< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/02/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 363 ) / إحرام حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 ولكن يمكن أن يقال:- إن مورد الصحيحة ليس هو الإطلاق وإنما هو ترك الاستفصال فإن الحلبي سأل وقال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم ، فقال عليه السلام:- يرجع إلى ميقات أهل بلاده فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه ) إن هذا ليس مورد الإطلاق وإنما هو ترك الاستفصال بمعنى أن الإمام لم يستفصل بين أن يكون ذلك الترك عن سهوٍ أو جهل أو عمد وعدم استفصاله يدلّ عرفاً على العموم ، فالصحيحة هي من هذا القبيل لا من قبيل الإطلاق ، ومعه يمكن أن يقال:- إن الامام عليه السلام لم يستفصل لأنه فهم من صيغة السؤال إن الذي ترك الإحرام هو قد تركه عن سهو أو عن جهل فإن المؤمن الذي جاء لأجل الحج لا يتقصَّد الترك العمدي فلأجل وجاهة هذا الاحتمال للقرينة التي أشرنا إليها لم يستفصل ومع هذا فكيف نستفيد العموم ؟! وهذا من أثار الفرق بين الإطلاق وترك الاستفصال فإنه أحيانا تترتب بعض الفروق والآثار ومن جملة ذلك ما أشرنا إليه ، وقد نبَّهنا إلى ذلك في غير موضع.
 إذن هذه الصحيحة لا يمكن أن نستند إليها لإثبات التعميم ، وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً . وهذا بخلاف فيما ما إذا فرض أن المورد مورد الإطلاق بأن قال الإمام مثلاً:- ( كل من ترك الإحرام ولم يتمكن من العود فليحرم من مكانه ) فهنا يمكن أن يقال نتمسك بإطلاق كلامه عليه السلام إذ هو قال ( كل من ترك ) ولم يخصّص ذلك بالترك السهوي أو عن جهل . نعم بناءً على مسلكنا في باب الإطلاق - وهو أنه إنما يجوز التمسك بالإطلاق فلو استهجن الإطلاق عند كون المراد واقعاً هو المقيد - فهنا قد يقال إنه في موردنا لا يستهجن الإطلاق من الامام عليه السلام لو كان مراده المقيد واقعاً فإذا لم يستهجن فحينئذ لا يجوز التمسك بالإطلاق ، فيوجد مجال لمنع الإطلاق على مسلكنا أما على مسلك المشهور الذين يتمسكون بالإطلاق بدائرته الوسيعة عندهم فيجوز التمسك به بخلاف ترك الاستفصال فإنه في ترك الاستفصال لا يجوز للجميع إثبات العموم به إذ يأتي أنه لم يستفصل لاحتمال وضوح فهمه من السؤال أن الترك كان تركاً ليس عمدياً .
 نعم إذا ناقش شخص في الصغرى وقال:- كيف يفهم الإمام من الترك هو الترك السهوي أو عن جهل ؟ ولكن هذا خلاف صغروي والمهم هو الكبرى ، أما إنكار الصغرى فهذه قضية وجدانية فقد تُسلّم بها أو لا تسلم أما من حيث الكبرى فينبغي أن نسلّم هذا المعنى بأن الإمام مادام أنه تُحتَمَل أنه لم يستفصل لأجل أنه فهم من الترك ليس هو الترك العمدي فلا يمكن التمسك بعدم الاستفصال لإثبات العموم.
 ونلفت النظر إلى قضية:- وهي أن الحكم ببطلان حجّ من ترك الإحرام عمداً حتى فاته الموقف في عرفات يفهم منه أنه مادام ترك الاحرام قد استوجب ترك الموقف بنصفه - بل ولو بثلاثة أرباعه - إنه يحكم حينئذ ببطلان حجّه إذ الوقوف من بداية الزوال - أو بعد الزوال بساعة - هو شيء واجب فإذا ترك الإحرام وفاته جزء من هذا الواجب - أي نصف وقت الوقوف مثلاً - فيلزم الحكم ببطلان حجّه إذ قد ترك الواجب وهذا الوقوف هو جزء من الحج والمركب ينتفي بانتفاء بعض أجزائه هكذا قلنا سابقاً وهكذا توحي عبارة السيد الماتن(قده) فإنه قال:- ( من ترك الإحرام عالماً عامداً لزمه التدارك فإن لم يتمكن منه قبل الوقوف بعرفات .... ) أي قبل الزوال فحينئذ يحكم ببطلان عمله وحجّه.
 ولكن سيأتينا في باب الوقوف بعرفات وجود عدّة احتمالات في تحديد الواجب في الموقف بعرفات وأحدها هو أن نقول إن الوقوف من الزوال - أو بعده بساعة - هو الواجب ولكن رغم كونه واجباً فليس الركن الذي يبطل العمل بتركه هو هذا المقدار - أي من الزوال - وإنما الركن هو المسمّى - يعني الذي يتحقق ولو بخمس دقائق أو بآنٍ ما - فإذا ترك المسمى بطل الحج حينئذٍ ، أما إذا فرض أنه لم يترك المسمى وإنما ترك الواجب الزائد فحينئذ لا يبطل حجّه ، إن هذا أحد الاحتمالات في المسألة - وتأتي انشاء الله تعالى - وسبب هذا الاختلاف هو أنه لا توجد عندنا رواية ونصٌّ واضح يحدّد مقدار الواجب في عرفات بدايةً ونهايةً وبالأخص بدايةً ، وحيث أنه لا يوجد نصٌّ للتحديد وقع الخلاف بين الفقهاء ، وعليه فبناءً على هذا الاحتمال - لو اخترناه - فلو ترك المكلف الإحرام حتى فاته الموقف بعرفات ولكنّه أدرك المسمّى - أي قبل الغروب ولو بلحظة - فهو وإن كان آثماً إلا أنه لا يبطل حجّه ، وهذه قضية مهمة ينبغي الالتفات إليها.
 إذن حكم هذه المسألة في مقامنا يرتبط بمسألة تحديد مقدار الوقوف الواجب في عرفات ، فإذا اخترنا هذا الاحتمال فسوف تكون النتيجة ما ذكرناه ، وكفى ذلك لصحّة عمله . وعبارة السيد الماتن(قده) توحي بأن من ترك المقدار الواجب ولو غير المسمى عمداً بطل بذلك حجّه ، ولكن كما قلنا يمكن التأمل في ذلك والحكم بالصحة وهذه قضية مهمة ينبغي الالتفات إليها.
 وهناك قضية جانبية وحاصلها:- إنه توجد عبارة للشيخ النائيني(قده) في مناسكه وقعت محلاً للخلاف بين العلمين السيد الحكيم والسيد الخوئي في كيفية تفسيرها ونصّها:- ( ولو تركه عمداً إلى أن فات وقت الوقوف بطل حجه على اشكال فيما إذا ادرك اختياري المشعر وحده أو مع اضطراري عرفة ).
 فإن هذه العبارة يمكن أن يفهم منها أن المكلف لو ترك الإحرام عمداً وفاته بذاك موقف عرفات فهل نحكم ببطلان حجه ؟ حكم(قده) أنه لو أدرك هذا المكلف موقف المشعر الاختياري وحده أو بإضافة اضطراري عرفة فإنه قد يوجد مجال للحكم بصحة حجّه على إشكال.
 وبناء على هذا أشكل السيد الحكيم(قده) [1] :- بأنه إذا فاته اختياري عرفة عمداً حيث ترك الإحرام عمداً فكيف نحتمل صحة حجّه ؟! إنه يحكم بفساده بنحو الجزم حتى لو أدرك اختياري المشعر فإن ادراك اختياري المشعر ينفع فيما إذا فات الموقف بعرفات عن غير عمد - أي لعذر - أما إذا فات عن عمد ولم يأتِ المكلف بالموقف بعرفات فهو حتى لو أدرك اختياري المشعر أو حتى مع اضطراري عرفة فلا ينفعه ذلك.
 وفسر السيد الخوئي(قده) العبارة بشكل آخر حيث قال:- إن الشيخ النائيني(قده) لا يقصد هذا المعنى الذي فهمه السيد الحكيم(قده) كيف وهو في عبارة أخرى ستأتي يصرح ويقول من ترك موقف عرفات عمداً يحكم بفساد حجّه حتى لو أدرك اختياري المشعر ونصّ عبارته هكذا:- ( والركن منه هو مسمّاه والزائد عليه واجب غير ركنيّ فلو تركه عمداً إلى أن خرج وقته الاختياري بطل حجّه ولا يجديه إدراكه الاضطراري ولا إدراك المشعر مطلقاً ) فإن هذه العبارة واضحة في أن الشيخ النائيني يرى أن فوات موقف عرفة عن عمدٍ يوجب البطلان حتى لو أدرك المكلف الوقوف الاختياري بالمشعر . إذن فما هو مقصوده ؟ إن مقصوده هو أن المكلف لو لم يتمكن من الحضور في عرفات بداية الوقت - أي من الزوال - لعذرٍ ولأجل وجود العذر له في ترك الوقوف من أول الزوال ترك الإحرام عمداً باعتبار أنه لا يلزمه الوقوف من بداية الزوال ولكن هذا التهاون العمدي وهذا الترك العمدي للإحرام قبل الزوال صار سبباً إلى أن يفوته موقف عرفات - أي المقدار المسمّى ايضاً - ففي مثل هذه الحالة هل يحكم بفساد حجّه بعد فرض أنه قد أدرك اختياري المشعر ؟ انه في هذه الحالة يمكن أن يتأمل في فساد حجّه ولا يحكم بالفساد باعتبار أنه وإن تهاون ولم يحرم قبل الزوال ولكنه تهاون جائز إذ المفروض أنه لا يجب عليه الوقوف من بداية الزوال فلم يحرم قبل الزوال فتهاون وقال سأحرم بعد ساعة أو ساعتين وسأدرك موقف عرفات ولكن هذا التهاون أدى إلى أن لا يتمكن حتى من إدراك المسمى ، إنه في هذه الحالة يتأمل في بطلان حجّه ، فالشيخ النائيني يقصد هذا المعنى ولا يقصد ذلك المعنى الذي فهمه السيد الحكيم ، هكذا قال(قده) والأمر سهل من هذه الناحية ، وكان غرضي فقط هو الإشارة إلى وجود مطلب وعبارة من هذا القبيل وقعت محلّاً للخلاف بين الاعلام.


[1] دليل الناسك 313 ، 314.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo