< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

38/09/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : معرفة العدو ومعرفة الباطل

﴿ وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ يُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴿204﴾[1] وَ إِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴿205﴾ [2] وَ إِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [3]

قبل البدء بالكلام اعتذر من عدم حضوري في الليلة الماضية حيث كان لي كلمة في مؤتمر الامام الخميني رضوان الله عليه، ونحن بعد انتهائنا من آيات الصوم اخترنا لكم الآيات اعلاها وهي تحذّرنا عن العدو المتغطي برداء الصديق.

احد الامور التي اهتم به القرآن معرفة العدو ومعرفة الباطل، فقد ورد في الكافي بسنده عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام: يقول: نزل القرآن أثلاثا ثلث فينا و في عدونا و ثلث سنن و أمثال و ثلث فرائض و احكام.

ومنها هذه الآيات، و لحسن الاستيعاب ينبغي لنا في مطلع البحث ان نلقي ضوئا الى مفردات الآية المبحوث عنها فنقول: (الإعجاب: هو سرور المعجب بما يستحسن و منه العجب بالنفس، أعجبه و استعجب الرجل إذا اشتد تعجبه‌ أعجبه الشي‌ء -أي راقه و سره،

‌. الألدّ: الشديد الخصومة، و الخصام: قيل أنه جمع الخصم عن الزجاج‌، وقيل الخصام مصدر كالمخاصمة عن الخليل‌.

التولّي هو الانحراف و الزوال عن الشي‌ء إلى خلاف جهته‌، وقيل التولي هو تملك الولاية و السلطان. و«سَعى‌» قد يكون بمعنى عَمِلَ و قد يكون بمعنى أَسرَعَ. و الإفساد هو اخراج الشيئ عن طبيعته بحيث تبطل الفائدة المقصودة منه. و الإهلاك العمل الذي ينفي الانتفاع. و الحرث الزرع و النسل العقب من الولد و قيل الحرث كل نبات و النسل كل ذات روح و يقال نسل ينسل نسولا إذا خرج فسقط، و منه نسل وبر البعير أو ريش الطائر و الناس نسل آدم لخروجهم من ظهره و أصل باب النسول الخروج).

و في الدر المنثور، (عن السدي": في قوله تعالى: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ- الآية، أنها نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف لبني زهرة، أقبل إلى النبي ص المدينة و قال: جئت أريد الإسلام- و يعلم الله إني لصادق فأعجب النبي ص ذلك منه فذلك قوله تعالى: وَ يُشْهِدُ اللَّهَ عَلى‌ ما فِي قَلْبِهِ، ثم خرج من عند النبي فمر بزرع لقوم من المسلمين و حمر- فأحرق الزرع و عقر الحمر فأنزل الله: وَ إِذا تَوَلَّى سَعى‌ فِي الْأَرْض‌")

و من المفسّرين من نقل عن ابن عباس أنّ الآية المذكورة نزلت في سريّة (الرجيع) حيث بعث رسول اللّه مجموعة من الدعاة إلى القبائل المتوطّنة أطراف المدينة، فدبّرت لهم مؤامرة لئيمة استشهدوا فيها)

كما قلنا كراراً: ان شأن النزول لا يحدد المعني بل اكثر الآيات هي قضايا حقيقية كليه كلما وجد لها مصداق تنطبق عليه، وبعضها قضايا خارجية ولكن الملاكات والمناطات المستنبطة منها تجري مجراها في امثالها. و لعل الآية المبحوث عنها تتحدث عن قضية حقيقية في طبيعة الناس.

و قوله تعالى يعجبك: ليس الخطاب بالكاف لاختصاص المخاطب به بل المراد من الخطاب هو مطلق الانسان و كما هو دارج في الكلام كقولنا: (العلم يرفع قدرك والبخل يسقطك عن عيون الناس) او "صديقك صديقك و صديق صديقك وعدو عدوك، وعدوك: عدوك وصديق عدوك وعدو صديقك". ولعل نظير ذالك قول الله تعالى في سورة المنافقين: ﴿وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ[4] [5]

والتقييد بالحياة الدنيا تعريض على الآخرة التي تبلى السرائر، والخصومة اخص من العداوة فان العدو يشمل كل من يبغضك سواء اراد اضرار او لا؟ ولكن الخصم من هو بصدد الاضرار والايذاء والمنافقين الذين تتحدث عنهم الاية هم الاعداء الذين يكمنون نية الشر للمسلمين.

وفي قوله اذا تولّى احتمالان: احدهما: اذا ذهب من عندك وغاب يشتغل بمؤامراته ويخطط عليكم ويتربص بكم الدوائر، والاحتمال الثاني: اذا تملك الولاية و السلطان" ورجح في الميزان هذا الاحتمال بقرينة قوله: "أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْم‌" ولكن ما يبعِّد هذا الاحتمال ظرف نزول الآية حيث كان الاسلام في التقدم والآية بصدد بيان حالة النفاق، والعزة اعم من السلطان فالمنافق بما يري نفسه احق و كذالك يشعر ان له ذكاء يستطيع ان يضحك بالمسلمين واحيانا عنده اموال وعشيرة فيشعر بعزة وغرور.

والحرث: الزّراعة، و النسل الأولاد، و تطلق أيضا على أولاد الإنسان و غير الإنسان، فعلى هذا يكون إهلاك الحرث و النسل بمعنى إتلاف كلّ الموجودات الحيّة أعمّ من الأحياء النباتيّة و الحيوانيّة و الإنسانيّة. وقيل: أنّ المراد بالحرث هو النساء بقرينة الآية الشريفة نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ و المراد بالنسل هم الأولاد. فينحصر الامر في الفساد في الجامعة الانساني.

قال في الميزان: و لما كان قوام النوع الإنساني من حيث الحياة و البقاء بالتغذي و التوليد فهما الركنان القويمان اللذان لا غناء عنهما للنوع في حال: أما التوليد فظاهر، و أما التغذي فإنما يركن الإنسان فيه إلى الحيوان و النبات، و الحيوان يركن إلى النبات، فالنبات هو الأصل و يستحفظ بالحرث و هو تربية النبات، فلذلك علق الفساد على الحرث و النسل فالمعنى أنه يفسد في الأرض بإفناء الإنسان و إبادة هذا النوع بإهلاك الحرث و النسل.

قوله تعالى: وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ المراد، بالفساد ليس ما هو فساد في الكون و الوجود (الفساد التكويني) فإن النشأة نشأة الكون و الفساد، و عالم التنازع في البقاء و لا كون إلا بفساد، و لا حياة إلا بموت، و هما متعانقان في هذا الوجود الطبيعي في النشأة الطبيعية، و حاشا أن يبغض الله سبحانه ما هو مقدره و قاضيه.

و إنما هو الفساد المتعلق بالتشريع فإن الله إنما شرع ما شرعه من الدين ليصلح به أعمال عباده فيصلح أخلاقهم و ملكات نفوسهم فيعتدل بذلك حال الإنسانية و الجامعة البشرية، و عند ذلك تسعد حياتهم في الدنيا و حياتهم في الآخرة على ما سيجي‌ء بيانه في قوله تعالى: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً.

فهذا الذي يخالف ظاهر قوله باطن قلبه إذا سعى في الأرض بالفساد فإنما يفسد بما ظاهره الإصلاح بتحريف الكلمة عن موضعها، و تغيير حكم الله عما هو عليه، و التصرف في التعاليم الدينية، بما يؤدي إلى فساد الأخلاق و اختلاف الكلمة، و في ذلك موت الدين، و فناء الإنسانية، و فساد الدنيا، و قد صدق هذه الآيات ما جرى عليه التاريخ من ولاية رجال و ركوبهم أكتاف هذه الأمة الإسلامية، و تصرفهم في أمر الدين و الدنيا بما لم يستعقب للدين إلا وبالا، و للمسلمين إلا انحطاطا، و للأمة إلا اختلافا، فلم يلبث الدين حتى صار لعبة لكل لاعب، و لا الإنسانية إلا خطفة لكل خاطف، فنتيجة هذا السعي فساد الأرض، و ذلك بهلاك الدين أولا، و هلاك الإنسانية ثانيا، و لهذا فسر قوله و يهلك الحرث و النسل في بعض الروايات بهلاك الدين و الإنسانية كما سيأتي إن شاء الله. عن الصادق ع: في قوله تعالى: وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ:- "أن المراد بالحرث هاهنا الدين، و النسل الإنسان"

 


[5] سورة المنافقون ، .آية4

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo