< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

38/09/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الوصية

قال تعالى : ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقينَ[1] ﴾ ﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَميعٌ عَليمٌ [2] ﴾ ﴿ فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ [3]

بمناسبة هذه الايام التي نعيش فيها ذكرى شهادة مولانا امير المؤمنين عليه السلام ارتئيت ان اختار مبحث الوصية التي قلما تطرح في المجالس والمناسبات وايضاً فرصة مناسبة لان نتطرق الى بعض وصايا امير المؤمنين عليه السلام.

قبل كل شيئ علينا ان نلقي ضوئا الى مفردات الآيات وننظر نظرة عابرة على مضمونها فنقول: مفردة –كتب- ظاهرة في وجوب متعلقها: فقيل الوصية واجبة انسجاماً مع هذه الآية المباركة، وقيل الوجوب المطلق لا يلتزم به فقهائنا فالآية بقرينة قول الله في ذيلها: ﴿ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقينَ ﴾ ولم يقل على المؤمنين تدلّ على الاستحباب المؤكد دون الوجوب، وقيل هذه الآية وردت قبل آيات الارث فاوجب الله الوصية لدرء الخلاف بين الورثة، ولكن بعد ما ورد جدولة الارث في كتاب الله نسخ الوجوب وبقي الاستحباب وقيل: ان المراد من الخير في الآية هو الاموال الكثيرة وهي تحتاج الى تدبير سابق و لا اقل الوصية في الثلث لتأمين بعض المصالح للميت او للورثة، وقيل انما الوجوب اذا كان ديون على الميت يمكن ان تضيع اذا لم يوصي بها الميت فيجب عليه الوصية صيانة لحق الديان.

واما قوله: ﴿ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ﴾ مما لا شك فيه انه لا ينحصر حالة الاحتضار للوصية فل منجزات المريض في المرض الذي ينتهي الى الموت غير نافذ فقيل ارادت الآية تبين آخر فرصة للوصية. و يطرح سؤال نفسه فلماذا هذا التعبير الموهم؟! بعد ما واجهت هذا السؤال خطر ببالي انه لعل تعيين أخر فرصة للوصية اشارة الى آخر زمان لاعادة النظر في الوصية رعاية لآخر المستجدات المالية. لانه كثيرا ما الوصايا التي يمر عليه الزمان لا تشمل جميع المال الموجود والامور التي ينبغ صرف المال فيها.

واما قوله: " إِنْ تَرَكَ خَيْراً" فالخير استعمل في القرآن بمعنى المال كقوله تعالى: "وَإنّهُ لحب الخير لشديد" فهذا يفيد الاهتمام الاسلام من المال ويقول في آية اخرى: ﴿ وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتي‌ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَ ارْزُقُوهُمْ فيها وَ اكْسُوهُمْ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً[4]

نكتفي الليلة بذكر مفردات الآية ونتابع بحثنا حول معاني الآية للليالي القادمة وانما اذكر أحد وصايا امير المؤمنين قبيل وفاته وله اربع وصايا مذكورة بعض فقراتها في نهج البلاغة وهذه الوصية جاء بها في الكافي مع اختلاف يسير وانا اذكر ما ورد في النهج واليكم نصها:

"أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللَّهِ وَ أَلَّا تَبْغِيَا الدُّنْيَا وَ إِنْ بَغَتْكُمَا وَ لَا تَأْسَفَا عَلَى شَيْ‌ءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا وَ قُولَا بِالْحَقِّ وَ اعْمَلَا لِلْأَجْرِ وَ كُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً وَ لِلْمَظْلُومِ عَوْناً أُوصِيكُمَا وَ جَمِيعَ وَلَدِي وَ أَهْلِي وَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَ نَظْمِ أَمْرِكُمْ وَ صَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا صلى الله عليه واله يَقُولُ صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَ الصِّيَامِ اللَّهَ اللَّهَ فِي الْأَيْتَامِ فَلَا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ وَ لَا يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي جِيرَانِكُمْ فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ مَا زَالَ يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي الْقُرْآنِ لَا يَسْبِقُكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا عَمُودُ دِينِكُمْ وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ لَا تُخَلُّوهُ مَا بَقِيتُمْ فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظَرُوا وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي الْجِهَادِ بِأَمْوَالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ أَلْسِنَتِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ عَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ وَ التَّبَاذُلِ وَ إِيَّاكُمْ وَ التَّدَابُرَ وَ التَّقَاطُعَ لَا تَتْرُكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَيُوَلَّى عَلَيْكُمْ أَشْرَارُكُمْ ثُمَّ تَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ ثُمَّ قَالَ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ خَوْضاً تَقُولُونَ قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قُتِلَ أَمِيُر الْمُؤْمِنِينَ أَلَا لَا يُقْتَلُنَّ بِي إِلَّا قَاتِلِي انْظُرُوا إِذَا أَنَا مُتُّ مِنْ ضَرْبَتِهِ هَذِهِ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ وَ لَا يُمَثَّلُ بِالرَّجُلِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه واله يَقُولُ إِيَّاكُمْ وَ الْمُثْلَةَ وَ لَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ" [5]

 


[1] سورة البقرة، اية180.
[2] سورة البقرة، اية181.
[3] سورة البقرة، اية182.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo