< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/02/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- تتمة مسألة ( 361 ) ، مسألة ( 362 ) / إحرام حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 النقطة الثانية:- الأحوط وجوباً أن يكون الإحرام من خصوص مكة القديمة لا مطلق مكة بمستحدثاتها اليوم .
 وهذه المسألة لم نجد لها تعرضاً في كلمات المتقدمين أعني مثل صاحب المدارك والحدائق والجواهر فلا يوجد تعرض لها في هذه الطبقة الذي يكشف عن عدم التعرض لها من قبل من سبقهم بل حتى النائيني - الذي هو من المتأخرين - لم يتعرض إليها . وعلى أي حال ذكر(قده) أن الأحوط ذلك واستند إلى صحيحة معاوية المتقدمة الواردة في أن من أحرم لعمرة التمتع من مسجد الشجرة مثلاً يستحب له أن يلبي في الطريق إلى أن يصل إلى مكة ويرى بيوتها ، والرواية قالت إن المدار على البيوت القديمة ثم حدّدت مكة القديمة ونصّها:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام:- إذا دخلت مكة وأنت متمتع فإذا نظرت إلى بيوت مكة فاقطع التلبية وحدّ بيوت مكة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين فإن الناس قد أحدثوا بمكة ...... ) [1] بدعوى أن هذا التحديد الذي أشارت إليه الصحيحة هو تحديد لمكة بلحاظ جميع الأحكام التي رتبها الشارع على عنوان ( مكة ) ومن جملة الأحكام التي رتبها عليه هو إحرام الحج فإنه يكون من مكة المكرمة فيلزم أن يكون بمقتضى هذه الصحيحة من مكة القديمة ، ولأجل احتمال أن هذا التحديد ليس تحديداً بلحاظ مطلق الأحكام احتاط(قده) ولم يفتِ بذلك.
 ونحن نقول:- لا داعي حتى للاحتياط الوجوبي فإن الرواية ليس فيها ظهور من قربٍ ولا من بعدٍ في كون التحديد تحديداً بلحاظ مطلق الآثار ، بل يمكن أن نصعّد اللهجة ونقول:- إن المسألة عامة البلوى فلو كان يلزم الإحرام للحج من خصوص مكة القديمة لكان ذك أمراً واضحاً لفرض أن المسألة ابتلائية والحال أن هذا الوضوح ليس بموجودٍ بل الفقهاء أطلقوا وقالوا ( من مكة ) ولم يقولوا ( من مكة القديمة ) فلا يوجد وضوح على مستوى الفتوى بل يوجد العكس إذ لا يوجد تعرّض لها ، ولعل من أشار إلى ذلك واحتمله هو(قده).
 إذن يمكن أن نحصّل الاطمئنان بأن المدار ليس على مكة القديمة ويكفينا الإطلاق الثابت في صحيحة الحلبي المتقدمة حيث جعلت المدار على عنوان ( مكة ) الذي هو كسائر العناوين يؤخذ به على إطلاقه فيشمل مكة بمستحدثاتها الجديدة.
 النقطة الثالثة:- الأفضل أن يكون الاحرام من خصوص المسجد بل من حِجر اسماعيل أو عند مقام إبراهيم وذلك لصحيحة معاوية حيث جاء فيها:- ( إذا كان يوم التروية انشاء الله فاغتسل ثم البس ثوبيك وادخل المسجد .... ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام أو في الحِجر ثم أحرم بالحج ... ) [2] .
 
 
 مسألة (362 ):- من ترك الإحرام نسياناً أو جهلاً منه بالحكم إلى أن خرج من مكة ثم تذكر أو علم بالحكم وجب عليه الرجوع إلى مكة ولو من عرفات والإحرام منها فإن لم يتمكن من الرجوع لضيق الوقت أو لعذرٍ آخر يحرم من الموضع الذي هو فيه . وكذلك لو تذكر أو علم بالحكم بعد الوقوف بعرفات وإن تمكن من العود إلى مكة والاحرام . ولو لم يتذكر ولم يعلم بالحكم حتى فرغ من الحج صح حجّه.
 ..........................................................................................................
 تتعرض هذه المسألة إلى حكم من ترك الإحرام ، فما هو حكم من نسي أو جهل ؟
 من الواضح أن مقتضى القاعدة الأوليّة إذا لم يتمكن من العود هو البطلان لأنه لم يأت بأحد الأجزاء والمركب عدمٌ عند عدم بعض أجزاءه.
 هذا ولكن وردت روايتان دلتا على أن من تذكر في عرفات كفاه أن يقول ( كذا ) وذكرت أيضاً بأنه إذا نسي أو جهل حتى انتهى من كلِّ الأعمال فالرواية قالت ( لا شيء عليه ) ، والتفتوا إلى أن مورد الروايتين هو الحج دون العمرة فإذا جزمنا بعدم الفرق بين الحج والعمرة فيكون الحكم نفسه في العمرة وإلا فالأمر مشكل فنتمسك بالقاعدة بلحاظ العمرة فتكون باطلة ، وإذا لم ترِد الإفتاء فلا أقل صحتها محلّ إشكال أو أن الاحتياط يقتضي الإعادة في السنة القادمة ، ونص الروايتين:-
 الرواية الأولى:- صحيحة علي بن جعفر عن اخيه موسى عليهما السلام:- ( سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر وهو بعرفات ما حاله ؟ قال:- يقول اللهم على كتابك وسنّة نبيك صلى الله عليه وآله وقد تم إحرامه . فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده إن كان قضى مناسكه كلّها فقد تم حجه ) [3] .
 الثانية:- رواية جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام:- ( رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلّها وطاف وسعى ، قال:- تجزئه نيته إذا كان قد نوى ذلك وقد تمّ حجّه وإن لم يُهِل ... ) [4] .
 إذن الرواية الأولى تعرضت إلى حكمين وهما حكم من التفت وهو في عرفات وقد حكم عليه السلام بالاجزاء وانه يقول ( اللهم على كتابك ... ) وتعرضت إلى حكم آخر تبرع به الامام ولم يسأل عنه السائل وهو أنه لو جهل إلى أن انتهى من جميع الأعمال فقد تم حجّه . وأما الرواية الثانية فتعرضت إلى خصوص الحكم الثاني فقط دون الأول - يعني من جهل أو نسي حتى أتم جميع المناسك - وقد حكم عليه السلام بالاجزاء أيضاً ، هذا من حيث الدلالة فهما من حيث الدلالة لا غموض فيهما ولا تعارض.
 ولكن من حيث السند:-
 أما بالنسبة إلى الأولى:- فقد رواها الشيخ الطوسي(قده) مرتين مرّة اشتملت على كلا السؤالين كما نقلنا ولكن يوجد في السند محمد بن أحمد العلوي وهو هكذا:- ( الشيخ بإسناده محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن أحمد العلوي عن العمركي عن علي بن جعفر ) ، وأما في الطريق الثاني فروى الحكم الأول فقط دون الثاني - يعني إلى قوله ( فقد تم احرامه ) - أما فقرة ( فإن جهل ... ) فلم ينقله وهذا الطريق صحيح بإسناده عن علي بن جعفر فإنه ابتدأ السند بعلي بن جعفر وهو قد ذكر في الفهرست والمشيخة طرقاً صحيحة إلى علي بن جعفر.
 إذن عرفنا الآن أن الحكم الأول - وهو من التفت في عرفات - لا اشكال من حيث السند لأنه إذا شككنا في الطريق الأول فالطريق الثاني موجود ، وأما الحكم الثاني الذي تبرع به الامام فلم يذكر إلا بالطريق الأول الذي فيه محمد بن أحمد العلوي.
 وإذا رجعنا إلى الرواية الثانية التي اشتملت على الحكم الثاني دون الأول فهي قد رواها جميل عن بعض أصحابنا فهي إذن مرسلة . إذن سوف نقع في مشكلة من ناحية الحكم الثاني الذي تبرع به الامام لا من ناحية الحكم الأول ، اللهم إلا أن نبذل جهوداً في توثيق محمد بن أحمد العلوي فإن الرجل المذكور لم يذكر بتوثيقٍ ولكن قد يقال إنه روى عنه الأجلة من قبيل محمد بن علي بن محبوب الأشعري القمي وأحمد بن ادريس استاذ الشيخ الكليني ولكن لم يروِ هؤلاء عنه بكثرة وإنما الموجود هو موارد نادرة ونحن وأن كنّا نميل إلى كفاية رواية الأجلة ولكن إذا كان هناك إكثار في الرواية عنه أما الرواية عنه في موارد محدودة وقليلة فلا فإن العاقل عادةً لا يُكثِر الرواية عن شخصٍ لم تثبت عنده وثاقته . نعم قد يتسامح في مورد أو موردين فيروي عنه ، والعرب ببابك .
 والخلاصة من خلال هذا:- يشكل إثبات وثاقة هذا الرجل.
 وقد يستعان لإثبات وثاقته:- بأن النجاشي في ترجمة العمركي البوفكي النيسابوري الذي هو من ثقاة أصحابنا قال:- ( إنه قد روى عنه شيوخ أصحابنا منهم عبد الله بن جعفر الحميري ) ثم قال ( له كتاب الملاحم أي للعمركي أخبرنا أبو عبد الله القزويني قال حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن ادريس قال حدثنا محمد بن أحمد بن اسماعيل العلوي عن العمركي ) ، إذن محمد بن أحمد العلوي يروي عن العمركي جزماً في هذا المورد - في كتاب الملاحم - وفي الرواية التي بأيدينا ، وحينئذٍ نقول يشمله آنذاك تعبير النجاشي بقوله ( شيوخ أصحابنا ) ، فإذا استفدنا من هذه العبارة إنه من شيوخ أصحابنا فتثبت وثاقته.
 ولكن يرد عليه:- إنه حتى لو استفدنا التوثيق من التعبير المذكور إلّا أنه لا ينفعنا في المقام فإنه يكفي لصدق هذا العنوان - أي عنوان روى عنه شيوخ أصحابنا - أن يكون بعض من روى عن العمركي هو من شيوخ أصحابنا ولا يلزم أن يكونوا بأجمعهم من شيوخ أصحابنا نظير ما إذا قلت ( روى عن العمركي أجلة أصحابنا وثقاتهم ) فإنه لا يستفاد منه أن الجميع الذين رووا عن العمركي هم من الثقاة بل يكفي في صدق هذا العنوان أن يكون الغالب منهم . إذن ولعل هذا العلوي من ذلك البعض الذي هو ليس من شيوخ أصحابنا ، وعليه فتعبير النجاشي بأنه ( روى عنه شيوخ أصحابنا ) لا يفهم منه أن جميع هؤلاء الذين رووا عن العمركي بما فيهم العلوي هو من شيوخ أصحابنا بل يكفي في صدق ذلك أن يكون الغالب كذلك ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
 نعم هناك طريق آخر وهو أن يقال:- إن محمد بن الحسن بن الوليد - أستاذ الشيخ الصدوق وشيخه - استثنى من روايات نوادر الحكمة وقال ( هذا الكتاب نعمل به وبكل الطرق التي ورد من خلالها هذا الكتاب إلا ما ورد بواسطة فلان وفلان وفلان ) واستثنى مجموعة وليس العلوي من هؤلاء المجموعة وهذا يكشف عن توثيق ابن الوليد له وإلّا لكان المناسب أن يستثنيه ، إنه إذا بنينا على هذه الكبرى والمفروض أن ابن الوليد من متقدمي الأصحاب وقلنا إن عمله يدل على التوثيق فعلى هذا الأساس لا إشكال في الرواية خصوصاً وأنها مدعومة برواية جميل عن بعض أصحابنا فإن هذا وذاك إذا أورثا لك القناعة فالأمر حينئذ لا مشكلة فيه ، وهذا ليس ببعيد.


[1] الوسائل 12 388 43 من أبواب الاحرام ح1.
[2] الوسائل 11 339 21 من المواقيت ح1.
[3] الوسائل 11 330 14 من أبواب المواقيت ح8.
[4] المصدر السابق ح1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo