< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/02/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 362 ) / إحرام حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 استدراك:- ذكرنا أن رواية علي بن جعفر ورد فيها سؤال في جزئها الأول كما ورد في جزئها الثاني تبرع من الامام عليه السلام والسؤال كان عمن ذكر في عرفات والتبرع كان من الامام فيما إذا التفت بعد الانتهاء ، وذكرت في المحاضرة السابقة أن الجزء الأول - أي السؤال الذي سأله الراوي - قد نقله الشيخ الطوسي(قده) من كتاب علي بن جعفر بسنده وقلنا إن السند صحيح ، فالجزء الأول إذن إن كانت هناك مناقشة من ناحيته في رواية علي بن جعفر بسبب محمد بن أحمد العلوي فهو ليس فيه مشكلة لأنه وارد بطريق صحيح للشيخ الطوسي من كتاب بن جعفر .
 والذي أريد أن قوله الآن:- هو أن التبرع الذي تبرع به الإمام عليه السلام أي الجزء الثاني هو أيضاً كذلك فقد رواه الشيخ الطوسي من كتاب علي بن جعفر بسنده الصحيح . إذن الجزء الأول ورد في كتاب علي بن جعفر من طريق الشيخ والجزء الثاني قد ورد كذلك أيضاً ومن هنا لا تعود لدينا مشكلة من ناحية محمد بن أحمد العلوي فحتى لو كان ضعيفاً ورفضنا روايته السابقة فنقول بأن كلا الجزأين قد وردا في كتاب علي بن جعفر وعليه فلا مشكلة ، والجزء الثاني قد ورد في رواية علي بن جعفر [1] فإن صاحب الوسائل قال مرَّة:- ( وبأسناده عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام:- سألته عن رجل كان متمتعاً خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده ، قال:- إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجّه ) وهذا تعرّض إلى الجزء الثاني ، وقال(قده) بعد ذلك:- ( وعنه عن أخيه عليه السلام:- سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر وهو بعرفات فما حاله ؟ قال:- يقول اللهم على كتابك وسنّة نبيك فقد تمّ إحرامه ) [2] وهذا نقل للجزء الأول في تلك الرواية السابقة.
 إذن من خلال هذا يتضح أن الجزء الأول والجزء الثاني نقلهما الشيخ الطوسي(قده) بشكلين مرّة في رواية واحدة فيها العلوي ولكن الجزء الأول منها سؤال من الراوي والجزء الثاني منها تبرع من الإمام عليه ، كما أن نفس الشيخ الطوسي(قده) نقل كلا الجزأين من كتاب علي بن جعفر ، وعليه فلا مشكلة من ناحية العلوي ، وهل تظهر فائدة لذلك ؟ نعم ربما تظهر فائدة على ما سيأتي فيما بعد انشاء الله تعالى.
 هذا بالنسبة إلى روايات المسألة.
 وإذا رجعنا إلى كلمات الأصحاب فلم نجد لهم كلاماً طويلاً في هذا المجال بل اختصروا الحديث فيه ، فنقل صاحب المدارك(قده) [3] عن العلامة أن من التفت وهو في عرفات إلى أنه لم يحرم أحرم فيها مستدلّاً بصحيحة علي بن جعفر ، ثم نقل عنه أنه لو التفت بعد عرفات أي في المشعر فحكمه كذلك - أي قال ( يحرم من مكانه ولا يبطل عمله ) - واستدل العلامة لذلك بالأولوية ، بتقريب:- أن من فرغ من الحج والتفت يصح حجّه فبالأولى إذا التفت في الأثناء فإنه إذا أحرم يصح حجّه ، هذا ما نقله صاحب المدارك عن العلامة ثم قال صاحب المدارك ما نصه:- ( ومع ذلك فالمسألة محل تردّد ) وأنهى الموضوع ، وقريب من ذلك ما جاء في الحدائق [4] والجواهر [5] ومستند الشيعة [6] .
 والمناسب أن يقع الكلام في النقاط الثلاث التالية:-
 النقطة الأولى:- إذا التفت المكلف وهو في عرفات . وقد فصّل السيد الماتن(قده) بين ما إذا تمكن من العود إلى مكة والإحرام منها فيلزمه ذلك وإلّا فمن مكانه.
 النقطة الثانية:- إذا التفت بعد عرفات - يعني في المشعر مثلاً - وهنا حكم السيد الماتن(قده) بأنه يحرم في مكانه حتى لو أمكنه العود إلى مكة والإحرام منها.
 النقطة الثالثة:- لو التفت بعد إنهاء جميع الأعمال فلا شيء عليه.
 النقطة الأولى:- أما بالنسبة إلى من التفت وهو في عرفات فتارةً لا يمكنه العود وأخرى يمكنه:-
 فإن لم يمكنه العود:- فالمناسب الإحرام في مكانه فإن هذا هو القدر المتيقن من صحيحة علي بن جعفر ، بيد أنه يوجد سؤالان في هذا المجال:-
 السؤال الأول:- إذا لم يمكنه العود فهل يحتاج إلى أن يحرم بالتلبية فيقول ( لبيك اللهم لبيك ... ) أو يكفيه أن يقول ( اللهم على كتابك وسنة نبيك ) ؟
 والجواب:- إن الأصحاب لم يتعرضوا إلى ذلك وظاهر قولهم وحكمهم بأنه يحرم من مكانه أنه يحتاج إلى تلبية وانعقاد الإحرام يكون بالتلبية ، ولكن من الوجيه إذا ما أردنا أن نأخذ بالصحيحة هو الاكتفاء بفقرة ( اللهم على كتابك وسنة نبيك ) فيكتفي بهذا المقدار بلا حاجة إلى تلبية فإن الحاجة إلى التلبية حكم شرعي وهي قابلة للتخصيص فيمكن أن يخرج هذا المورد بالنصّ فالإحرام يلزم فيه التلبية إلا في هذا المورد فيكتفى فيه بالفقرة المذكورة وأي مانع من ذلك ؟ ولعل النكتة في عدم الحاجة إلى التلبية والاكتفاء بالفقرة المذكورة هو أن التلبية ينتهي أمدها إلى زوال يوم عرفة وما دام الأمر كذلك فلا يلبي الشخص المذكور بل يقول الفقرة المذكورة تمسكاً بالصحيحة ، نعم الأحوط وجوباً الجمع بين المطلبين فيلبي ويأتي بالفقرة المذكورة.
 وإذا قال قائل:- إن التلبية إذا لم تكن مشروعة وينتهي أمدها إلى زوال يوم عرفة فالإتيان بها لا يكون احتياطاً بل يكون عكسه.
 أجبنا:- إن التلبية الممنوعة هي تلك التلبية التي يؤتى بها لا بقصد عقد الإحرام وإنما يؤتى بها من باب الاستحباب أما التي ينعقد بها الإحرام فشمول دليل المنع لها هو أول الكلام.
 هذا مضافاً إلى أن نفي الشرعية عن التلبية بعد زوال يوم عرفة ماذا يعني ؟ هل يعني الحرمة بعد الزوال ، أو يعني أنه لا استحباب ؟ فنفي الشرعية بمعنى أنه ليس بمستحب هو شيء وجيه ، يعني أن يقال ( إن المقصود هو نفي الاستحباب لا بمعنى الحرمة ) ، وعليه فلا إشكال من هذه الناحية فالاحتياط كما أشرنا.
 السؤال الثاني:- لو رجعنا إلى الصحيحة وجدناها مختصة بمن كان ناسياً ثم ذكر وهو في عرفات ، وهل هذا حكم يختص بالناسي أو يعم الجاهل أيضاً ، بعد الالتفات إلى أن التعميم للجاهل ورد بلحاظ من التفت بعد الحج فمن التفت بعد الحج فهناك ذُكر أنه لا فرق بين الناسي والجاهل أما من التفت وهو في عرفات فذكِر فيها خصوص الناسي ولم يذكر فيها الجاهل فهل يمكن التعميم للجاهل أيضاً ؟
 والجواب:- قد يتمسك بالوجوه التالية:-
 الوجه الأول:- إن الامام عليه السلام في صحيحة علي بن جعفر سأله الراوي عمّن كان ناسياً وذكر في عرفات وبعد ذلك تبرع الإمام وذكر أنه لو التفت بعد جميع المناسك سواء كان ناسياً أم جاهلاً فلا شيء عليه ، إنه قد يفهم من تبرع الإمام بالجزء الثاني والتعميم للجاهل والناسي مع السكوت عن اختصاص الحكم الأول بخصوص الناسي أنه عام أيضاً وإنما السؤال كان عن الناسي فالتقييد تقييد من السائل لا أن الامام هو الذي قيّد من البداية بذلك فلو كان الحكم خاصاً بالناسي لكان من المناسب للإمام أن ينبّه السائل ويقول إن الحكم الثاني الذي تبرعت به عام للجاهل والناسي وأما الحكم الأول فهو خاص بالناسي ولا يعم الجاهل فسكوت الإمام عن ذلك يدل على أن الحكم الأول عام أيضاً غايته أن السائل قيّد بفرض النسيان وإلا فلا خصوصية من هذه الناحية نظير ما إذا جاءنا شخص وسألنا فإنه لو كان أحد الحكمين عاماً للجاهل والناسي والحكم الآخر كان خاصاً بالناسي فنؤكد له ونقول إن ذلك الحكم الآخر خاص بالناسي ولا يعم الجاهل بخلاف هذا وعدم التأكيد يدل على التعميم ، فإذا قبلنا بهذه القضية العرفية فيتم.
 ولكن يمكن أن يقال في مقام التعليق:- إن هذا يتم فيما لو كان الامام قد تبرّع بالجزء الثاني ، ومن قال أنه قد تبرع ؟ فلعله ورد سؤالان مستقلان أحدهما مستقل عن الآخر غايته جُمِعا صحيحة علي بن جعفر التي في طريقها العلوي فإن صاحب الوسائل وإن نقلهما بشكلٍ مستقل ولكن إذا رجعنا إلى التهذيب [7] وجدنا أن الشيخ الطوسي ينقلهما مجتمعين لا منفصلين ومن البعيد أن يصدر من علي بن جعفر هذان السؤالان مرَّة بعنوان سؤالين وأخرى بعنوان سؤال والآخر تبرع من الإمام ، فعليه لا نحرز الوحدة بين الجزأين حتى نقول إن تبرع الإمام إلى جنب ذلك السؤال يدل على أن الحكم الأول عام للناسي والجاهل ولا يختص بالجاهل فإن هذا لا يأتي بعدما أوضحنا الحال في روايات المسألة.


[1] الوسائل 11 338 20 من المواقيت ح2.
[2] المصدر السابق ح3.
[3] المدارك 7 233.
[4] الحدائق 14 465.
[5] الجواهر 18 130.
[6] مستند الشيعة 11 251.
[7] التهذيب 5.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo