< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

37/09/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الثمرة الثانية والعشرون

إِنَّا أَنْزَلْناهُ في‌ لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [1]

قد ثبت مما قلناه أن القرآن نزل على رسول الله كله في ليلة القدر. ثم نزل في كل مناسبة ما يناسبها من الآيات طيلة رسالة النبي وهي ثلاثة و عشرون سنة. كما ثبت أن ليلة القدر ليلة واحدة من كل سنة وهي وقعت في شهر رمضان والأقوى أحدى الليالي الثلاثة وهي ليلة 19 او 21 او 23 من رمضان والأقوى أحدى الليلتين الأخيرتين.

وفي الآية الثانية قال تعالى لنبيه وهو أعلم الخلق وأشرف الخلق: "وما أدراك ما ليلة القدر" ففيها دلالة على مدى عظم قدرها و شأنها ثم قال في فضيلتها انها ليلة واحدة تفوق فضيلتها عن الف شهر يعني ثلاثة وثمانين سنة، وقد ورد هنا روايات كثيرة جداً وهي متضاربة ومتهافتة وفيه ما يدل على أن الف شهر هي مدة حكومة بني أمية ، كما انه وردت روايات كثيرة في فضيلة سورة القدر منها:

و بإسناده عن أبى عبد الله عليه السلام قال: من قرأ «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» في فريضة من فرائض الله نادى مناد: يا عبد الله غفر الله لك ما مضى فاستأنف العمل.

في مجمع البيان أبى بن كعب عن النبي صلى الله عليه و آله من قرأها اعطى من الأجر كمن صام رمضان و أحيى ليلة القدر"

وفي كتاب معاني الاخبار بإسناده الى المفضل بن عمر قال: ذكر ابو عبد الله عليه السلام انا أنزلناه في ليلة القدر قال: ما أبين فضلها على المشهود قال: قلت: و أي شي‌ء فضلها؟ قال: نزلت ولاية أمير المؤمنين عليه السلام فيها، قلت: في ليلة القدر التي نرتجيها في شهر رمضان؟ قال: نعم هي ليلة قدرت فيها السموات و الأرض، و قدرت ولاية أمير المؤمنين عليه السلام فيها.

وفي الآية الرابعة منها قال: " تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ"

المسمعي انه سمع أبا عبد الله عليه السلام يوصى ولده: إذا دخل شهر رمضان فاجهدوا أنفسكم فان فيه تقسم الأرزاق و تكتب الآجال، و فيه يكتب وفد الله الذين يفدون اليه، و فيه ليلة، العمل فيها خير من العمل في الف شهر. ثم أخبر سبحانه بما يكون في تلك الليلة فقال «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ» أي تتنزل الملائكة «وَ الرُّوحُ» يعني جبرائيل «فِيها» أي في ليلة القدر إلى الأرض ليسمعوا الثناء على الله و قراءة القرآن و غيرها من الأذكار و قيل ليسلموا على المسلمين بإذن الله أي بأمر الله و قيل ينزلون بكل أمر إلى السماء الدنيا حتى يعلم ذلك أهل السماء الدنيا فيكون لطفا لهم" (مجمع البيان (ج10ص790). قال في المجمع : ("مِنْ كُلِّ أَمْرٍ» أي بكل أمر من الخير و البركة كقوله: "يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ" أي بأمر الله، و قيل بكل أمر من أجَل و رزق إلى مثلها من العام القابل، فعلى هذا يكون الوقف هنا تاماً). فعلى هذا الآية تمي مفادها، وهناك احتمال آخر وقال في ذالك: (و قيل إن تمام الكلام عند قوله «بِإِذْنِ رَبِّهِمْ» ثم ابتدأ فقال «مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ» أي بكل أمر فيه سلامة و منفعة و خير و بركة لأن الله يقدر في تلك الليلة كل ما فيه خير و بركة ثم قال «هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» أي السلامة و البركة و الفضيلة تمتد إلى وقت طلوع الفجر و لا يكون في ساعة منها فحسب بل يكون في جميعها و الله أعلم بالصواب).

اود هنا أن اشير إلى شبهة وهي ما دور ارادة الانسان مع القضاء والقدر؟

القدر في اللغة المقدار والقضاء الحتم والجزم، وعن الرضا عليه السلام: "القدر هي الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء والقضاء هو الابرام واقامة العين" [2]

اما في الاصطلاح: لكل شيء من الممكنات حد ومقار يخصه وبما أن الوجود المقدر لكل شيء مخلوق لله تعالى فالتحديد والتقدير مخلوق لله

اما القضاء: أن حتمية كل شيء و تحققه يرتبط بتمامية علته وبما ان علية الاشياء وسببيتها بالنسبة إلى معاليلها و مسبباتها كذلك بالله فعند ما تتم العلة فقضى الله تحقق المعلول،

مثاله في الأحكام التشريعي: أن الله حدد لكل موضوع حكماً فاذا تحقق الموضوع ينطبق الحكم عليه

في الإحتجاج رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيِّ ع فِي رِسَالَتِهِ إِلَى أَهْلِ الْأَهْوَازِ فِي نَفْيِ الْجَبْرِ وَ التَّفْوِيضِ أَنَّهُ قَالَ:

رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الشَّامِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرْنَا عَنْ خُرُوجِنَا إِلَى الشَّامِ أَ بِقَضَاءٍ وَ قَدَرٍ؟

فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: "نَعَمْ يَا شَيْخُ مَا عَلَوْتُمْ تَلْعَةً وَ لَا هَبَطْتُمْ بَطْنَ وَادٍ إِلَّا بِقَضَاءٍ مِنَ اللَّهِ وَ قَدَرِهِ".

فَقَالَ الرَّجُلُ: عِنْدَ اللَّهِ أَحْتَسِبُ عَنَائِي وَ اللَّهِ مَا أَرَى لِي مِنَ الْأَجْرِ شَيْئاً.

فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: "بَلَى فَقَدْ عَظَّمَ اللَّهُ لَكُمُ الْأَجْرَ فِي مَسِيرِكُمْ وَ أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ وَ عَلَى مُنْصَرَفِكُمْ وَ أَنْتُمْ مُنْقَلِبُونَ وَ لَمْ تَكُونُوا فِي شَيْ‌ءٍ مِنْ حَالاتِكُمْ مُكْرَهِينَ‌".

فَقَالَ الرَّجُلُ: وَ كَيْفَ لَا نَكُونُ مُضْطَرِّينَ وَ الْقَضَاءُ وَ الْقَدْرُ سَاقَانَا وَ عَنْهُمَا كَانَ مَسِيرُنَا؟

فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ‌ عليه السلام: "لَعَلَّكَ أَرَدْتَ قَضَاءً لَازِماً وَ قَدَراً حَتْماً لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ الثَّوَابُ وَ الْعِقَابُ وَ سَقَطَ الْوَعْدُ وَ الْوَعِيدُ وَ الْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ وَ النَّهْيُ وَ مَا كَانَتْ تَأْتِي مِنَ اللَّهِ لَائِمَةٌ لِمُذْنِبٍ وَ لَا مَحْمَدَةٌ لِمُحْسِنٍ وَ لَا كَانَ الْمُحْسِنُ أَوْلَى بِثَوَابِ الْإِحْسَانِ مِنَ الْمُذْنِبِ وَ لَا الْمُذْنِبُ أَوْلَى بِعُقُوبَةِ الذَّنْبِ مِنَ الْمُحْسِنِ تِلْكَ مَقَالَةُ إِخْوَانِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَ جُنُودِ الشَّيْطَانِ وَ خُصَمَاءِ الرَّحْمَنِ وَ شُهَدَاءِ الزُّورِ وَ الْبُهْتَانِ وَ أَهْلِ الْعَمَى‌ وَ الطُّغْيَانِ هُمْ قَدَرِيَّةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ مَجُوسِهَا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ تَخْيِيراً وَ نَهَى تَحْذِيراً وَ كَلَّفَ يَسِيراً وَ لَمْ يُعْصَ مَغْلُوباً وَ لَمْ يُطَعْ مُكْرِهاً وَ لَمْ يُرْسِلِ الرُّسُلَ هَزْلًا وَ لَمْ يُنْزِلِ الْقُرْآنَ عَبَثاً وَ لَمْ يَخْلُقِ السَّمَاوَاتِ‌ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ، قَالَ: ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِمْ‌ "وَ قَضى‌ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ"‌ قَالَ فَنَهَضَ الرَّجُلُ مَسْرُوراً..."[3]

قد ترى شبهة اخرى قد تطرح نفسها وهي: ان كان الله يعلم من الأزل اني سوف ارتكب معصية فان كنت قادرا على تركها فاستطيع ابطال علم الله وان لم استطع فيلزم نسبة الجهل الى الله.

الجواب عن ذالك انها مغلطة خفية فان العلم تابع للمعلوم لا أن يكون المعلوم تابع للعلم.

مثلاً ان كنت تعرف صديقك يشتهي الى السبزي كثيراً فكان هناك مائدة مبسوطة فيها انواع كثيرة من الطعام، فانت تخبر لشخص ثالث أنّ فلان سوف يختار السبزي من الاطعمة فهل علمك تدخل في اختيار صديقك للسبزي؟

كان بعض المشركين ذهبوا الى الجبر وعدم حرية الانسان في اعماله تكويناً فرد الله عليهم: "سَيَقُولُ الَّذينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَ لا آباؤُنا وَ لا حَرَّمْنا مِنْ شَيْ‌ءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ [4]


[1] القدر1-5.
[2] اصول الكافي ج1ص158.
[3] بحار الأنوار، المجلسي، ج‌5، ص: 96، ط بيروت.
[4] الأنعام 148 .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo