< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/02/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الثاني من واجبات حج التمتع ( الوقوف بعرفات ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الوجه الثاني:- ما ذكره صاحب الحدائق(قده) [1] حيث علل اعتبار قصد القربة بأن الوقوف عبادة ، وذكر هذا نفسه في المرتقى [2] وأدعي الإجماع على ذلك - يعني قيل هو عبادة بالإجماع -.
 وفيه:- إنه لو أخذنا بظاهر هذا الكلام فهو مورد اشكال كما هو واضح إذ يرد:-
 أولاً:- إن هذا من قبيل تعليل الشيء بنفسه إذ العبادية هي عبارة أخرى عن اعتبار قصد القربة وقصد القربة عبارة أخرى عن العبادية فتعليل اعتبار قصد القربة بالعبادية يكون تعليلاً للشيء بنفسه.
 وثانياً:- إنه استند في كونه عبادة إلى الإجماع ومعلوم أن هذا الإجماع محتمل المدرك لاحتمال استناده إلى أحد الوجوه المذكورة في المقالم والإجماع المدركي ليس حجّة وإنما الحجّة هو الإجماع التعبدي الذي يُجزم بعدم المدرك له إذ هو الذي يمكن أن يكشف عن وصول المضمون من الإمام يداً بيد . ولكن نحتمل أنه لا يقصد ظاهر هذا الكلام وإنما يقصد أن قصد القربة معتبر في الوقوف باعتبار قيام الإجماع على ذلك - يعني على أنه يعتبر فيه قصد القربة - فذكر لفظ العبادية إشارة إلى قصد القربة ، وإذا كان يقصد هذا فهو وجيه ، ولكن يرد عليه آنذاك الإيراد الثاني الذي ذكرناه فالإيراد الأول وإن لم يرد - يعني ان هذا نم تعليل الشيء بنفسه - ولكن يرد الإيراد الثاني وهو أنه من قال أنه يعتبر قصد القربة في الوقوف بعرفات ؟ لا مستند إلا الإجماع والإجماع كما قلنا محتمل المدرك.
 الوجه الثالث:- ما ذكره في الحدائق أيضاً [3] حيث تمسك بقوله تعالى ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) وتقريب الدلالة واضح فإن المطلوب من العباد هو الاخلاص وذلك لا يكون إلا مع قصد القربة . وهذا كلام يذكر في جميع الموارد التي يلزم فيها قصد القربة بلا خصوصية لمقامنا.
 ويرد عليه:- إن هذا أجنبي عن المقام فإن هناك شيئين لابد من التمييز بينهما أحدهما أن الشرك في العبادة لا يجوز فلا يجوز الإتيان بالعمل لله ولغيره بل المطلوب هو أن يؤتى به لله عز وجل فقط وهذا ما يعبّر عنه بالإخلاص فالشرك محرّم والاخلاص لازم ، والشيء الثاني إنه لا يكفي عدم الشرك في العبادة بل لابد من شيء آخر وهو أن يكون الداعي داعياً إلهياً فالإنسان أحيانا قد يتوضأ ولا يقصد بذلك الشرك - يعني لا يأتي بالوضوء لله ولغيره - بل يأتي به من باب نيّة التبريد كما إذا كان الجوّ حاراً أو يأتي به بلا هدف ، إن هذا لا يصدق عليه عنوان الشرك فلا يكون حينئذ منهياً عنه بالآية الكريمة فإن المنهي عنه بها هو الإتيان بالعمل بنحو الشرك فالشرك لا يجوز أما شيءٌ أزيد من ذلك وهو أن يكون هناك داعٍ إلهي بقطع النظر عن الشرك فهذا لا تدل عليه الآية الكريمة فالشرك مبغوض أما الإتيان بالعمل لله عز وجل - يعني الداعي القربي - فلا تدل عليه الآية المباركة ، وهذا جواب سيّال في جميع الموارد التي يستدل فيها بالآية الكريمة.
 الوجه الرابع:- ما جاء في الحدائق أيضاً حيث تمسك بقوله صلى الله عليه وآله ( إنما الأعمال بالنيّات ولكل امرئ ما نوى ).
 وفيه:- إن هذا أغرب من سابقه فإنه يحتمل - ولا نحتاج إلى تصعيد اللهجة وندّعي الجزم بل يكفينا إبداء الاحتمال الموجب للإجمال أنه ناظر إلى قضية أخرى وهي أن الانسان لو أتى بعملٍ فتشخيص أن هذا العمل جيد أو لس بجيدٍ يكون تابعاً للنيّة ، فمن ضرب اليتيم فإن كان الهدف هو التأديب فيكون هذا شيئاً حسناً وإن كان هو التشفي أو نحو ذلك فيكون قبيحاً فالمدار على النيّة في تشخيص أن هذا العمل جيد أو لا.
 أو قل:- إن قيمة العمل في الإسلام ليس على الظاهر والشكليات فمن بنى مسجداً فقد تقول الناس إن هذا شيء جيد ولكن ليس المدار على الظواهر بل على الهدف فإن كان الهدف هو الله عز وجل فهو له قيمة وأما إذا كان المدار غير ذلك فهو ليس بعمل جيد وإن كان جيداً ظاهراً وهذه قضية مهمة امتاز بها الإسلام حيث جعل المدار في تقييم الأعمال على الهدف والنيّة فأمير المؤمنين عليه السلام تصدّق بخاتم من حديد وليست له قيمة فنزلة آية كريمة ، إن القيمة ليست للخاتم وإنما لتلك النيّة الطيّبة التي كانت له ، ومما يؤكد ذلك أيضا ذيل الحديث فإنه جاء فيه ( إنما الأعمال بالنيّات ولكل امرئ ما نوى فمن غزى ابتغاء ما عند الله فقد وقع أجره على الله عز وجل ومن غزى يريد عرض الدنيا أو نوى عِقالاً لم يكن له إلّا ما نوى ) [4] .
 وعلى أي حال المضمون المذكور إن لم يقصد منه ما أردنا بنحو الجزم فلا أقل هو احتمال وجيه تعود معه العبارة مجملة لا يمكن التمسك بها كما أراد(قده).
 الوجه الخامس:- ما ذكره السد الخوئي(قده) في المقام حيث تمسك بقوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ) بتقريب أن ما كان مطلوباً لله عز وجل لا يجوز الإتيان به إلّا لوجهه الكريم ، وهو المطلوب.
 وفيه:- إنه من المحتمل أن يكون المقصود هو النهي عن الشرك كما قلنا في قوله تعالى ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) فالمقصود هو أنه لا يجوز إتمام الحج والعمرة للأصنام الأوثان وللعادات الجاهلية فالمنظور هو النهي عن الشرك والتحريض على الإخلاص في مقابل الشرك لا أن الإتيان بداعي القربة في مقابل أن لا ينوي شيئاً هو منهي عنه ، كلا فالآية المباركة من المحتمل أن تكون أجنبية عن المقام بشكل كليّ.
 الوجه السادس:- ما ذكره السيد الخوئي(قده) في موارد أخرى ولم يذكره في المقام من قبيل ما ذكره في كتاب الصوم في مبحث النيّة [5] حيث ذكر أن الصوم ممّا بني عليه الإسلام وما يبنى عليه الاسلام يلزم أن يكون عبادياً .
 هذا ما ذكره هناك ولكن يمكن سحبه الى المقام فيقال:- إن الحج أيضاً مما بني عليه الإسلام فإن الإسلام بني على خمسة أشياء وأحدها الحج وعليه يلزم أن يكون عبادياً فإن ما ينبى عليه الإسلام لا يناسب أن يكون توصليّاً بل يلزم أن يكون عبادياً.
 وفيه:- إن هذا أقرب إلى الكلام الخطابي منه بالكلام العلمي ، مضافاً إلى أنه لو تنزلنا فيكفي أن تكون الشواخص المهمّة عبادية أو الكثير منه يلزم أن يكون عبادياً كالوقوف في المشعر الحرام أو كالإحرام أما جميع أجزاءه يلزم فيه أن يكون عبادياً فهذا أول الكلام ، فلو قلنا أن الحج هو المشعر الحرام كما دلّت عليه الرواية فمثلاً يكفي.
 هذه وجوه قد يستدل بها في المقام على اعتبار قصد القربة في الوقوف بعرفات.
 والأنسب ما أشرنا إليه غير مرة:- من فكرة الارتكاز المتوارث بمعنى أن المرتكز في أذهان المتشرعة سواءً كانوا علماء أو غيرهم هو اعتبار قصد القربة في الوقوف بعرفات وهذا ارتكاز يلزم أن يكون له منشاء وإلّا للزم صدور المعلول بلا علّة ولا يحتمل أن يكون المنشأ هو أحد الأمور المذكور فإن هذا الارتكاز أوضح بكثير منها فلا يحتمل نشوؤه منها وبالتالي يتعين أن يكون متوارثاً يداً بيد من أهل بيت العصمة عليهم السلام ولذلك لم يرد نصّ خاص على اعتباره وما ذاك إلا لأنه شيءٌ واضح والأشياء الواضحة في الأجواء الواضحة لا تحتاج إلى بيان.
 النقطة الثالثة:- إن اللازم في الوقوف بعرفات هو مطلق الكون أعم من كونه بنحو القيام أو القعود أو غير ذلك خلافاً للفاضل الهندي(قده) [6] فإن العلامة قال:- ( والواجب ما يطلق عليه اسم الحضور وإن سارت به دابته مع النيّة ) وعلّق الفاضل الهندي قائلاً:- ( وهو عندي مشكل لخروجه عن معنى الوقوف لغةً وعرفاً . ونصوص الكون والإتيان لا تصلح لصرفه إلى المجاز ) إنه يدعي أن المعنى العرفي واللغوي للوقوف هو الوقوف على الرجلين فمثل صحيحة معاوية بن عمار التي جاء فيها ( قف في ميسرة الجبل فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وقف في ميسرة الجبل ) [7] ، وهكذا مثل صحيحة عمر بن أذينة حيث جاء فيها ( .... الحج الأكبر الوقوف بعرفة ورمي الجمار ) [8] إن الوارد هو التعبير بالوقوف وهو لغة وعرفاً عبارة عن القيام في مقابل القعود وإذا كانت هناك نصوص أخرى عبّرت بالكون أو بالإتيان ( اات عرفات ) فهي أشبه بالمطلق فتقيَّد بما دلَّ على اعتبار الوقوف بمعنى القيام.
 وبالجملة:- إن الفاضل الهندي بنى على اعتبار القيام وعدم جواز الحالات الأخرى.
 ولكن يمكن أن يقال:- إن المهم هو الكون في عرفات سواء كان عن قيام أو عن قعود أو عن اضطجاع أو عن نوم فكل هذا لا بأس به والوجه في ذلك امران:-
 الأول:- السيرة القطعية فإن سيرة المسلمين في عصر المعصوم كانت على ذلك جزماً فإنا لا نحتمل أن كل المسلمين كانوا وقوفاً في عرفات فإن هذه ظاهرة ملفتة للنظر ولو كان ذلك لنقل وكذلك لا نحتمل أنهم جميعاً قعود أو مضطجعين فإن هذه حالات ملفتة للنظر فمن المحتم أن حالتهم كانت حالة طبيعية كما هي في زماننا فواحد واقف وواحد قاعد ... وهكذا . إذن حتماً كانت السيرة على ذلك وهي نعم الدليل.
 الوجه الثاني:- بقطع النظر عن السيرة يمكن أن نتمسك بالبيان التالي:- وهو أن هذه المسألة عامة البلوى فيلزم لو كان الحكم هو تعيّن الوقوف ولا يجوز الجلوس والحال أن الحالة الطبيعية للإنسان أنه قد يتعب فيجلس لنُبِّه على ذلك ولأشارت النصوص وقالت ( لا يجوز لكم الجلوس أو النوم ) إن عدم التنبيه على ذلك يدل على أن المطلوب هو مطلق الكون بأي شكل من الأشكال بقطع النظر عن السيرة التي ذكرناها في الوجه الأول.


[1] الحدائق 19 15.
[2] المرتقى للسيد الروحاني 2 265.
[3] الحدائق 16 374.
[4] الوسائل 1 48 5 من أبواب مقدمة العبادات ح10.
[5] كتاب الصوم الطبعة الجديدة تسلل 21 10.
[6] كاشف اللثام 6 76.
[7] الوسائل 13 534 11 من ابوا احرام الحج والوقوف بعرفة.
[8] الوسائل 11 7 1 من أبواب وجوب الحج وشرائطه - ح2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo