< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

37/09/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الثمرة السادسة

قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبينٌ . فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ)[1] السلم و السلام والاسلام والتسليم قريب المعنى قال الراغب في مفرداته: (السِّلْمُ و السَّلَامَةُ: التّعرّي من الآفات الظاهرة و الباطنة)، السلم، هو الصلح والتسليم والاستسلام هو الانقياد وهذا معنى اضافيا يتعدى بلام فنقول سِلم لمن سالمكم سِلم لفلان وبهذا المعنى السلم يقابل الحرب

فهل المراد من الدخول في السلم الدخول في الاسلام؟ كما قال به بعض المفسرين قال في الميزان: (فالسلم المدعو إليه هو التسليم لله سبحانه بعد الإيمان به فيجب على المؤمنين أن يسلموا الأمر إليه، و لا يذعنوا لأنفسهم صلاحا باستبداد من الرأي، و لا يضعوا لأنفسهم من عند أنفسهم طريقا يسلكونه من دون أن يبينه الله و رسوله، فما هلك قوم إلا باتباع الهوى و القول بغير العلم، و لم يسلب حق الحياة و سعادة الجد عن قوم إلا عن اختلاف)[2] و تابع هذا القول الامثل فقال: (فتدعوا هذه الآية الكريمة جميع المؤمنين إلى الصلح و السّلام و التسليم إلى أوامر اللّه تعالى، و يستفاد من مفهوم هذه الآية أنّ السّلام لا يتحقّق إلّا في ظلّ الإيمان، و أنّ المعايير و المفاهيم الأرضيّة و الماديّة غير قادرة على إطفاء نار الحروب نار الحروب في الدنيا، لأنّ عالم المادّة و التعلّق به مصدر جميع الاضطرابات و النّزاعات دائما، فلو لا القوّة المعنويّة للايمان لكان الصّلح مستحيلا، بل يمكن القول أنّ دعوة الآية العامّة لجميع المؤمنين بدون استثناء من حيث اللّغة و العنصر و الثروة و الإقليم و الطبقة الاجتماعيّة إلى الصّلح و السّلام يستفاد منها أنّ تشكيل‌ الحكومة العالميّة الواحدة في ظل الإيمان باللّه تعالى و العيش في مجتمع يسوده الصّلح ممكن في إطار الدولة العالميّة. واضح أنّ الاطر الماديّة الأرضيّة (من اللّغة و العنصر و ...) هي عوامل تفرقة بين أفراد البشر و بحاجة إلى حلقة اتّصال محكمة تربط بين قلوب النّاس، و هذه الحلقة ليست سوا الإيمان باللّه تعالى الّذي يتجاوز كلّ الاختلافات، الإيمان باللّه و اتّباع أمره هو النقطة و المحور لوحدة المجتمع الإنساني و رمز ارتباط الأقوام و الشّعوب) وفي مقطع من كلامه يَحتمِل أن المراد من – كافة – يعني كافة تشريعات الاسلام دون بعضها فقال: (تأمر الآية الشريفة أن يعتنقوا الإسلام بكافّة وجودهم و يخضعوا و يسلّموا لجميع أحكامه و تشريعاته).

ولكن سياق الآيات يفيدنا ان الآية داعية إلى الصلح والسلام وترك الخلافات التي تجر المجتمع إلى الفتنة والحرب ويؤيد هذا المعنى سياق الآيات السابقة فنطل اطلالة إلى الآيات السابقة وهي قوله تعالى: "وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللَّهَ عَلى‌ ما في‌ قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ . وَ إِذا تَوَلَّى سَعى‌ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ . وَ إِذا قيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ . وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)[3] فهذه الآيات تتحدث معنا عن هؤلاء الذين معجبون بانفسهم و ينطقون بكلمات رنانة جميلة ويضمرون الحقد والكراهية للناس ولا يتورعون عن أيَّ شر وفساد . وعند ما يوجَّه اليهم النصيحة، لشدة تكبرهم والاعجاب بأنفسهم يتخذون موقفاً معادياً. ثم يتحدث معنا عن من يضحّي بما عنده في سبيل مرضات الله، فالآية المبحوث عنها تحذِّرنا عن تسرُّب الشيطان في صفوف المسلمين ليثير الفتنة و يشعل نار الخلاف فيما بينهم، فالقرآن يأمرنا بحالة السلم و الصلاح ثم يسلّينا عن هؤلاء الذين لا يستسلمون للسلام ولا يتنازلون عن عصبيتهم بأن هناك حاكم عزيز عادل سوف يحكم بين عباده .

سياقها سياق قول الله تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَميعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَ كُنْتُمْ عَلى‌ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ . وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَ لا تَكُونُوا كَالَّذينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظيمٌ )[4]

والاسلام لشدة حرصه على السلام نهى عن كل شيئ يفرق الناس و يشتت المسلمين عن بعضهم. نشير إلى بعضها طياً:

منها: النهي عن اتباع العصبية: فعن ابي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص "مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حَبَّةٌ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ عَصَبِيَّةٍ بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أَعْرَابِ الْجَاهِلِيَّةِ". [5]

عن أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ السِّتَّةَ بِالسِّتَّةِ الْعَرَبَ بِالْعَصَبِيَّةِ وَ الدَّهَاقِينَ بِالْكِبْرِ وَ الْأُمَرَاءَ بِالْجَوْرِ وَ الْفُقَهَاءَ بِالْحَسَدِ وَ التُّجَّارَ بِالْخِيَانَةِ وَ أَهْلَ الرَّسَاتِيقِ بِالْجَهْلِ"[6]

عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع عَنِ الْعَصَبِيَّةِ فَقَالَ الْعَصَبِيَّةُ الَّتِي يَأْثَمُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا أَنْ يَرَى الرَّجُلُ شِرَارَ قَوْمِهِ خَيْراً مِنْ خِيَارِ قَوْمٍ آخَرِينَ وَ لَيْسَ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ قَوْمَهُ وَ لَكِنْ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُعِينَ الرَّجُلُ قَوْمَهُ عَلَى الظُّلْمِ[7] نعم أن العلاقات العرقية بين العشائر فرصة جميلة وتنظيم عريق طبيعي يمكن استغلالها في خدمة الوطن والشعب مشروطا على أن تحدد في الايجابيات، ولا تجرّ إلى السلبيات بمعنى احتكار الخيرات للعشيرة ونفيها عن الآخرين و اتخاذ الموقف المعادي لغيرهم وهذا الذي يحذِّرنا ربُّنا عنه، فعند ما يدعونا إلى التعاون بقوله: "تعاونوا على البر والتقوى" يعقب كلامه بقوله: "ولا تعاونوا على الاثم والعدوان" ويستشف من ذالك بوضوح خطر الوقوع في التعاون السلبي في تشكيلة العشيرة وفي اي تشكيلة وتنظيم أخرى، ومن ابتلائات الحضارة الجديدة ظهور أحزاب سياسية تحاول دوماً لتحتكر كل المزايا والمناصب في المنتمين إلى حزبهم و يتركون الأصلح بحجة عدم انتمائه إلى حزبهم، فالتحزب اصبحت من اسباب التفرق والخلاف وهذا من بلايا عصر الحضارة و قد تكون العصبيات الحزبية أخطر من العصبيات العرقية فينبغي للمجتمع الاسلامي أن يكون ميزان التقديم والتأخير و الانتقاء عندهم لكل شيئ القابليات والكمالات المودعة عند كل أحد.

فالحديث المعروف "انصر أخاك ظالما او مظلوماً" معناه بالردع عن ظلمه اذا كان ظالماً فهذا خدمة اليه كي لا يستمر في ظلمة وتزداد تبعته و الدفاع عن حقه اذا كان مظلوماً.

ومنها : النهي عن السب والشتم والفحش والكلمات النابية، تلك الالفاظ التي تزرع العداء وتشعل نار الحرب فعَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَقَالَ لِي مُبْتَدِئاً يَا سَمَاعَةُ مَا هَذَا الَّذِي كَانَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ جَمَّالِكَ إِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ فَحَّاشاً أَوْ سَخَّاباً أَوْ لَعَّاناً فَقُلْتُ وَ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ ذَلِكَ أَنَّهُ ظَلَمَنِي فَقَالَ إِنْ كَانَ ظَلَمَكَ لَقَدْ أَرْبَيْتَ عَلَيْهِ إِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ فِعَالِي وَ لَا آمُرُ بِهِ شِيعَتِي- اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ وَ لَا تَعُدْ قُلْتُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَ لَا أَعُودُ.[8]

وفي حديث آخر: "إن الله لا يحب كل فحاش بذيّ لايبالي بما قال وما يقال له".

ومنها : النهي عن الغرور والفخر: فعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ ص لِعَلِيٍّ ع قَالَ: يَا عَلِيُّ آفَةُ الْحَسَبِ الِافْتِخَارُ ثُمَّ قَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ بِالْإِسْلَامِ- نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَ تَفَاخُرَهَا بِآبَائِهَا أَلَا إِنَّ النَّاسَ مِنْ آدَمَ- وَ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ وَ أَكْرَمَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ.( وسائل ج16 ص43) وقد ورد في تفسير قوله تعالى: "الهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر..." انها في شأن المتباهون بكثرة العشيرة والأهل.

منها : الدعوة إلى السماح والعفو: فعن علي ابن الحسين عليهما السلام في دعائه عند دخول شهر رمضان: "ووفقنا.....وَ أَنْ نُرَاجِعَ مَنْ هَاجَرَنَا، وَ أَنْ نُنْصِفَ مَنْ ظَلَمَنَا، وَ أَنْ نُسَالِمَ مَنْ عَادَانَا" ثم يستثني العداء لأعداء الله ويقول: "حَاشَى مَنْ عُودِيَ فِيكَ وَ لَكَ، فَإِنَّهُ الْعَدُوُّ الَّذِي لَا نُوَالِيهِ، وَ الْحِزْبُ الَّذِي لَا نُصَافِيهِ"[9]

ومنها : النهي عن المراء: وهو المجادلة في الكلام والسعي للغلبة على الآخر وإرغامه، وهذا منهي عنه سواء كان في الحق او الباطل. لأن المراء يدفع جانب الآخر إلى إتخاذ الموقف، فيثير نار اللجاج و ينبت الحقد والكراهية ويبعد المخاطب عن الحق، ولذا ورد في الحديث: "دع المراء وإن كُنتَ محقاً" وكثيراً نرى الشباب يمارون مع بعضهم في المسائل الدينية والسياسية بما لايحمد عقباه.

وعلى كل حال أن النصوص الاسلامية والتعاليم الإلهية مليئة بما يزيد المحبة والتواد والاخوة بين المسلمين وقد ذكر كثير منها في ابواب العشرة وبعضها في ابواب جهاد النفس وبعضها في ابواب آداب السفر في كتاب الحج. فعلى من يرغب المراجعة إلى مظانها كي يدرك عن كسب أن الاسلام اسم مع المسمى داع إلى السلام العالمي والإخاء الديني فأمير المؤمنين عليه السلام يقسِّم الناس بقسمين: "إمّا أخ لك في الدين وإمّا نظير لك في الخلق فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه.


[9] الصحيفة السجادية دعاء.47.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo