< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/02/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الثاني من واجبات حج التمتع ( الوقوف بعرفات ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 هذا وقد ذكر السيد الخوئي(قده) وجهاً آخر غير ما ذكرناه:- وهو أن الوقوف لغة هو الكون فيقال مثلاً ( ماء واقف ) في مقابل الماء الجاري ويقصد بالواقف هو الراكد الذي لا يتجاوز عن مكانه والآية الكريمة تقول ( وقفوهم إنهم مسؤولون ) فإنه ليس المقصود من ( قفوهم ) بمعنى أنه لابد وأن يكونوا وقوفاً على الرجلين وإنما المقصود هو أنه يلزم أن لا يتجاوزوا هذا المحل ليسألوا ... وهكذا ذكر بعض الشواهد والأمثلة على ذلك ، وعليه فيثبت أن القيام لغةً هو بمعنى عدم التجاوز والكون في المكان من دون تجاوزه بأي حالةٍ كان سواء كان قياماً على الرجلين أو جلوساً أو ما شاكل ذلك ومادام المعنى اللغوي هو ذلك فلا نحتاج إلى مثبت بل نفس المعنى اللغوي كافٍ للإثبات.
 وفيه:- إن هذا المعنى شيء مقبول فعرفاً يستعمل بهذا المعنى كما ذكر(قده) وإذا ثبت أنه عرفاً في زماننا يستعمل بهذا المعنى فيثبت أنه كذلك في زمان صدور النصّ طبقا للقاعدة العامة وهي استصحاب القهقرى أو ما يعبر عنه بأصالة عدم النقل فإن الطريقة جارية على ذلك فكل معنىً متبادر في زماننا نقول هو في زمان النص كذلك وإلا تعطلت عملية الاستنباط وبالتالي لا نستفيد من الكتب القديمة أيضاً لأجل أنّا نفهما على طبقاً للمعاني الموجودة في زماننا فإذا لا يثبت بأصالة التطابق أنه في ذلك الزمن كذلك فلا تنفعنا . فنحن نسلم أن هذا من المعاني المقبولة ولا نحتاج إلى فحص في اللغة ، ولكن نقول له هذا لا ينفي وجود معنىً آخر وهو أن يكون الوقوف في مقابل القعود فإنه استعمال عرفي أيضاً فكيف آنذاك تثبت أن المقصود هو ذلك المعنى - أي الكون - وليس المعنى الآخر - أي القعود - بعد قبول أن كلا المعنيين ثابت عرفاً ؟ فلابد وأن يضم ضميمة آنذاك فيتمسك بفكرة الانصراف أو بشيء آخر وبالتالي سوف نحصل على دليل جديد غير ما أشار إليه فما أشار إليه شيء لا يمكن أن يتمسك به وحده بل لابد من ضم ضميمة إليه ودعوى الانصراف عهدتها عليه فما أفاده بمجرده ليس بكافٍ كما أشرنا . وهذا مطلب نذكره بعد فراغنا من هذه المسألة.
 وبعد الفراغ من هذه المسألة هناك مطلب أشار إليه غير واحد من الفقهاء:- وهو أن القيام والوقوف أفضل من الجلوس فالذي يتمكن يكون الأفضل له الوقوف على قدميه ولا يجلس في عرفات ، وهذا لم يرد به نصّ فمن أين ذكره الفقهاء ومن أين مستنده ؟
 والجواب:- إنهم تمسكوا بذلك بفكرة ( أفضل الأعمال أحمزها ) ، قال الفاضل الهندي في كشف اللثام بعد أن نقل عن المبسوط أن الوقوف أفضل علّل بأنه أشق ولأنه أخف على الراحلة ثم قال:- ( ويمكن ان يزاد ان الدعاء قائما افضل وان لم اجد نصا بذلك ) [1] ، وذكر صاحب الشرائع أن من جملة المستحبات أن يدعو قائماً وعلق صاحب الجواهر بقوله:- ( لأنه أفضل أفراد الكون باعتبار كونه أحمز وإلى الأدب أقرب ولم أجد فيه نصّاً بالخصوص لكن ينبغي ذلك حيث لا يورث التعب المنافي للخشوع والتوجه وإلّا كان الأفضل القعود ... ) [2] .
 وهذا كما ترى ناظر إلى حالة الدعاء وليس إلى الوقوف من دون دعاء ولكن نفس النكتة التي ذكروها - وهي الحمازة - تأتي في القيام من دون دعاء بل عدّوا القعود مكروهاً ، قال صاحب الجواهر في نفس الموضع ( وربما ظهر من محكي المسوط أفضلية القيام في غير حال الدعاء معللاً بأنه أشق ) ثم قال ( ويكره الوقوف أعلى الجبل وراكبا وقاعداً لما عرفت بل ربما ظهر من التذكرة الاتفاق على ذلك ... ).
 وعلى أي حال إن الافضل هو القيام وعللوا بالحمازة ولا أدري هل أن هذا المقدار يكفي ؟ فإنه ربما ينقض ويقال:- إنه بناءً على هذا فليقف على أصابع رجلية فيكون أفضل لأنه أشد حمازة أو يقف على أحد رجليه إذا لم يكن مضحكاً فهو أفضل لأنه أحمز .... وهكذا ، إن الالتزام بهذا شيء صعب.
 ولكن الملفت للنظر في المقام أنه كيف خطر في ذهن الفقهاء هذا الحكم - وهو أن القيام أفضل - ؟ إنه عادةً تخطر المسألة إلى الذهن إذا كانت ابتلائية أو اختلف فيها الفقهاء أو ورد فيها نصّ وهذه المسألة ليس فيها من هذه الأمور فكيف خطرت إلى ذهنهم وذكروها ؟ أحتمل والله العالم أن المنشأ هو كلمات العامة فالشيخ الطوسي والسيد المرتضى ولعل الشيخ المفيد ومن بعدهم وصلت النوبة إلى العلامة والشهيد كانوا مأنوسين بكتب العامة حتى ألف العلامة مثلاً التذكرة والتي هي فقه مقارن وكتاب المبسوط وغيره مليء بذكر آراء العامة ، وعلى أي حال هذا موجود في كلماتهم فقال في المغني:- ( فصل:- والأفضل أن يقف راكباً على بعيره كما فعل النبي صلى الله عليه وآله فإن ذلك أعون له على الدعاء ، وقيل الراجل أفضل لأنه أخف على الراحلة ويحتمل التسوية بينهما ) [3] ، وعلى أي حال بعد ذكر العامة لهذا ربما صار ذلك منشأ لتعرض أصحابنا إلى المسألة وهذه الظاهرة ربما تكون موجودة في مسائل كثيرة منشؤها الأصلي كتب العامة.
 
 
 مسألة ( 365 ):- حدّ عرفات من بطن عُرَنَة [4] وثَوِيَّة [5] ونَمِرَة [6] إلى ذي المجاز ومن المأزمين إلى أقصى الموقف . وهذه حدود عرفات وخارجة عن الموقف.
 ......................................................................................
 تشتمل المسألة المذكورة على نقطتين:-
 النقطة الأولى:- أن لعرفات حدوداً خمسة ولعل الأنسب أربعة كما سوف نوضح.
 النقطة الثانية:- إن هذه الحدود لا يجوز الوقوف فيها فإنه يصح في المحدود دون الوقوف في نفس الحدّ.
 أما بالنسبة إلى النقطة الأولى:- فمستندها روايتان إحداهما ذكرت بعض الحدود والأخرى ذكرت بعضاً آخر فلاحظ صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث:- ( وحدُّ عرفة من بطن عَرُنَة وثَوِيَّة ونَمِرَة إلى ذي المجاز ) [7] ، وصحيحة أبي بصير ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- حدُّ عرفات من المأزمين إلى أقصى الموقف ) [8] فإن مقتضى الجمع بين هاتين الروايتين هو ما ذكره هو وغيره من الفقهاء . وعَرُنَة هي وادٍ في عرفة من جانب منى وبطن الوادي هو الحدّ ويسمى بنَمِرَة فنَمِرَة إذن هو نفس بطن عَرُنَه ومن هنا يكون عدّ نَمِرَة حدّاً في مقابل بطن عَرُنَة مشتملاً على المسامحة إذ هما واحد ، ومن أين لك أن بطن عَرُنَة هو نفس نَمِرَة ؟ إن المستند في ذلك هو صحيحة معاوية المتقدمة فإنه جاء فيها ( فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباءك بنَمِرَة ونَمِرَة هي بطن عَرُنَة دون الموقف ودون عرفة فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصلِّ الظهر والعصر .... ) [9] ، إذن بمقتضى هذه الرواية تكون نَمِرَة هي نفس بطن عَرُنَة ، وبهذا يكون عد الحدود خمسة ليس مناسبا بل المناسب عدّها أربعة كما أشار إلى ذلك صاحب المدارك حيث حاول جدّه الشهيد الثاني تبعاً للمحقق الكركي أن يوجّه بشكل وآخر ذلك - يعني عدّ نمرة حدّاً في مقابل بطن عرنة - قال في مقام الردّ ما نصّه:- ( وبالجملة فالمنافاة بين الحكم باتحادهما وجعلهما حدَّين واضحة ) [10] ، وعدَّ صاحب الشرائع في شرائعه الحدود خمسة فذكر نَمِرَة في مقابل بطن عَرُنَة وكان المناسب كما قلنا عدّ الحدود أربعة.
 وعلى أي حال حدود عرفات هي من بطن عَرُنَة الذي هو الحدّ الأول والحد الثاني ثَوِيَّة ، إلى ذي المجاز وذو المجاز يقال كان سوقاً يبعد عن عرفات بمقدار فرسخ ، ومن حدودها المأزمين وهو الحد الرابع والمأزمان هو مثنّى مَأزِم على وزن مَسْجِد وهو المضيق بين الجبلين أو نفس الجبلين اللذين يكون بينهما مضيق - على خلافٍ بين أهل اللغة - ، ويوجد مأزمان أحدهما بين عرفة والمشعر الحرام والمأزم الثاني بين مكة ومنى . إذن على الحدِّ الرابع هو المأزمان إلى أقصى الموقف يعني إلى نهاية الموقف ونهاية الموقف ليس حدّاً فصارت الحدود حينئذ أربعة بعد عدِّ بطن عَرُنَة نفس نَمِرَة.


[1] كشف اللثام 6 74.
[2] الجواهر 19 58.
[3] المغني 3 428.
[4] على وزن همزة.
[5] بفتح التاء وكسر الواو وتشديد الياء.
[6] بفتح النون وكسر الميم وفتح الراء وقيل يجوز اسكان الميم.
[7] الوسائل 13 531 10 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ح1.
[8] المصدر السابق ح2.
[9] الوسائل 13 529 9 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ح1.
[10] المدارك 7 396.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo