< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

37/09/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الثمرة الثالثة عشر

قال الله تعالى: "وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى‌ بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَليماً"[1]

قال صاحب الميزان في تعريف التمني: (التمني إنشاء نحو تعلق من النفس نظير تعلق الحب بما تراه متعذرا أو كالمتعذر سواء أظهر ذلك بلفظ أو لم يظهر)

و التمني حالة في النفس يشتاق أن يحصل له أمر لا يمكن حصوله او بعيد النوال بالنسبة اليه. فما دام لم يظهره بلفظ او كتابة او اشارة ليس انشاءً وانما إنشاء التمني يتحقق بالمُظهِر كما في صيغة الأمر والنهي فتعريف الميزان للتمني بالإنشاء، تعريف لما هو اخص من التمني.

في بادئ النظر يستفاد من الآية النهي عن تمني ما يتنعّم به الآخرون من الأمور المادية وأنّ كل نفس يملك ما اكتسبه ومن أراد شيئاً فليسأل ربّه ولا ينبغي أن يكون نظره وراء اموال الآخرين.

ولكن عندما نتأمل و نتعمق في فهم الآية يفتتح امامنا آفاق وسيعة من المعرفة، اذ أنّ فضل الله بعضكم على بعض ليس محصورا على الاموال والمزايا المادية المكتسبة كما أن الاكتساب لا يحصر على نتائج الاعمال الاختيارية فلنقف شيئاً عند مفردة الاكتساب فنقول:

أن الاكتساب نوع من الحيازة و الاختصاص، وقد يحصل ذالك بعمل اختياري كاكتساب المال بصنعة أو حرفة وأمثال ذالك، واكتساب العلم بالدراسة والمطالعة والتجربة والاختبار واكتساب الموقع الاجتماعي بالاختراع و التعليم والخطابة وبذل الخيرات على الناس وغير ذالك.

وقد يكون الاكتساب بأمور خارج عن إرادة الانسان، كالذكورية أو الأنثوية فكل منهما مزية مكتسبة من دون ارادة الشخص و تأتي فرصاً لاكتساب مزايا مالية او اجتماعية او غير ذالك ، وكالجمال او الانتماء لأسرة معينة فيكتسب بها فضائل ومزايا كما يقال اكتسب فلان بجماله او بانتمائه إلى شخصية معينة الشهرة او العزّة او مكانة في الناس، و كثيراً ما ترى بعض الناس إذا أصبح أحد أقربائه صاحب جاه علمي او مالي او استشهد، فقريبه يكتسب عزةً وشهرةً وموقعاً مميّزاً في قلوب الناس. فالفضل له معنى واسعاً والاكتساب كذلك له معنىً واسعاً.

والتفاضل الموجود قد يكون في مقام التكوين وقد يكون في مقام التشريع.

اما في مقام التكوين : كما نرى التفاضل في افراد البشر نرى التفاضل و التفاوت في جميع الاشياء دون الانسان و أنا أودّ أولاً أن أطل اطلالة على التفاضل والتنوع في مظاهر الطبيعة ثم أنتقل من ذاك المنطلق إلى الانسان. فالأشياء منها ما هو صغير و منها كبير، و جميل وقبيح المنظر عالي وداني و ففي الحيوانات تري الحمار والكلب والغنم وانواع الطيور هل يمكن ان يعترض الحمار لماذا لم يُجعل انساناً؟ او الدجاج يقول لماذا ما خلقتني صغراً؟ وهكذا

الجواب انه يستحيل ان يكون شيء شيئاً غيره، فلا يمكن أن يكون الحمار انساناً و الله لم يجعل الحمار حماراً بل أوجده، نعم لنا أن نقول لماذا خلق الله الحمار و لماذا خلق الله العصفور؟ وهكذا فيا ترى أن عدم هذه الاشياء افضل من وجودها؟ !!، نحن نعلم أن وجود كل شيء خير من عدمه وفي وجوده منا فع و فوائد.

هذا الأمر جاري في الانسان ايضاً فلا معنى لأن نقول لماذا لم يجعل الانثى ذكراً او بالعكس، لانه يستحيل ذالك ولم يجعل الله الذكر ذكراً ولم يجعل الله الأنثى انثىً بل أوجدهما، فهل عدم كل منهما أحسن من وجوده؟!هذا أولاً.

و ثانياً : أن العالم قائمٌ على الاختلاف والتفاوت والتنوّع، فلا يتحقق تنظيماً الا بأجزاء مختلفة مثلا السيارة تحتاج إلى قطع كثيرة وكل قطعة لابد وأن تكون بهيئة معينة وتقع في موقع معين من السيارة كي تعطي فائدتها و يختلف كل قطعة عن الأخرى حسب التناسب، فليس للدولاب ان يعترض على صانع السيارة لماذا جعلتني ملتصقا بالأرض ألمس الأوساخ و أتحمّل وزن السيارة وركابها على عاتقي؟ ولم تجعلني في مكان الزجاج الامامي للسيارة حتى اكون محترماً؟ وهكذا سائر الأجزاء. او ليس للساق الاصلي من الشجرة أن تعرض على خالقها لماذا جعلتني حاملا لكل الاغصان وجعلتها اجمل مني أو لِمَ تجعلني مكان الاوراق؟، عالم الإنسان هكذا لابد من التفاوت في القدرات والطاقات والسلائق والمواقع الاجتماعية والصلاحيات كي يتشكل الكيان البشري والتنظيمات الاجتماعية ، نعم بعض التفاضلات هي نتيجة مظالم البشر فيما بينها ولكن الله جعل الانسان بحيث يستطيع ان يتجاوز إلى حقوق الآخرين ويفسد في الأرض ويسفك الدماء، وهذا معلول لتكريم الله للإنسان بأن خلقه مختارا في بعض شئونه تكويناً وبذلك يتم الامتحان فيسعد من يسعد باختياره ويشقى من شقى باختياره ليهلك من هلك بالبيّنة ويحيى من حيّ بالبيّنة والله سوف يقتص لكل مظلوم عن ظالمه و هو احكم الحاكمين. هذا في عالم التكوين.

أما في عالم التشريع والقوانين الموضوعة من قبل الشارع المقدس فهي قد جعلت متناسبا لحاجات المجتمع وتنظيم أمورها على النظام الأصلح وروعي فيا العدالة بين الناس بدقة بالغة، قال علي عليه السلام في هذا المجال: " ثُمَّ جَعَلَ سُبْحَانَهُ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي وُجُوهِهَا وَ يُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً وَ لَا يُسْتَوْجَبُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ"[2] ومن الحقوق ما يتعلق بالذكر والانثى فحقوق منها تتعلق بإنسانية الانسان هي متساوية ومتشابهة، ومنها ما ينظم علاقة الرجل بالمرأة فلوحظ فيها خصوصية كل منهما ومتطلبات طبيعة كل منهما فقد نرى هناك عدم التشابه واختلافات هي ناشئة من الاختلاف في طبيعتهما في الخلق ولكنها ولو ليست متشابهة ولكنها متساوية كما قال علامة الشهيد آية الله المطهري انها متساوية غير متشابهة وقال الله تعالى: "ولهن مثل الذي عليهن"، مثلاً أن الله جعل الرجال قوامون على النساء وكلفهم بتحمل نفقة الاسرة ومؤوناتها و لم يوجب على المرأة شيئاً من النفقة، في مقابل ذالك جعل ارث الاولاد من والديهما " للذكر مثل حض الأنثيين" وبما أن ليس على الانثى انفاق واجب فهي عند ما تستلم حصتها من الإرث لم يفرض عليها شيء من المؤونة فلها أن تدخره انوافلها، و لكن الذكر عنما يستلم حصتها في الارث يجب عليها ان يصرفه في نفسه و زوجته وأولاده، مثال آخر: جعل الله دية الرجل والمرأة متساوية ما لم تبلق ثلث الدية الكاملة فاذا بلغت الثلث تعود دية المرأة نصف الرجل و هل هذا بمعني أن الله جعل قيمة المرأة نصف الرجل؟!

أن الدية ليست قيمة الانسان فقيمة الانسان هي بكمالاته وانما الدية جعلت تعويضاً وجبراً لما اصطدم به الجريح او أولياء المقتول والية التي للقتل او للجرح ونقص الاعضاء اذا كان دون الثلث فهي انما تكون جبرانا لما اصيب الجريح من نقص العضو و يساوي فيها الذكر والانثى واما اذا تجاوز الثلث فالمصيب بجراحة فوق الثلث يفقد القدرة على العمل الذي يعتاش من خلاله هو وأهله فجُعل دية الرجل ضعف المرأة لانه اصطدم روحيا وعاطفيا بنقص العضو و كذلك افتقد القدرة على الانتاج والعمل الاقتصادي، فيحتاج إلى رأس مال يستربحه للمعيشة ولكن المرأة عندما تصطدم بجرح فوق الثلث و إن أصبحت عاجزة عن كثير من الامور ولكن ليس عليها تأمين معاش نفسها وأهلها، فيكفيها ما يجبر خاطرها في نقص الوارد على جسمها. وكذلك في دية القتل فان اولياء المقتول اذا كان ذكراً اصيبوا بفقد عزيز من أعزتهم، و أيضا فقدوا المنفق عليهم في معيشتهم فجُعلت ديته مضاعفةً، ولكن اذا كان المقتول امرأة فانما اصيبوا اوليائها بصدمة عاطفية لفقد عزيز من اعزتهم ولكن لم يفقدوا بقتلها المنفق عليهم، فلعل من حِكَم هذا الفرق بين دية الرجل والمرأة هو هذا الوجه.

فان قلت: نرى في بعض الحالات أن المرأة تنفق على زوجها واولادها؟ قلنا: أن الشارع المقدس ما كلّفها بالانفاق، فهي اما تتبرع بالانفاق او قسوة ظروف المعيشة وغيرها فرضت عليها كلفة الانفاق. وهذه الحالة من الحالات الشاذة فعند ذالك أوجب الله نفقتهم على بيت المال، و انما يُلحظ في تقنين القوانين الحالات الغالبة عادةً. وقس على ذالك سائر الحقوق التي لا مجال لنا ان نلقي الضوء عليها لتحليلها في هذا البحث المختصر.

 


[1] النساء32.
[2] نهج البلاغة خطبة216.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo