< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

37/09/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الثمرة الرابعة عشر

قال الله تعالى: "وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدينَ)[1]

نحن نعيش هذه الليلة ذكري مولد الامام ابي محمد الحسن المجتبى عليه السلام رابع الخمسة الطيبة أصحاب الكساء, التطهير والمباهلة وهو الأكبر من السبطين وهو أحد ريحانتي رسول الله صلى الله عليه وآله و أحد الإمامين الذين اعلن رسول الله امامتهما قاما أو قعدا الذين حبهما الايمان وبغضهما الكفر وغيرها من المناقب التي لا تعد ولا تحصى.

وهو مصداق لقول الله تعالى: وجعلناهم.... (الآية اعلاه) ولو أن الضمير في هذه الآية المباركة يعود إلى الانبياء المذكورين قبلها ولكن بما اننا نعرف أن الله تعالى هو الذي جعل ائمة أهل البيت المعصومين عليهم السلام أئمة، فلهم من الامامة ما للانبياء، الا انهم ليسوا بنبي مضافا إلى الروايات التي تدل على هذا المعنى واليك بعض نصوصها:

عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عزّ وجلّ: "وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا قال أبو جعفر ع يعني الأئمة من ولد فاطمة يوحى إليهم بالروح في صدورهم"[2]

‌ وعن زيد بن علي (عليه السلام)، قال: كنت عند أبي علي بن الحسين (عليهما السلام)، إذ دخل عليه جابر بن عبد الله الأنصاري، فبينما هو يحدثه إذ خرج أخي محمد من بعض الحجر، فأشخص جابر ببصره نحوه، ثم قال له: يا غلام، أقبل. فأقبل، ثم قال: أدبر. فأدبر، فقال: شمائل كشمائل رسول الله (صلى الله عليه و آله)، ما اسمك، يا غلام؟ قال: «محمد». قال: ابن من؟ قال: «ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)». قال: إذن أنت الباقر، فانكب عليه، و قبل رأسه و يديه، ثم قال: يا محمد، إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقرئك السلام. قال: «و على رسول الله أفضل السلام، و عليك يا جابر بما فعلت السلام». ثم عاد إلى مصلاه، فأقبل يحدث أبي، و يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال لي يوما: «يا جابر، إذا أدركت ولدي محمدا فأقرئه مني السلام، أما أنه سميي، و أشبه الناس بي، علمه علمي، و حكمه حكمي، سبعة من ولده أمناء معصومون، أئمة أبرار، و السابع منهم: مهديهم الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما». ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه و آله): وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ)[3]

فمن هذا الحديث يظهر أن رسول الله طبق الاية على ائمة اهل البيت عليهم السلام.

و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب عن النبي صلى الله عليه و آله حديث طويل في فضل على و فاطمة عليهما السلام و فيه قال صلى الله عليه و آله: و ارزقهما ذرية طاهرة طيبة مباركة و اجعل في ذريتهما البركة، و اجعلهم أئمة يهدون بأمرك الى طاعتك و يأمران بما يرضيك.( نور الثقلين ج3ص441).

فالأئمة عليهم السلام علمهم الله من لدنه، نعم لم يكن ينزل اليهم الوحي كالانبياء ولكن الوحي بمعنى اشراق العلوم إلى قلوبهم كان أمرا محتوماً وما ورد عن امير المؤمنين أن رسول الله علمه في ليلة واحدة الف باب من العلم يفتح من كل باب الف باب لم يكن من قبيل تعلم التلميذ عند الاستاذ، فان مليون باب في ليلة واحدة وكل باب منها اوسع واعمق من مليون باب من علومنا تحتاج لسنين طويلة جدا لتلقيها. فما كان من رسول الله لم يكن الا اشراقا إلى قلب علي عليه السلام. فاذا انهم معصومون لا يخطئون في اعمالهم بل كلها صواب وسداد.

فقد يطرح السؤال: لماذا أنه سلام الله علية ترك الأمر إلى معاوية ولم يقاتله حتى ينتصر او يُقتل؟ كما فعل الحسين عليه السلام في كربلا؟

الجواب اولاً: أنّه كان معصوماً ومؤيداً من عند الله وكل ما فعل كان بإذن الله بل بأمره.

ولكن مع ذالك نريد ان نلقي نظرة علمية على موقفه فنقول: انّه سلام الله عليه اقتدى بجده وابيه في هذا الموقف: فان رسول الله لم يحكم على الناس الا عند ما صوّتوا له ودعوه إلى المدينة المنورة فبايعوه طوعاً و ما أجبر أحداً على الاسلام، وقد أقام في المدينة حكومة اسلامية تلبية لطلب الأكثرية، وترك الاقليات من اليهود والنصارى و المشركين ليعيشوا طقوسهم وتعاهد معهم للدفاع عنهم وأن يعيشوا كمواطن تحت ظل الاسلام مأمونون في انفسهم واموالهم. والعهد الذي جعله رسول الله لجميع الفئات الموجودة في المدينة المنورة موجوى في كتاب مكاتيب الرسول فليراجع من يرغب، وغزواته كلها كانت دفاعا عن نفسه والمسلمين كما بيناه في محله بتفصيل لامزيد عليه.

وأمير المؤمنين ايضاً لما رأى الناس بايعوا ابي بكر لم يستعمل القوة للوصول إلى مسدة الحكم حتى عند ما هجموا عليه بعد مقتل عثمان وأصروا عليه للبيعة ورأى أن الظروف غير متواتية قال: "دَعُونِي وَ الْتَمِسُوا غَيْرِي فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وَ أَلْوَانٌ لَا تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ وَ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ وَ إِنَّ الْآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ وَ الْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ. وَ اعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ وَ لَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وَ عَتْبِ الْعَاتِبِ وَ إِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ وَ لَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَ أَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ وَ أَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً" [4]

فان اولياء الله اذا استطاعوا اقامة حكم عادل فيما بين الناس و جدوا تلبية لذلك منهم فلا يبخلون بذلك، ولكن اذا وجدوا الظروف غير منسجمة وملائمة لذلك لا يخربون على الاوضاع الموجودة بل قد يدعمونها حرصا على مصلحة العامة.

والحسن عليه السلام ايضاً سار بسيرة جده وابيه عليهم السلام.

قال اليعقوبي في تاريخة: )و اجتمع الناس، فبايعوا الحسن بن علي، و خرج الحسن بن علي إلى المسجد الجامع، فخطب خطبة له طويلة، و أقام الحسن بن علي بعد أبيه شهرين، و قيل أربعة أشهر، و وجه بعبيد الله ابن العباس في اثني عشر ألفا لقتال معاوية، و معه قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، و أمر عبيد الله أن يعمل بأمر قيس بن سعد و رأيه، فسار إلى ناحية الجزيرة، و أقبل معاوية لما انتهى إليه الخبر بقتل علي، فسار إلى الموصل بعد قتل علي بثمانية عشر يوما، و التقى العسكران، فوجه معاوية إلى قيس بن سعد يبذل له ألف ألف درهم على أن يصير معه أو ينصرف عنه، فأرسل إليه بالمال، و قال له: تخدعني عن ديني! فيقال: إنه أرسل إلى عبيد الله بن عباس و جعل له ألف ألف درهم، فصار إليه في ثمانية آلاف من أصحابه، و أقام قيس على محاربته. و كان معاوية يدس إلى عسكر الحسن من يتحدث أن قيس بن سعد قد صالح معاوية و صار معه، و يوجه إلى عسكر قيس من يتحدث أن الحسن قد صالح معاوية، و أجابه).

وقال ايضا:ً ( و وجه معاوية إلى الحسن المغيرة بن شعبة، و عبد الله بن عامر بن كريز و عبد الرحمن بن أم الحكم، و أتوه، و هو بالمدائن نازل في مضاربه، ثم خرجوا من عنده، و هم يقولون و يسمعون الناس: إن الله قد حقن بابن رسول الله الدماء، و سكن به الفتنة و أجاب إلى الصلح، فاضطرب العسكر و لم يشكك الناس في صدقهم، فوثبوا بالحسن فانتهبوا مضاربه و ما فيها، فركب الحسن فرسا له و مضى في مظلم ساباط، و قد كمن الجراح بن سنان الأسدي، فجرحه بمعول في فخذه، و قبض على لحية الجراح ثم لواها فدق عنقه. و حمل الحسن إلى المدائن و قد نزف نزفا شديدا، و اشتدت به العلة، فافترق عنه الناس، و قدم معاوية العراق، فغلب على الأمر، و الحسن عليل شديد العلة، فلما رأى الحسن أن لا قوة به، و أن أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له، صالح معاوية، و صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه، و قال: أيها الناس! إن الله هداكم بأولنا و حقن دماءكم بآخرنا، و قد سالمت معاوية، و إن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلى حين) [5] وقال ابن اثير في الكامل: (قيل: إنّما سلّم الحسن الأمر إلى معاوية لأنّه لما راسله معاوية في تسليم الخلافة إليه خطب الناس فحمد الله و أثنى عليه و قال: إنّا و الله ما يثنينا عن أهل الشام شكّ و لا ندم، و إنّما كنّا نقاتل أهل الشام بالسلامة و الصبر، فشيبت السلامة بالعداوة، و الصبر بالجزع، و كنتم في مسيركم إلى صفّين و دينكم أمام دنياكم، و أصبحتم اليوم و دنياكم أمام دينكم، ألا و قد أصبحتم بين قتيلين: قتيل بصفّين تبكون له، و قتيل بالنهروان تطلبون بثأره، و أمّا الباقي فخاذل، و أمّا الباكي فثائر، ألا و إنّ معاوية دعانا لأمر ليس فيه عزّ و لا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه و حاكمناه إلى الله، عزّ و جلّ، بظبي السيوف، و إن أردتم الحياة قبلناه و أخذنا لكم الرضى. فناداه النّاس من كلّ جانب: البقيّة البقيّة! و أمضى الصّلح. و لما عزم على تسليم الأمر إلى معاوية خطب الناس فقال: أيّها الناس إنّما نحن أمراؤكم و ضيفانكم و نحن أهل بيت نبيّكم الذين أذهب الله عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا. و كرّر ذلك حتى ما بقي في المجلس إلّا من بكى حتى سمع نشيجه)[6]

قيل للحسن: ما حملك على ما فعلت؟ فقال: كرهت الدنيا و رأيت أهل الكوفة قوما لا يثق بهم أحد أبدا إلّا غلب، ليس أحد منهم يوافق آخر في رأي و لا هوى، مختلفين لا نيّة لهم في خير و لا شرّ، لقد لقي أبي منهم أمورا عظاما، فليت شعري لمن يصلحون بعدي، و هي أسرع البلاد خرابا! و لما سار الحسن من الكوفة عرض له رجل فقال له: يا مسوّد وجوه المسلمين! فقال: لا تعذلني فإن رسول الله، صلّى الله عليه و سلّم، رأى في المنام بني أميّة ينزون على منبره رجلا فرجلا فساءه ذلك فأنزل الله، عزّ و جلّ: "إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ" ، و هو نهر في الجنّة، و إِنَّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ إلى قوله تعالى: خَيْرٌ من أَلْفِ شَهْرٍ ، يملكها بعدك بنو أميّة. [7] فالحسن عليه السلام لم يبايع معاوية وانما تركه بعد اتمام الحجة على الناس بعدم شرعيته وكراهته له واليأس من الناس و ثبوت واتضاح عدم وفائهم وظهور انهزام جيشه. ورأى انه لو اصر على الجهاد لقتل القلة القليلة من اصحابه ونفسه.

والحسين عليه السلام مشى نفس الممشى فلم يحارب معاوية عشر سنوات في من امامته، وعند ما جاء دور يزيد عزم على عدم البيعة، ليُظهر عدم اعترافه به فدعاه أهل كوفة ليبايعوه وينشأوا حكومة اسلامية بامامة الحسين عليه السلام فلما رأى خذلان أهل الكوفة له و نكث بيعتهم اراد أن يعود من حيث جاء فلم يرضى العدو الا البيعة او السلة، فاختار الثاني لأن لا يكون مؤيدا للباطل، وجيش يزيد هم كانوا مصرين على القتال إن لم يبابع. وخطب خطباً كثيرة ليردهم أن غيهم واعلن لهم بما مضمون كلامه هكذا ان نكثتم عهودكم ونقضتم بيعتكم ولا تريدون نصرتي فالو تركوني اذهب من حيث جئت او اذهب إلى بعض البلاد فاكون كأحدهم، ولكنهم ما تركوه وانما خيروه بين السلة و ذلة البيعة فاختار العزة وعدم قبول البيعة التي كان فيها تشويه لسمعة الاسلام. فلو تركوا الحسين كما تركوا اخيه الحسن لتركهم ولكنهم ابوا الا قتاله فنرى مواقف الحسين تشبه تماما بمواقف الحسن عليه السلام.


[1] الأنبياء 73.
[2] تأويل الآيات الظاهرةج1ص323.
[3] البرهان ج3ص629.
[4] نهج البلاغة خ92.
[5] تاريخ‌اليعقوبى، ج‌2، ص:215.
[6] الكامل ج3ص406.
[7] الكامل، ج‌3، ص:407.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo