< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/02/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 365 ) / الواجب الثاني من واجبات حج التمتع ( الوقوف بعرفات ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وأما بالنسبة إلى النقطة الثانية أعني أنه لا يجوز الوقوف في الحدود المذكورة وإنما يلزم أن يكون في المحدود فذلك لوجهين:-
 الوجه الأول:- التمسك بظاهر التحديد فإنه يفهم منه عرفاً أن الحد خارج عن المحدود وليس جزءاً منه فلو قيل مثلاً إن الصحن العلوي يحدّه من ناحية الشرق السوق الكبير ومن الغرب صافي الصفا ومن الجنوب سوق الحويش .... وهكذا فإنه نفهم من ذلك أن هذه ليست جزءاً من الصحن بل هي خارجة منه ، هذا هو المفهوم من الحدِّ عرفاً ، ومعه يكون المناسب في المقام أيضاً.
 الوجه الثاني:- ظاهر بعض الروايات من قبيل صحيحة معاوية المتقدمة حيث جاء فيها ( فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباءك بنَمِرَة ونَمِرَة هي بطن عَرُنَة دون الموقف ودون عرفة فإذا زالت الشمس .. ) والشاهد قوله ( دون الموقف) يعني قبل الزوال فليكن خباؤك ليس في عرفة بل خارج الموقف يعني في بطن عُرَنَة الذي هو عبارة أخرى عن نَمِرَة ووصف عليه السلام نَمِرَة بأنها دون الموقف وكلمة ( دون ) هنا بمعنى ( قبل الموقف ) . إذن على هذا الأساس نعرف من الرواية المذكورة أن نَمِرَة خارجة عن الموقف ، ونحتاج إلى ضمّ عدم الفصل بين نَمِرَة وبين بقيّة الحدود فإنّا لا نحتمل التفصيل بين نَمِرَة وبين غيرها من الحدود . ومن قبيل موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام ( واتق الأراك ونَمِرَة - وهي بطن عَرُنَة - وثَوِيَّة وذا المجاز فإنه ليس من عرفة فلا تقف فيه ) [1] ودلالتها واضحة أيضاً فذكرت مرَّة وثَوِيَّة وذي المجاز التي هي حدود ثلاثة لعرفات وقالت هذه لست من عرفة.
 وقبل أن نختم حديثنا في هذه المسألة نشير إلى أمور ثلاثة:-
 الأمر الأول:- إن ذكر حدود عرفات في الرسالة العملية بأسماءٍ ليست لها مسمّيات معروفة قد لا يكون فنيّاً ولا يكون نافعاً ، وإذا فرض أنه ذكرت بعض هذه الأسماء التي ترتبط بالأماكن المقدسة في مكة مع تحديد مسمياتها أو نفترض أن هناك لوحات على حدود عرفات في زماننا هذا تحدّد حدود عرفات - وهكذا بقيّة المشاعر - فإنه يمكن أن نقول إن هذا المقدار لا يجدي في فنّيّة ذكر هذه الأسماء وذلك لأن تحديد أصحاب الخرائط أو اللوحات إما أن يكون حجّة باعتبار أنهم أهل المنطقة وأهل الاطلاع أو ليس بحجة ، فإن لم يكن حجَّة عاد الإشكال من جديد ، وإن فرض أنه حجَّة فلنرجِع المكلفين ابتداءً إلى تحديد أصحاب الاطلاع بلا حاجة إلى ذكر الأسماء المذكورة وذلك بأن نصوغ العبارة كما صاغها الشيخ النائيني(قده) حيث قال:- ( والواجب هو الوقوف في نفس ذلك المكان المعروف فلا يجزئ الوقوف في نَمِرَة أو غيرها من حدودها ) ، أو نصوغها هكذا:- ( لعرفات حدود شرعية كنَمِرَة وثَوِيَّة يرجع في تحديديها إلى أهل الاطلاع من الثقاة وهي خارجة عن الموقف فلا يجوز الوقوف بها ) .
 وبالجملة:- المناسب تسليط الأضواء على الرجوع إلى أهل الاطلاع لا إلى ذكر هذه الحدود كما صنع(قده) في المتن.
 الأمر الثاني:- لمن في تحديد الحدود ومن هو الحجّة ؟ فانه في الأمر الأول لم نشخّص من هو الحجّة وإنما قلنا إن كان قول أهل مكة حجّة فالمناسب الارجاع اليهم ابتداءً أما أنه حجّة أو لا فإنه شيء لم نتعرض إليه ، والآن نتعرض إليه ونقول:- من نرجع إليه في تحديد هذه الحدود ؟
 ذكر الشيخ النراقي(قد) أن ( المرجع هو إلى أهل الخبرة القاطنين في تلك الحدود وكذا المشعر وسائر المواضع ووجهه ظاهر ) [2] ، وذكر هذا المعنى غيره من الفقهاء كالسيد الخوئي(قده) أيضاً . ولعله توجد مسامحة في التعبير ولكنها مسامحة مغتفرة فإن استعمال مصطلح أهل الخبرة في المقام قد لا يخلو من تأمّل باعتبار أن عنوان أهل الخبرة يصدق في موارد الحدس دون الحس ففي الأشياء الحدسية كتشخيص قيمة الدار أو أن فلاناً أعلم من فلان أو هو مجتهد أو لا فهذه قضايا حدسية أو قل هي حدسية قريبة من الحس فيرجع فيها إلى أهل الخبرة أما تحديد القضايا الحسّيّة فلا معنى لاستعمال مصطلح ( أهل الخبرة ) وإنما المناسب استعمال مصطلح ( الثقاة المطلعين ) الذين لهم اطلاع على الأماكن ، أما لماذا يكون قول هؤلاء حجّة ؟ ذلك باعتبار أن سيرة العقلاء قد جرت على ذلك في كل زمان فإنه يرجع إلى أصحاب ذلك المكان في تحديد المكان وحيث أن هذه السيرة لم يثبت لها ردع فتكون حجّة.
 وقد يدل على ذلك - أو يؤيده - صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال لبعض ولده:- ( هل سعيت في وادي مُحَسِّر [3] ؟ فقال:- لا ، قال:- فأمره أن يرجع حتى يسعى ، فقال له ابنه:- لا أعرفه ، فقال له:- سل الناس ) [4] ، وإنما ترددنا واحتملنا أنه مؤيد وليس بدليل باعتبار أنه وإن قال عليه السلام ( سل الناس ) ولكن لعل المقصود هو ناس تلك المنطقة وبلحاظ ذلك الزمان لا كل ناس وإن لم يكونوا من أهل ذلك المكان كما نحن نريده فإنا نريد أن نثبت حجّيّة المطلعين وإن لم يكونوا من أهل ذلك المكان من أهل الخرائط والجغرافيا وغير ذلك فلأجل ذلك ترددنا واحتملنا أنه يصلح مؤيداً لا دليلاً ويكفينا السيرة.
 الأمر الثالث:- إذا شككنا في أن هذه النقطة هي من عرفات أو خارجة منها كبعض الأمكنة القريبة من الحدّ فنشك هل أنها جزء من الحدِّ أو جزء من المحدود فماذا تقتضي القاعدة ؟ وهذه مسألة سيّالة لا تختص بعرفات بل تأتي في بقية المشاعر كمنى مثلاً فقمة الجبل هل هي من منى أو لا ؟ فإذا شككنا في ذلك فماذا تقتضي القاعدة ؟
 والجواب:- تارةً نفترض أن عنوان عرفات مثلاً قد أخذ بنحو الموضوعية لا بنحو الطريقية إلى المكان ، وأخرى يفترض أنه مأخوذ بنحو الموضوعية إلى المكان يعني كأن النصوص تقول قف في هذا المكان ولكن أشارت إليه بمصطلح واسم عرفات فاسم عرفات لم تشتغل به الذمة وإنما هو مأخوذ بنحو الطريقية ، وثالثة نفترض الشك بأن لا ندري بأنه مأخوذ بنحو الطريقية أو الموضوعية.
 فان جزمنا بأنه مأخوذ بنحو الموضوعية فالمناسب هو الاشتغال فإن الذمة قد اشتغلت بعنوان الوقوف في عرفات فلابد من إحراز أن الوقوف وقوف في عرفات فإن الاشتغال اليقيني يستدعي اليقيني ، وبعبارة أخرى يكون المورد من موارد الشك في الامتثال لا من موارد الشك في اشتغال الذمة فإنها جزماً مشتغلة بعنوان الوقوف بعرفات ولكن هل تحقق الامتثال أم لم يتحقق فيكون المناسب هو الاشتغال.
 واما إذا فرض أن العنوان المذكور قد أخذ بنحو الطريقية والمرآتية فالمناسب آنذاك هو البراءة ، يعني جواز الوقوف في الكان المشكوك وذلك باعتبار أن المورد يصير من الأقل والأكثر فإن الذمة لم تشتغل بعنوان عرفات أو الوقوف في عرفات وإنما اشتغلت بالوقوف في المكان ولكن لا ندري هل اشتغلت في الوقوف بالمكان الوسيع الشامل لهذا المشكوك أو أنها اشتغلت بالوقوف في المكان الضيِّق الذي لا يشمل المشكوك ، إذن ما اشتغلت به الذمة يكون مشكوكاً فنجري البراءة عن الثاني الضيق فإن الذمة قد اشتغلت بالوقوف في المكان جزماً أما أن يكون المكان هو هذا الضيق بالخصوص لا ما يشمل المشكوك فشيء نشك في أصل الاشتغال بلحاظه فيكون مجرى للبراءة.
 وأما إذا فرض أنه شككنا ولم ندرِ أن العنوان المذكور قد أخذ بنحو الموضوعية أو بنحو الموضوعية فالمناسب هو البراءة أيضاً إذ بالتالي نشك باشتغال ذمتنا بالعنوان ولا ندري أنها مشتغلة به فلا يكون المورد من موارد الشك في الامتثال بعد الاشتغال اليقيني فالبراءة تكون هي جارية.
 هذا ما تقتضيه الصناعة ، ولكن الفقيه في مقام الفتوى قد يحتاط فيقول إن المناسب هنا الاحتياط بالوقوف في المكان المعلوم وإن كانت الصناعة تقتضي - على بعض التقادير - جواز الوقوف في المكان المشكوك.


[1] الوسائل 13 532 10 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ح6.
[2] مستند الشيعة 12 213.
[3] وادي محسِّر هو وادٍ عظيم يفصل بين المشعر ومنى ويستحب فيه السعي وقد دلت على ذلك روايات متعددة أشار إليها صاحب الوسائل 14 22 13 من ابواب الوقوف بالمشعر ، والغريب أن الفقهاء يشيرون إلى بعض الأشياء التي ليس فيها نص من قبيل القيام الوقوف في عرفات مع انه ليس فيه رواية وهذا الذي فيه روايات متعددة لم يشر إليه الفقهاء بأنه من المستحبات ، وهكذا ببالي أن من جملة المستحبات التي ترتبط بوادي محسر التبول فيه فقد دلت روايات على أن النبي قد بال فيه باعتبار أنه يقال أن هناك صنم قد دفن في ذلك المكان.
[4] الوسائل 14 24- 14 من أبواب الوقف بالمشعر ح1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo