< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

37/09/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الثمرة السابعة والعشرون

"لِلَّذينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى‌ وَ الَّذينَ لَمْ يَسْتَجيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَميعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ . أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى‌ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ . الَّذينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ لا يَنْقُضُونَ الْميثاقَ . وَ الَّذينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ . وَ الَّذينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ . جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ . سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ . وَ الَّذينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ميثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ"[1]

كان بحثنا في الليلة الماضية حول الوفاء بالعهد والآيات فوقها تذكر الخصلة الثانية لأولي الالباب في قوله تعالى: "وَ الَّذينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ" في هذه العبارة لم تذكر المأمور به وانما أجمل في الكلام، ولعل الله أراد أن يوسِّع في نطاق الموضوع حتى يشمل جميع الصلات الدينّية و الاجتماعية والسياسية و القومية والوطنية والطائفية و الأسَريّة و الفردية حتى صلة الانسان بربّه و بالطبيعة و بنفسه، وقد خلق الله الانسان كائناً اجتماعيا لا يمكن له أن ينفرد في حياته ويستغني عن غيره.

وقد عدّ في تفسير الأمثل الصلات في الأمور التالية:

1 - صلته باللّه سبحانه و تعالى، و التي إذا ما قطعها الإنسان تؤدّي الى هلاكه كما في انطفاء نور المصباح في حالة قطع التيار الكهربائي عنه، و على هذا فإنّ هذه الصلة التكوينيّة بين الإنسان و ربّه يجب ان تتبعها صلة بأوامره و احكامه من حيث الطاعة و العبودية.

2 - صلته بالأنبياء و الائمّة عليهم السّلام على أساس انّهم قادة للبشرية و قطعها يؤدّي بالإنسان الى الضلال و الانحراف.

3 - صلته بالمجتمع كافّة و خصوصاً بذوي الحقوق، أمثال الأب و الامّ و الأقرباء.

4- صلته بنفسه، من حيث انّه مأمور بحفظها و إصلاحها و تكاملها.

ولكن واقع الأمر أن الموضوع أوسع من هذه الأمور المذكورة، بكثير وقد حدد الاسلام جميع العلاقات بحدود و أعطى تعليمات قيّمة في كل منها، لا مجال لنا للدخول فيها وانما نكتفي ببعض الروايات لنستضيء من نورها شيئاً:

منها: ما عن أبى الحسن عليه السلام قال: "انّ رحِمَ آل محمد معلّقة بالعرش، تقول: اللهم صِل من وصلني و اقطَع من قطعني، و هي تجري في كل رحِم و نزلت هذه الآية في آل محمد و ما عاهدهم عليه و ما أخذ عليهم من الميثاق في الذرّ من ولاية أمير المؤمنين عليه السلام و الأئمة عليهم السلام بعده و هو قوله: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ لا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ الآية". [2]

عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: "ان الرحِم معلّقة بالعرش تقول: اللهم صِل من وصلني و اقطع من قطعني، و هي‌ رحِم آل محمد و هو قول الله عز و جل: الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ و رحِم كلّ ذي رحم"[3]

ثم عقب الله تعالى هذه الصفة بصفة أخرى وهي قوله تعالى: " وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ" وهذا الذيل ضمان للصفة المذكورة، اي "يصلون ما أمر الله به أن يوصل" لانّ الصلات المأمور بها إيجابيات الهية تسأل عنها فإنما يأتمر بتلك الواجبات من يخشى ربّه ويخاف سوء الحساب، ثم هل هناك فرق بين الخشية والخوف؟

قال في الميزان: (و الظاهر أن الفرق بين الخشية و الخوف أن الخشية تأثر القلب من إقبال الشرّ أو ما في حكمه، و الخوف هو التأثر عملاً بمعنى الإقدام على تهيئة ما يُتّقى به المحذور و إن لم يتأثّر القلب و لذا قال سبحانه في صفة أنبيائه: «وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ»: الأحزاب: 39. فنفى عنهم الخشية عن غيره و قد أثبت الخوف لهم عن غيره في مواضع من كلامه كقوله: «فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى‌»: طه: 67 و قوله: «وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً»: الأنفال: 58). وقال الراغب في مفرداته: الخَشْيَة: خوف يشوبه تعظيم، و أكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، و لذلك خصّ العلماء بها في قوله: "إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ" (فاطر/ 28)

ولكن ينتقض كلام العلامة: انه اشترط لتحقق عنوان الخوف الاقدام فهل لا يصدق على من يبيت اضطرارا او اختيارا في مكان مخوف مظلم، أنه: بات في خوف شديد، بينما هو لم يقدم على شيء. واشترط في تحقق عنوان الخشية تأثر القلب، والله يقول: لا تقتلوا اولادكم خشية املاق. و قلوبهم ما كانت تتأثر بمجرد الولادة لأن الاملاق كان شيء يتوقعونه في المستقبل البعيد. وكذلك قول الخضر: "وَ أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً (الكهف80). فلم يكن الموطن من مواطن التأثر القلبي. وما قاله الراغب ايضاً من أن -الخشية خوف يشوبه التعظيم- له موارد النقض فخشية الاملاق ليس فيها تعظيم. ولكن مع ذالك يمكن أن نقول أن الخشية والخوف بمعنى واحد الا ان الخشية يستعمل غالبا فيما يشوبه التعظيم، و الله أعلم؟

و أخيراً: هناك رُوِاية شريفة تشتمل على وصايا قيمة في العلاقات بين المؤمنين رواها المفيد في الاختصاص ومحدث القمي في انوار البهية عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام أودّ أن أُهديها اليكم لما فيه من النصائح رائعة نحتاج اليها في تحسين علاقاتنا و اليكم نصها:

‌ قَالَ: يَا عَبْدَ الْعَظِيمِ‌ أَبْلِغْ‌ عَنِّي أَوْلِيَائِيَ السَّلَامَ وَ قُلْ لَهُمْ أَنْ لَا يَجْعَلُوا لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ سَبِيلًا وَ مُرْهُمْ بِالصِّدْقِ فِي الْحَدِيثِ وَ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَ مُرْهُمْ بِالسُّكُوتِ وَ تَرْكِ الْجِدَالِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِمْ وَ إِقْبَالِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَ الْمُزَاوَرَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ إِلَيَّ وَ لَا يَشْتَغِلُوا أَنْفُسَهُمْ بِتَمْزِيقِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً فَإِنِّي آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي‌ إِنَّهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَ أَسْخَطَ وَلِيّاً مِنْ أَوْلِيَائِي دَعَوْتُ اللَّهَ لِيُعَذِّبَهُ فِي الدُّنْيَا أَشَدَّ الْعَذَابِ وَ كَانَ‌ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ وَ عَرِّفْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِمُحْسِنِهِمْ وَ تَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ إِلَّا مَنْ أَشْرَكَ بِهِ أَوْ آذَى وَلِيّاً مِنْ أَوْلِيَائِي أَوْ أَضْمَرَ لَهُ سُوءاً فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْهُ فَإِنْ رَجَعَ وَ إِلَّا نَزَعَ رُوحَ الْإِيمَانِ عَنْ قَلْبِهِ وَ خَرَجَ عَنْ وَلَايَتِي وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَصِيباً فِي وَلَايَتِنَا وَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ[4]


[1] الرعد18-25.
[2] نور الثقلين نقلا عن تفسير القمي.
[3] نور الثقلين ج20ص494.
[4] الاختصاص، ص726.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo