< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

38/09/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الوصية

قال تعالى ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقينَ [1] ﴿ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَميعٌ عَليمٌ ﴾[2] ﴿ فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ[3]

كان بحثنا في الآيات فوقها و فرغنا من الآية الاولى وأكدنا على ان على الموصي أن لا يخرج عن العدالة والانصاف في وصيته فقد ورد في الميزان عن سفينة البحار : «أنّ رجلا من الأنصار توفى و له صبية صغار و له ستّة من الرّقيق فأعتقهم عند موته و ليس له مال غيرهم فلمّا علم النّبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم سأل قومه ما صنعتم بصاحبكم قالوا دفنّاه قال: أما إنّي لو علمته ما تركتكم تدفنونه مع أهل الإسلام ترك ولده صغارا يتكفّفون النّاس»[4] فلا يزعم أحد أنّ المطلوب ايثار الآخرين على الأهل والاولاد، بل الاقربون هم اولى بالمعروف ففي الآية المبحوث عنها قال: "الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبينَ" و ورد في تفسير العياشي، عن الصادق عن أبيه عن علي ع قال: من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرث- فقد ختم عمله بمعصية.

فهبة المال الى الفقراء وترك الاهل عالة مساكين، هو من قبيل ترك الواجب لاداء المستحب، نعم قد ترى أنّ واجب النفقة او الاقرباء هم يريدون ايثار الغير على أنفسهم كما حصل في أهل بيت امير المؤمنين عليهم السلام، حيث آثروا مسكيناً و يتيماً واسيراً على انفسهم، فعليّ عليه السلام لم يؤثر هؤلاء المحتاجين على اهله بل كل واحد من الاهل آثروا الطوائف الثلاثة على انفسهم في قوتهم و افطارهم، فنزلت قوله تعالى في شانهم:" وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‌ حُبِّهِ مِسْكيناً وَ يَتيماً وَ أَسيراً"[5] فرعاية العدالة وتقديم الاولويات في الوصية امر مهم جداً، فعن الإمام الباقر عليه السّلام: «من عدل في وصيّته كان كمن تصدّق بها في حياته، و من جار في وصيّته لقي اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة و هو عنه معرض»

وقد ذهب بعض العامة بان الوصية للورثة ليست صحيحة لان الله قد عين لكل واحد منهم سهم، ولكن هذا الدليل مرفوض حيث ان الله كما فرض للورثة سهام، جعل للميت ثلث ماله واجاز له الوصية فيه بما يريد، وجعل الميراث فيما زاد عن الديون والوصية فقال: "مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها اَوْ دَيْنٍ" ولم يقيد الوصية بعدم شمولها للورثة، كما ورد عن محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام: سألته عن الوصية تجوز للوارث؟ قال نعم- ثم تلا هذه الآية إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ".

في الآية الثانية قال تعالى:" فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَميعٌ عَليمٌ" هنا ان الضمير في بَدَّلَهُ و سَمِعَهُ و يُبَدِّلُونَهُ يعود الى الوصية وبما انّها صيغة المصدر فيجوز فيها التذكير والتأنيث، والضمير في اِثْمُهُ يعود الى المصدر المتخذ من بَدَّلَهُ وهو التبديل. ففي هذه الآية طمئنة للموصي بأنّك ماجور على وصيتك وان لم يُعمل بها بعدَك، فالاثم على من بدّلها، والآية في نفس الوقت تدل على حرمة تبديل الوصية وتغييرها وعدم القيام بها. والله سميع للوصية وعليم بمضمونها كما هو سميع وعليم بالتبديل اذا صدر من الوصي او غيره فيجازي كلا بما يستحق.

مما افتى به فقهائنا العظام هو وجوب قيام الوصي بانجاز الوصية ولو لم يقبل في زمن حيات الموصي، نعم اذا رد عليه في حياته لم يجب عليه العمل بالوصية. وفي الوصية واحكامها تفاصيل تطلب من الكتب الفقهية لا مجال لنا في الدخول فيها.

اما قوله تعالى: "فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ" جنف معناه الميل والانحراف الى جهة واحدة والخروج عن الاعتدال ويمكن ان يقع خطاء من دون بخلاف الاثم فهو الخروج عن الحق عمداً، فالتبديل المنهي في الآية السابقة يخصص بما لا يجوز الوصية به: كالوصية على اكثر من ثلث من غير رضى الورثة، والوصية بقصد الاضرار ببعض الورثة وما يترتب عليه فتنة توجب اراقة الدماء وهتك الاعراض، والوصية بالمحرمات الالهية كما نطق بعض الروايات بذالك، نكتفي بروايتين منها رعاية للاختصار:

احداهما ما رواها على بن إبراهيم في تفسيره عن الصادق عليه السلام انه قال: "إذا أوصى الرجل بوصية فلا يحلّ للوصي أن يغير وصية يوصيها، بل يمضيها على ما أوصى، الا أن يوصى بغير ما أمر الله فيعصى و يظلم. فالموصى اليه جايز له ان يرده الى الحق مثل رجل يكون له ورثة، فيجعل المال كله لبعض ورثته، و يحرم بعضا، فالموصى جايز له ان يرده الى الحق، و هو قوله: «جَنَفاً أَوْ إِثْماً» فالجنف الميل الى بعض ورثتك دون بعض، و الإثم أن تأمر بعمارة بيوت النيران و اتخاذ المسكر، فيحل للموصى أن لا يعمل بشي‌ء من ذلك". ففي مثل هذه الامور يجوز للوصي ان يعالج المسةلة بحمة وحنكة بما فيه مصلحة الورثة والميت".(راجع نور الثقلين ذيل الآية).

ثانيهما ما في تفسير القمي، قال الصادق ع: "إذا الرجل أوصى بوصيته- فلا يجوز للوصي أن يغير وصية يوصيها- بل يمضيها على ما أوصى- إلا أن يوصي بغير ما أمر الله فيعصي في الوصية و يظلم، فالموصى إليه جائز له أن يرده إلى الحق- مثل رجل يكون له ورثة- فيجعل المال كله لبعض ورثته و يحرم بعضا- فالوصي جائز له أن يرده إلى الحق- و هو قوله جَنَفاً أَوْ إِثْماً، و الجنف الميل إلى بعض ورثته دون بعض، و الإثم أن يأمر بعمارة بيوت النيران و اتخاذ المسكر- فيحل للوصي أن لا يعمل بشي‌ء من ذلك" (المصدر).

وهنا اود ان اذكر بعض ما ورى في فضل زيارة امير المؤمنين عليه السلام ونحن نعيش ذكرى شهادته فقد ورد في ابواب مزار وسائل الشيعة في فضل زيارة امير المؤمنين عليه السلام روايات منها ما بسنده: عَنْ أَبِي عَامِرٍ وَاعِظِ أَهْلِ الْحِجَازِ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع فَقُلْتُ لَهُ مَا لِمَنْ زَارَ قَبْرَهُ- يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ‌ ع وَ عَمَرَ تُرْبَتَهُ- فَقَالَ يَا أَبَا عَامِرٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ- عَنْ جَدِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيٍّ ع- أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ لَهُ وَ اللَّهِ لَتُقْتَلَنَّ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ- وَ تُدْفَنُ بِهَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ- مَا لِمَنْ زَارَ قُبُورَنَا وَ عَمَرَهَا وَ تَعَاهَدَهَا- فَقَالَ لِي يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ قَبْرَكَ- وَ قُبُورَ وُلْدِكَ بِقَاعاً مِنْ بِقَاعِ الْجَنَّةِ- وَ عَرْصَةً مِنْ عَرَصَاتِهَا- وَ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ قُلُوبَ نُجَبَاءَ مِنْ خَلْقِهِ وَ صَفْوَةٍ مِنْ عِبَادِهِ- تَحِنُّ إِلَيْكُمْ وَ تَحْتَمِلُ الْمَذَلَّةَ وَ الْأَذَى فِيكُمْ- فَيَعْمُرُونَ قُبُورَكُمْ وَ يُكْثِرُونَ زِيَارَتَهَا- تَقَرُّباً مِنْهُمْ إِلَى اللَّهِ وَ مَوَدَّةً مِنْهُمْ لِرَسُولِهِ- أُولَئِكَ يَا عَلِيُّ الْمَخْصُوصُونَ بِشَفَاعَتِي- وَ الْوَارِدُونَ حَوْضِي وَ هُمْ زُوَّارِي غَداً فِي الْجَنَّةِ- يَا عَلِيُّ مَنْ عَمَرَ قُبُورَكُمْ وَ تَعَاهَدَهَا- فَكَأَنَّمَا أَعَانَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عَلَى بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ- وَ مَنْ زَارَ قُبُورَكُمْ- عَدْلُ ذَلِكَ لَهُ ثَوَابُ سَبْعِينَ حَجَّةً بَعْدَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ- وَ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ زِيَارَتِكُمْ- كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ فَأَبْشِرْ وَ بَشِّرْ أَوْلِيَاءَكَ وَ مُحِبِّيكَ- مِنَ النَّعِيمِ وَ قُرَّةِ الْعَيْنِ بِمَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَ لَا أُذُنٌ سَمِعَتْ- وَ لَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ- وَ لَكِنْ حُثَالَةٌ مِنَ النَّاسِ يُعَيِّرُونَ زُوَّارَ قُبُورِكُمْ بِزِيَارَتِكُمْ- كَمَا تُعَيَّرُ الزَّانِيَةُ بِزِنَاهَا أُولَئِكَ شِرَارُ أُمَّتِي- لَا أَنَالَهُمُ اللَّهُ شَفَاعَتِي وَ لَا يَرِدُونَ حَوْضِي.

2- عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع أَيُّمَا أَفْضَلُ- زِيَارَةُ قَبْرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع أَوْ زِيَارَةُ الْحُسَيْنِ ع؟- قَالَ: "إِنَّ الْحُسَيْنَ قُتِلَ مَكْرُوباً فَحَقِيقٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- أَلَّا يَأْتِيَهُ مَكْرُوبٌ إِلَّا فَرَّجَ اللَّهُ كَرْبَهُ- وَ فَضْلُ زِيَارَةِ قَبْرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع- عَلَى زِيَارَةِ الْحُسَيْنِ كَفَضْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع عَلَى الْحُسَيْنِ ع"- الحديث

عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ النَّهْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَقَالَ- يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَلْحَةَ مَا تَزُورُ قَبْرَ أَبِيَ الْحُسَيْنِ- قُلْتُ بَلَى إِنَّا لَنَأْتِيهِ- قَالَ تَأْتُونَهُ فِي كُلِّ جُمْعَةٍ قُلْتُ لَا- قَالَ فَتَأْتُونَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَقُلْتُ لَا- فَقَالَ مَا أَجْفَاكُمْ إِنَّ زِيَارَتَهُ تَعْدِلُ حَجَّةً وَ عُمْرَةً- وَ زِيَارَةَ أَبِي عَلِيٍّ ع تَعْدِلُ حَجَّتَيْنِ وَ عُمْرَتَيْنِ.

عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْقَصْرِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ فَأَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع فَقُلْتُ لَهُ- أَتَيْتُكَ وَ لَمْ أَزُرْ قَبْرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فَقَالَ- بِئْسَ مَا صَنَعْتَ لَوْ لَا أَنَّكَ مِنْ شِيعَتِنَا مَا نَظَرْتُ إِلَيْكَ- أَ لَا تَزُورُ مَنْ يَزُورُهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ الْمَلَائِكَةِ- وَ يَزُورُهُ الْأَنْبِيَاءُ ع وَ يَزُورُهُ الْمُؤْمِنُونَ- قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا عَلِمْتُ ذَلِكَ قَالَ فَاعْلَمْ- أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنَ الْأَئِمَّةِ كُلِّهِمْ- وَ لَهُ ثَوَابُ أَعْمَالِهِمْ وَ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فُضِّلُوا.

وَ قَالَ ع مَنْ زَارَ قَبْرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع- عَارِفاً بِحَقِّهِ غَيْرَ مُتَجَبِّرٍ وَ لَا مُتَكَبِّرٍ- كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ مِائَةِ أَلْفِ شَهِيدٍ- وَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَ مَا تَأَخَّرَ- وَ بُعِثَ مِنَ الْآمِنِينَ وَ هُوِّنَ عَلَيْهِ الْحِسَابُ- وَ اسْتَقْبَلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ- فَإِذَا انْصَرَفَ شَيَّعَتْهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَإِنْ مَرِضَ عَادُوهُ- وَ إِنْ مَاتَ شَيَّعُوهُ بِالاسْتِغْفَارِ إِلَى قَبْرِهِ الْحَدِيثَ

 


[1] سورة البقرة، اية180.
[2] سورة البقرة، اية181.
[3] سورة البقرة، اية182.
[5] سورة الانسان، اية8.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo