائيات الوفات والولادة لرأينا عدد حالات الولادة أضعاف حالات الوفات فلا یمکن أن نعتبر کل ولادة هی إعادة لمن مات قبل ذلك.
ثالثا: هناک كوارث طبيعية مثل الفيضانات والزلال وانتشار الوباء كالطاعون، والتي تحصد الآلاف الناس، وأنه نشبت الحروب الكثيرة من الحرب العالمية الأولى والثانية، والتي سقطت من خلالها خمسون مليون نسمة، فإذا وجب أن يكون في قبال من يموت ولادة تحمل روح المتوفين للزم أن تكون حالات الولادة بعد الكوارث أیضا جماعیة وإلا یستلزم بقاء الأرواح بلا ملجئ وبقاءها متحيرة لا مجال لها فتقف في صفوف حتى يأتي دورها ؟
رابعاً: يستلزم من هذه العقيدة ما هو خلاف الحكمة الإلهية، وهي أن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان ليفيض عليه من خيره ورحمته، ويلزم حسب ما قالوه أن يعيش الإنسان دائما في تعب ومشاكل وألالام وأحزان. لأنه سوف يولد ملايين مرة إلى الدنيا المحفوفة بالبلاء، فيعيش في جميع الأدوار تلك المعاناة خصوصا ونحن نعرف أن المتنعم وأصحاب الأموال والعقارات بل الملوك والرؤساء هم كذلك يعيشون الصعوبات والبلايا في حياتهم ولعل معاناتهم في هذه الدنيا ليست باقل من الفقراء والمعدمين. نعم لا محیص لحل إلا القول بالمعاد وأن هذه الدنيا هي مقدمة للآخرة وأن عمر الحياة الدنيوية لكل شخص بالنسبة إلى آخرته إلا كلمح بالبصر فخلق الإنسان للخلود والبقاء في نعيم ربه فمشاکل الصالحين من العباد محصور على فترة قصيرة وبعدها الرحمة والنعمة الخالصة تنتظرهم.
خامساً – الاعتقاد بالتناسخ يحث الظالمين والطواغيت والجبابرة على ارتكاب الطغيان والجبروت والظلم، لأنهم حينما يظلمون على الآخرين يعتقدون أن هؤلاء يستحقون العذاب جزاء لما كسبت أيديهم في حياتهم السابقة , فلاينبغي الاعتراض على ظلمهم وجبروتهم وطغيانهم، وكذلك لا داعي للإحسان لأن الفقير والمحتاج يستحق ما يعاني عنه، ومن هنا يقولون " لم نطعم من لو يشاء الله أطعمه " فلا رادع عن الظلم ولا داعي للإحسان ولا دافع للقيام ضد الطواغيت، لأنهم يتصورون أن ما یجری هو نتاج الأعمال السابقة علی حسب استحقاق کل فرد، جزاء لما ارتكبوا في حياتهم السابقة من الذنوب عند ما كانت أرواحهم في أجسام أخرى. ومن هنا فهذه العقيدة وسيلة يتخذها الظالمون لتبرير أعمالهم المهينة بحق الإنسان والإنسانية، وبذلك تنهدم منظومة الأخلاق الفاضلة من أساس، ولا يبقى للأمن والأمان والخير مجال في الحياة.
سادساً : بما أن الانسان لا یشعر بحیاة سابقة فعقابه يزيده ابتعادا عن الله وهو يشعر بأن الله يظلمه بينما ينبغي أن ينبه العاصي بعصيانه وظلمه ثم يحكم عليه بالعقاب كما أن الله يقول في الآية الأخيرة من الآيات التي بين أيدينا: "يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده..." والظاهر أن المراد كل من يدع في المحشر يستجيب الدعوة وهو يشعر بانها فضل وكرامة إلهية ولو كان من أهل النار فإنه يعرف عند ذلك لو شمله الشقاء فهو بما ظلم نفسه والله لم يأت منه إليه إلا الخير والرحمة وهو لم يستفد منها.
سابعاٌ: يلزم من هذه العقيدة أن تتنزل النفس من مرحلة الكمال إلى مرحلة النقص، وأن ترجع من مرحلة الفعلية إلى مرحلة القوة، وهذا خلاف السنة الإلهية التي تتمثل في السير التكاملي للموجودات من القوة إلى الفعل ومن النقص إلى الكمال.
ثامناٌ: الآیات التی حاول البعض أن یحملها على عقيدة التناسخ لا وجه له لأن إحداها في بيان حال أهل النار في النار والأخرين في من عوقب بالمسخ من دون النسخ بتبدل جسمه إلى هيئة القردة والخنازير ثم جاءتهم صاعقة فهلكوا وليس ذلك من التناسخ في شيء.
هناک مباحث کثیرة حول المعاد وفیها فوائد کثیرة نترکها لمناسبة أخری کی لا نخرج من أسلوبنا فی التفسیر الترتیبی.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo