< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

37/09/17

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الثمرة السابعة عشر

﴿هُوَ الَّذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذينَ في‌ قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْويلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَ ما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ . رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ[1]

هذه الآية المباركة وردت في تعريف عام بالقرآن و ما ينبغي لنا أن نتخذ من موقف تجاهه فقال: "هو الذي أنزل عليك الكتاب" -هو- فاعل و عندما يقدم على الفعل يفيد الاختصاص، وهذه قاعدة في علم النحو بأن: تقديم ما حقّه التأخير يفيد الاختصاص. فهو دليل على أهمية القرآن وعظمته ثم قال: أنزل عليك ولم يقل نزّل عليك لأن صيغة الأفعال تفيد الأمر الدفعي و صيغة التفعيل تفيد الامر التدريجي، هنا أراد الله أن يتحدث في القران ككل وبنظرة واحدة، جاء بصيغة الافعال، ثم بعد ذالك خاطب المُنزَل عليه بقوله –عليك- وهو النبي صلى الله عليه وآله و هذا ايضاً يدل على شان القرآن حيث نزل من الله إلى النبي صلى الله عليه وآله.

والنقطة الاخرى التي أودّ أن ألفت انتباهكم اليها هو انه تعالى سمّ القرآن –الكتاب- الذي لا يدل الا انه مكتوب و هذا من خصوصيات القرآن أن أسمائه كلها تشتمل على اجمال وإبهام ولعل السر في ذالك: بما أن القرآن يشتمل على مطالب متنوعة جداً مما يتعلق بالمبدئ والمعاد والحقوق والأحكام والأخلاق والسير وغيره مما لا تعدّ ولا تحصى، فان سمي باسم تفي معنىً خاصاً يتوجه ذهن القاري إلى العنوان فقد يغفل عن سائر الموضوعات التي يحتويها القرآن.

هذا الامر مطرد في اسماء السور أيضاً فانها اسماء لا تحكي عن مضمون مسمياتها من السور. بخلاف سائر الكتب اذ أن أسماءها ترشد الانسان إلى مضمونها وكذلك فصول الكتب تسمى بأسماء تناسب ما تحتويها تلك الفصول. بخلاف القرآن فلا اسمائه تدل على شيء من مضمونه، ولا سوره تدل اسمائها عن مضمون المسميات واكثر ما نراه اسماء السور مأخوذة عن لفظ لم يستعمل في السورة الا مرة واحدة او قليلة، كذلك ترتيب المطالب في السور أيضاً ليس منظماً، نعم يوجد شيئا من التناسب ولكن لا يشبه بسائر الكتب المدونة، و هذا من معجزات القرآن ويترك القاري ليستخرج المفاد بإبعاده المختلفة و لا يتوجه ذهنه إلى موضوع و يغفل عن سائر الابعاد.

ثم يقسّم الكتاب بقسمين: محكمات ومتشابهات، قال العلامة الطباطبائي في الميزان في معنى المحكمات: (مادة الحكم تفيد معنى كون الشيء بحيث يمنع ورود ما يُفسده أو يبعّضه أو يًخلّ أمره عليه، و منه الإحكام و التحكيم، و الحكم بمعنى القضاء، و الحكمة بمعنى المعرفة التامة و العلم الجازم النافع، و الحَكمة بفتح الحاء لزمام الفرس، ففي الجميع شي‌ء من معنى المنع و الإتقان)، و المراد هاهنا من إحكام المحكمات إتقان هذه الآيات من حيث عدم وجود التشابه فيها كالمتشابهات. فمن في قوله –منه- للتبعيض اي بعضه محكمات وبعضه متشابهات.

لا يخفى أن القرآن بمعنى آخر كلّه محكم كما وصفه تعالى بقوله: "كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ"[2] فهذا الإحكام بمعنى اتقان الكتاب كله فلا يعتريه باطل، وايضاً قد وصف الله الكتاب كله بالمتشابه فقال: "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَديثِ كِتاباً مُتَشابِها..."[3] والمراد منه أنه لا تجد فيه تناقض او تهافت بل يشبه بعضها ببعض في الفصاحة والبلاغة واتقان المطالب. أما فيما نحن فيه، المراد من المحكمات ما هو واضح المعنى من الآيات، بخلاف المتشابهات فانها ليست واضح المعنى و يعتري الشك في المراد منها و تتحمّل معاني مختلفة. وجعل المحكمات أم الكتاب، وإضافة الأمّ إلى الكتاب ليست اضافة لامية كقولنا أم الاولاد ففي الاضافة اللامية لا تداخل بين المضاف والمضاف اليه وهما متغايران ، وفيما نحن فيه الإضافة اضافة الجزء إلى الكل كإضافة صدر البيت إلى البيت او اضافة الرأس إلى الانسان. فالراس من الإنسان والمحكمات كذلك قسم من القران.

و الأم معناه: ما يرجع اليه الشيء، فالمحكمات هي المرجع للمتشابهات وهذا ما ورد في الروايات أن القرآن يفسّر بعضه بعضاً.

قد يطرأ هنا سؤال نفسه لماذا جعل الله بعض الآيات متشابهة ولم يعل جميع الآيات محكمة واضحة الدلالة؟

الجواب عن ذالك لوجوه:

اولاً : بعض المطلب معقدة لا يمكن فهمها إلا لمن هو دارس زكي كما أن كثير من الكتب العلمية ليست كل انسان يفهمها ولو كان من اهل اللسان واللغة التي الفت الكتاب بها،

ثانياً : بعض المعاني ما هو خارج عن المحسوسات فلا بد أن يعبر عنه بالمحسوس من باب تشبيه المعقول بالمحسوس

ثالثاٌ : كثير مما ورد في القرآن مصطلحات وكنايات متعارفة اريد بها معنى آخر : كقوله تعالى: بل يداه مبسوطتان كناية عن ارادته المطلقة و قوله: "الرحمن على العرش استوى" كناية عن شمول قدرته لكل شيء، و امثالها كثيرة جداً.

رابعاً : اراد الله أن يأتي في القران بالحجم المحدود مطالب لاحد لها فلا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين فلا بد أن يجعل للفظ واحد معاني متكثرة، ولذا ورد في شأن القرآن أنّ له سبعين بطناً ولبطونه بطون فكثير من الآيات تحمل معاني كثيرة لا يتيسر لكل احد يدرك تلك المعاني.

خامساً : اراد الله ان لا يستغني الناس بالقرآن من عدله وهم النبي وأهل بيته عليهم السلام فجعل القرآن بحيث يحتاج الناس إلى مراجعة مفسريه الذين هم ولاة الامر في نفس الوقت من عند الله. فان مسألة تطبيق الاحكام وتنفيذها ليست بأقل أهمية من ابلاغها وتفسيره.

و غيرها من الوجوه الذي لا مجال لاستقرائها في هذه العاجلة القصيرة.


[1] آل عمران7-8.
[2] هود1.
[3] الزمر- 23.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo