< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/11/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وثانياً:- إن بعض الروايات التي استشهد بها(قده) على كفاية أحدهما هي مطلقة وقابلة للتقييد بصحيحة معاوية لا أننا نرفع اليد عن ظهور الواو في الجمع في صحيحة معاوية بهذه الرواية الأخرى كلا بل الأمر بالعكس فينبغي أن نرفع اليد عن ظهور هذه الثانية أي الروايات الأخرى التي ذكرها غير صحيحة معاوية في كفاية أحدهما بقرينة صحيحة معاوية فالنتيجة تصير بالعكس تماماً ، وتلك الرواية هي صحيحة ابن سنان حيث جاء فيها هكذا ( ويقصّر من شعره فإذا فعل ذلك فقد أحل ) فإن هذه الصحيحة قد سكتت عن ضمّ تقليم الأظافر ولم تقل ( ويقصّر من شعره ويقلّم من أظفاره فإذا فعل ذلك فقد أحلَّ ) واكتفت بقصّ الشعر ومقتضى الإطلاق كفاية قصّ الشعر في حصول الإحلال ، وحينئذ نقول:- بأخذ بهذا الإطلاق ما لم يكن له مقيّد وصحيحة معاوية التي أتت بواو الجمع هي صالحة لتقييد هذا الإطلاق كما في كل مورد من موارد الإطلاق والتقييد ، وعليه فليس من المناسب أن نرفع اليد عن ظهور الواو في الجمع في صحيحة ابن سنان الدالة على كفاية قصّ الشعر كما أراد هو(قده) بل نقول إن الأمر بالعكس فان صحيحة ابن سنان دالة بالإطلاق على عدم الحاجة إلى تقليم الأظفار وصحيحة معاوية دلت على أن تقليم الأظفار لابد منه في تحقق الإحلال لأنها هكذا قالت ( إذا فرغت من سعيك وأنت متمتع فقصّر من شعرك من جوانبه ولحيتك وخذ من شاربك وقلّم من أظفارك وأبق منها لحجّك فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شيء يحلّ منه المحرم ) . إذن على هذا الأساس لم يكن من المناسب له(قده) فنيّاً ذكر صحيحة ابن سنان كشاهدٍ في رفع اليد عن ظهور الواو في الجمع . نعم يقتصر على الروايتين الأخريين ، أي صحيحة الحلبي مثلاً لأنه ورد فيها ( فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها ، فقال:- رحمها الله كانت أفقه منك ) فهي تدل على أن التحلّل يحصل بالقرض بلا حاجة إلى تقليم الأظفار وإلا لو كانت هناك حاجة إليه لما قال الامام ( رحمها الله ... ) بل لابد وأن يقول ( لو كانت قد أضافت تقليم الأظفار لأحلت ).
 وهذا الذي ذكرناه في المناقشة الثانية هو أقرب إلى المناقشة الفنيّة والعلمية فإن النتيجة لا تتغير بذلك إذ أقصى ما يلزم هو عدم الاستفادة من هذه الرواية ولكن تبقى عنده - أي السيد الخوئي(قده)- صحيحة الحلبي وصحيحة جميل ، ولكن المهم هو مناقشتنا الأولى.
 ومن خلال هذه كله اتضح أن الاكتفاء بتقليم الأظفار وحده محلّ إشكال لعدم دلالة دليل عليه.
 النقطة الثالثة:- ذكر(قده) أن أخذ الشعر إنما يكفي إذا كان من أحد أماكن ثلاثة الرأس أو اللحية أو الشارب ، وهذا معناه أن الأخذ من بقية الشعر الآخر لا يكفي كأخذ الشعر من تحت الإبط أو الموجود على الصدر أو اليد أو ما شاكل ذلك ، ولعل المستند في ذلك صحيحة معاوية المتقدمة فإنه قد ورد فيها التنصيص على هذه الموارد الثلاثة حيث جاء فيها ( إذا فرغت من سعيك وأنت متمتع فقصّر من شعرك من جوانبه ولحيتك وخذ من شاربك ) فإنها ذكرت هذه الموارد الثلاثة واقتصر عليها فيثبت بذلك أنه لا يجوز الأخذ من بقية الأماكن.
 ولكن يمكن أن يناقش ويقال:- هذا وجيه إذا لم تكن لدينا رواية أخرى تدل بالإطلاق على كفاية أخذ الشعر من كل مكان في البدن أما مع وجودها فنأخذ بإطلاقها ، ويمكن أن يقال:- إن الرواية موجودة وهي صحيحة ابن سنان فانه قد جاء فيها هكذا ( ويقصّر من شعره فإذا فعل ذلك فقد أحلَّ ) فإنه لم يقيّد الشعر بأن يكون من اللحية أو الرأس أو الشارب ومقتضى الإطلاق كفاية الأخذ من أجزاء البدن الأخرى.
 إن قلت:- إن صحيحة معاوية قد نصّت على لزوم الأخذ من تلك الموارد الثلاثة.
 قلت:- إن غاية ما دلت عليه هو أنه خُذ من هذه حتى يحصل التحلّل أما أن خصوص هذه المواضع الثلاثة فقط لا غير فهي لا تدل على ذلك إذ ليس لها مفهوم من هذه الناحية بل غاية ما تدل عليه هو أن من أخذ من هذه الموارد حصل له التحلّل أما من أخذ من غيرها فلا يحصل منه التحلل فهو مسكوت عنه فيبقى إطلاق صحيحة ابن سنان على حاله ، ولعله من هنا قال كاشف اللثام بعد قول العلامة في القواعد ( وأقله قصّ بعض الأظفار أو قللاً من الشعر ) وهو أضاف ( شعر اللحية أو الرأس أو الشارب أو الحاجب أو غيرها من شعور البدن كما يعطيه إطلاق كثير من الأخبار ) [1] إذن المناسب التعميم من هذه الناحية.
 النقطة الرابعة:- ذكر(قده) أنه يعتبر في التقصير قصد القربة ، وقد يستدل على ذلك بأن ذلك لازم عباديته ، يعني بعد أن فرضنا أن التقصير واجب عباديّ فلازم عباديته اعتبار قصد القربة.
 والجواب واضح:- فإن هذا مصادرة ، فإنّا حينما نتساءل عن وجه اعتبار قصد القربة ففي الحقيقة نتساءل عن أنه هل هو عبادي أو لا ؟ ولا معنى لأن تفترض في المرحلة السابقة أنه عبادي فإنك إذا افترضت ذلك فسنسكت ولا نسأل عن اعتبار قصد القربة فيه ؟ فحينما نسأل هل يعتبر قصد القربة أو لا فمعنى ذلك أننا نتساءل هل هو عبادي ولماذا ؟ فلا معنى لأن تجيب بأن ذلك لازم عباديته ، فالتفت إلى ذلك وهذا من الأمور الواضحة.
 وقد يعلّل ذلك:- بأن الحج حيث إنه مما بني عليه الاسلام كما جاء في الرواية الصحيحة ( بني الاسلام على خمسة أشياء ..... ) وأحدها الحج ، ونضم إلى ذلك مقدمة وهي أنه لا يحتمل أن يكون ما يبنى عليه الاسلام توصلياً بل لابد وأن يكون عبادياً ، ثم نضم إلى ذلك مقدمة أخرى وهي أن الحج ليس إلا عبارة عن مجموع أجزاءه وإلّا فالمركب ليس شيئاً يغاير أجزاءه فإذا كان الحج عبادياً فذلك يعني أن جميع أجزاءه يلزم أن تكون عبادية.
 وهذا النحو من الاستدلال ربما ذكره السيد الخوئي(قده) في أكثر من مورد وإن إن لم يذكره هنا بالخصوص ، وهو كما ترى بيان مركب من مقدمات ثلاث.
 وفي مقام التعليق نقول:- هذا يتم فيما إذا قلنا إن التقصير جزء واجب في الحج لا أنه مجرد محلّل وقد تقدم في النقطة الأولى إمكان التشكيك في ذلك ، هذا مضافاً إلى أن كون المركب عبادياً لا يعني لزوم كون جميع أجزاءه عبادية بل يكفي أن تكون شواخصه المهمة عباديَّة كالوقوف في عرفات مثلاً أو المشعر الحرام أو غيرهما فإن هذه الواجبات المهمة التي بها قوام الحج والتي هي شبه بأركانه يلزم أن تكون عبادية أما أن كل جزء من الأجزاء يلزم أن يكون عبادياً فهذا يمكن التشكيك فيه.
 نعم تبقى المقدمة الأساسية التي ذكرها(قده) وهي أنه من البعيد أن يكون ما يبتني عليه الاسلام توصّليّاً قابلة للأخذ والعطاء وترجع إلى نفسية الفقيه فربّ فقيه يقول:- نعم كيف يبتني الاسلام على أمور غير عبادية ؟! ورب آخر يقول العكس ، وعلى أي حال إن المناقشة في هذا قد لا تكون له أهمية كبيرة لأنها تتبع نفسية وذوق الفقيه والمهم ما أشرنا إليه ، يعني التشكيك إما في كون التقصير جزءاً من العمرة أو الحج أو التشكيك في أنه ليس لازم عبادية الشيء كون جميع أجزاءه - وإن لم تكن من الشواخص المهمة - عبادية.
 والأجدر ما تمسكنا به أكثر من مرة:- وهو الارتكاز المتوارث حيث قلنا إن هناك بعض الأمور في شريعة الاسلام قد ارتكزت في أذهان الجميع أنها عبادية كالوضوء والصلاة والحج وهذا الارتكاز لابد له من علّة وإلا فلا يمكن أن يكون قد صدر عبثاً وليست العلة هي فتاوى الفقهاء فان هذا الارتكاز ثابت في أذهانهم أيضاً ونحن نذهب إلى أذهانهم ونقول:- كيف صار الصوم أو الحج أمراً عبادياً وارتكز في أذهانهم ؟ بل لابد له من منشأ وهو أنه قد أخذ يداً بيد وتوارثوه جيلاً بعد جيل من معدن العصمة والطهارة ، وبذلك يثبت أن هذه الأمور عبادية وقد تلقّي ذلك من الأئمة عليهم السلام بشكل واضح والأشياء الواضحة لا تحتاج إلى تنبيه وسؤال ، وهذا ما يبرّر ويفسّر لنا عدم وجود رواية أو سؤال يشتمل على أنه هل هذه الأمور عبادية أو لا ؟
 ولكنَّ هذا الارتكاز المتوارث نأتي به في الصوم أو الصلاة أو الغسل أما التقصير فهل من الواضح اعتبار قصد القربة فيه - يعني العبادية - ؟ والجواب:- حيث نشك في انطباق هذا الارتكاز عليه فلا يمكن أن نجزم بعباديته ونصير إلى الاحتياط الوجوبي.


[1] كشف اللثام 6 30.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo