< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

37/09/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الثمرة السادسة والعشرون

"لِلَّذينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى‌ وَ الَّذينَ لَمْ يَسْتَجيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَميعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ . أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى‌ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ . الَّذينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ لا يَنْقُضُونَ الْميثاقَ . وَ الَّذينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ . وَ الَّذينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ . جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ . سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ . وَ الَّذينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ميثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ" [1]

بعد ما فرغنا من الاستطلاع على الآية الأولى والثانية في الليلة الماضية، نريد أن نتحدث حول بقية الآيات وهي خصال ذكرتها لأولى الالباب.

فأول الخصال هو قوله تعالى: " الَّذينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ لا يَنْقُضُونَ الْميثاقَ" الظاهر أن العهد والميثاق يأتيان بمعنى واحداً او متقاربين في المعنى و الميثاق: من المواثقة و المعاهدة، و منه الموثق، تقول: واثقه بالله لأفعلن كذا.

قال في العين: المِيثاقُ: العهد، و في لسان العرب: المِيثاقُ: عقد مؤكّد بيمين و عهد، قال: "وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّين".‌ وقال في التحقيق: الميثاق: العهد المحكم.

أقول: وما يظهر من مادة العهد، أنه يقال له العهد لانه أمر مسبوق عنهم يعهدونه و مادة الميثاق بلحاظ كون الشيء محكماً ومربوطاً بقرار مشدد، فكلاهما يصبان في معنى واحد. ولذا يقول تعالى في آخر هذه الآيات "والَّذينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ميثاقِهِ" ‌من بعد ميثاقه، إمّا المراد منه من بعد انعقاده فهو العهد نفسه، او من بعد استحكامه فهو العهد المشدد.

قد اضاف الله تعالى في هذه الآية العهد إلى نفسه فقال بعهد الله، فما هو عهد الله؟ انّ عهد الله يشمل ما اودع الله في عقولنا من الواجبات والمحرمات فكثير منهما يدل عليها العقل ومخالفتها تواجه ملامة النفس اللوّامة والوجدان الانساني. كما يشمل ما جاء به الشرع لان العقل يوجب علينا طاعة الشارع وهو الله تعالى كما يشمل العهود الاجتماعية والقرارات المستحكمة بين الأفراد حيث يحكم بوجوب الوفاء بها العقل والشرع . ولعل آية (العهد ألَست) تفيد هذا المعنى الواسع حيث قال تعالى: "وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني‌ آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى‌ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى‌ شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلينَ . أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَ كُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ" [2] ومن القريب جداً أن هذه الآية تريد أن تبيِّن لنا أن الله فطر الانسان على التوحيد ومعرفة الله و وجوب طاعته فمن تخلف عن ذالك فليس بمعذور. فعهد الله يشمل العهود الفطرية التي عاهدوا بها ربّهم كالتوحيد و حبّ الحقّ و العدالة، و المواثيق العقليّة التي يدركها الإنسان من دون حاجة إلى التعليم وانما يدركها من خلال التفكر و التعقّل والتأمل في الكائنات، و جملة مما يتعلق بالمبدئ و المعاد، و تشمل كذلك العهود الشرعيّة، و هي ما عاهدوا الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليه من الطاعة للأوامر الالهيّة و ترك المعاصي و الذنوب. و تشمل هذه المجموعة كذلك الوفاء بالعهد بين الافراد، لانّ اللّه سبحانه و تعالى اوصى بها، بل تدخُل ضمن الوفاء الشرعي و الميثاق العقلي.

وهناك آيات أخرى تؤكد على وجوب الوفاء بعهد الله: قال: "وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ)[3]

قال تعالى: "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ . الَّذينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ في‌ كُلِّ مَرَّةٍ وَ هُمْ لا يَتَّقُونَ)[4]

وقال: "لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَى الْمالَ عَلى‌ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى‌ وَ الْيَتامى‌ وَ الْمَساكينَ وَ ابْنَ السَّبيلِ وَ السَّائِلينَ وَ فِي الرِّقابِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَ الصَّابِرينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[5] وايضاً قال: "بَلى‌ مَنْ أَوْفى‌ بِعَهْدِهِ وَ اتَّقى‌ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقينَ" (ال 76عمران )

وقال: " وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتيمِ إِلاَّ بِالَّتي‌ هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْميزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَ إِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى‌ وَ بِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[6]

وجعل الله عدم الوفاء بالعهد سببا للنفاق الثابت في القلب فقال: "وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحينَ . فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَ تَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ . فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً في‌ قُلُوبِهِمْ إِلى‌ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ)[7] وفي حديث شريف: "ثلاث من كن فيه كان منافقاً وإن صام وصلى و زعم انه مسلم: من اذا ائتمن خان واذا حدث كذب واذا وعد أخلف" وعدم الالتزام بالعهد يوجب الاخلال في العلاقات الاجتماعية وعدم ثقة الناس بعضهم ببعض ولذا ترى أن جميع الفئات البشرية يستقبحون نقض العهد ولو لم يلتزموا بدين او شريعة .

 


[1] الرعد18-25.
[2] ال عمران172-173.
[3] النحل‌91.
[4] الانفال55-56.
[5] البقرة 177.
[6] الانعام152.
[7] التوبة77-75.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo