< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/03/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة (407 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
ذكرنا أنه كيف نفسّر الصيد بالصيد الاحرامي ؟
والجواب:- ذلك ببيانٍ مركّبٍ من مقدمتين:-
المقدمة الأولى:- إن الصحيحة تتحدث عن الحرمة الآتية من الاحرام وأنها بمَ ترتفع فلاحظ الصحيحة من جديد تجد صدق ما نقول فإن الوارد فيها:- ( فإذا زار البيت وطاف وسعى فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا النساء ) ثم في الفقرة الأخرى قال:- ( وإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه ) وبيت القصيد هو عبارة ( احرم منه ) فالحرمة الآتية من الاحرام هي محلّ نظر الحديث الشريف.
المقدمة الثانية:- إن ظاهر الاستثناء هو الاتصال دون الانفصال فإن كلّ استثناءٍ هو ظاهرٌ في ذلك وفي المقام ذكر في ذيل الرواية استثناء وهو ( وإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه ) فالمنظور والمستثنى منه هو الحرمة الاحرامية ، ثم قالت الرواية بعد ذلك ( إلا الصيد ) فلو كان المقصود هو الصيد الحرمي لكان هذا الاستثناء منقطعاً فإن الحرمة من حيث الحرم غير الحرمة من حيث الاحرام وحرمة الصيد الحرميّة لم تأت من الاحرام فالاستثناء بناءً على إرادة الصيد الحرمي إذا كان هو المقصود فالاستثناء سوف يكون منقطعاً فإن الرواية كانت تتحدث عن الحرمة الآتية من الاحرام وإذا بها تتحدث فجأةً وتستثني شيئاً أتت حرمته من حيث الحرم دون الاحرام إن هذا استثناءٌ منقطعٌ ومخالفٌ للظاهر ونتيجة ذلك هو أنه يتحتّم أن نفسّر الصيد بالصيد الاحرامي دون الحرمي خلافاً لصاحب الجواهر وصاحب الوسائل وجماعة من أعلامنا ، هذا ما أفاده(قده) ، وبناءً عليه تتمّ دلالة الرواية وبالتالي يكون هذا نصرة للمحقق الحلّي الذي يقول بأن الناسك إذا حلق أو قصّر يحلّ من كلّ شيءٍ إلا من ثلاثة وأحدها الصيد فإنه يقول بأن حرمته باقية.
وقبل أن نعلّق توجد هنا قضيّة فنيّة نشير إليها:- وهي أنه كان من المناسيب للسيد الخوئي(قده) فنيّاً أنه حينما نريد أن نثبت مدّعانا وننصر بذلك المحقق الحلّي ونثبت أن حرمة الصيد باقية فلابد وأن ننقل أدلّة الطرف المقابل – أي ما يمكن أن يكون دليلاً أو يخطر الى الذهن - ثم نردّه وبعد ردّه نذكر دليلنا على إثبات ما نريد لا أنه نستدل على ما نريد ونتغافل بالكليّة عن أدلّة الاتجاه الثاني.
وعلى أي حال يمكن أن نستدل بأن المقصود من الصيد في الرواية هي الصيد الحرمي دون الاحرامي بالتمسك بقرائن ثلاث[1]ثم بعد ذلك نتعرّض الى ما أفاده(قده) ونعلّق عليه والقرائن هي:-
القرينة الأولى:- إنه عليه السلام في صحيحة معاوية حينما تحدّث عن الاستثناء الاوّل - أعني بذلك الطيب – فهو بيّن الأمد والنهاية وأنه متى يحلّ الناسك من هذا المحرّم الباقي فقال ( إذا زار البيت وطاف وسعى ) فإذا طاف وسعى فقد أحلّ من الطيب فهو عليه السلام بيّن الغاية والنهاية والأمد ، ثم تعرّض الى الثاني - وهو النساء – فقال ( إذا طاف طواف النساء فارتفعت الحرمة وحلّت له النساء ) فمن المناسب حينما يصل الى الصيد أن يبيّن الأمد أيضاً - أي أنه يبيّن المحلّل - كما ذكر ذلك في السياق فإن طرق الكلام وسياقه يقتضي هذا فلماذا سكت هنا ولم يبيّنه أبداً كما لم يعترض معاوية - ذلك الرجل الفقه - ويسأل عن ذلك وهذا يدلل على أن الحرمة ليست لها أمدٌ وليست هي إلا الحرمة الحرميّة فإنه ليس لها أمدٌ بل مادام الانسان في الحرم فالحرمة موجودةٌ الى الأبد ، نعم إذا خرج من الحرم فهذه سالبة بانتفاء الموضوع فيصح للإمام أن يسكت عن النهاية والأمد مادام مقصوده هو الحرمة الحرميّة.
القرينة الثانية:- إن نفس سكوت الامام عليه السلام عن بيان الأمد والنهاية ظاهرٌ في أن الحكم مستمر وليس له أمد والذي ليس له أمد ليس إلا الحرمة الحرميّة.
وفرق هذا عن سابقه هو أن ذلك تمسك بالسياق حيث كنّا نقول إنه في الاستثناء الأول تعرّض الى بيان الأمد وفي الاستثناء الثاني تعرض الى بيان الأمد فمن المناسب في الثالث أيضا أن يتعرض لبيان الأمد في الصيد ، أما هنا في هذه القرينة فنقطع النظر عن قضيّة السياق فلو فرض أن الامام عليه السلام قال ابتداءً ( المكلف إذا طاف طواف النساء فحرمة الصيد باقية ) فظاهر ذلك أنها باقية الى الأبد فالسكوت عن بيان الأمد يعطي ظهوراً في الاستمرار وليس ذاك إلا للصيد الحرمي.
القرينة الثالثة:- إنه عليه السلام قال في البداية:- ( إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا النساء والطيب ) فحصْر المحرّم الباقي بعد الحلق بالنساء والطيب يدلّ على أن الحرمة التي تبقى هي منحصرة باثنين فلو فرض أن المقصود من الذيل كان هو الصيد الاحرامي للزم من ذلك التهافت فكيف أنت تحصر في البداية المحرّم الباقي باثنين ثم بعد ذلك ظهر أنه يوجد محرّم ثالث ؟! إن هذا تهافتٌ واضح وهو شيءٌ مرفوضٌ خصوصاً في باب الحصر والاستثناء فإنه يأبى عن التخصيص وخصوصاً في الكلام الذي تكون بعض فقراته متقاربة مع الأخرى - أي ليس في كلامين - فقد نقبل ذلك لو كان في كلامين أما في كلامٍ واحدٍ ومتقاربٍ بهذا الشكل فيبعد حينئذٍ احتمال التخصيص ويكون مستهجناً .
فالنتيجة على ضوء هذه القرائن الثلاث:- أنه يكون المناسب هو إرادة الصيد الحرمي دون الصيد الاحرامي.
وأما بالنسبة الى ما أفاده(قده) - من أن الحديث هو عن الحرمة الاحرامية دون الحرمية وظاهر الاستثناء هو الاتصال – فيرد عليه:- إن ما ذكره يكون له وجاهة لو فرض أن الحرمة الثانية لم تكن مصاحبة مع الحرمة الأولى أما إذا فرض أنها كانت مصاحبة كما هو الواقع فإن الحاج هو بعدُ في الحرم فالحرمة التي تأتي تحصل من جهتين من جهة أنه محرم ومن جهة أنه في الحرم فكلتا الحرمتين إذن هما ثابتتان وصحيح أن الامام عليه السلام كان يتحدث عن الحرمة الاحرامية لكن بعدما كان الصيد محرّماً من ناحيتين فمن المناسب حينئذٍ استثناؤه بعد ذلك باعتبار أن حرمته كانت ثابتة فيما سبق فالإمام يريد أن يبيّن أن تلك الحرمة الاحرامية قد ارتفعت ؟ وبمَ ارتفعت ؟ إنها ارتفعت بالحلق أو التقصير حيث بيّن في الفقرة الأولى أنه إذا حلق أو قصّر أحلّ من كلّ شيءٍ إلا الطيب والنساء ثم بعد ذلك حينما وصل الى طواف النساء قال إذا طفت طواف النساء فقد أحللت من النساء ولم يبقَ عليك شيءٌ سوى الصيد وواضح أن تلك الحرمة التي هي ثابتة من البداية والآن هي موجودة هي أنك مادمت في الحرم فالصيد يكون عليك محرماً من ناحية كونك في الحرم وهذا إما أن نقول هو ليس باستثناء منفصلٍ بل هو متّصل ، أو نقول نحن نسلّم بأنه منفصلٌ ولكنّه ليس مستهجناً . إذن لا ينبغي لنا أن نبقى نتنازع في أن هذا الاستثناء متصلٌ أو منفصلٌ كلا فإن هذا ليس بمهم ، ولنفترض أنه منفصلٌ وسلّمنا للسيد الخوئي(قده) ذلك ولكنّه منفصلٌ ليس فيه استهجانٌ بعدما كانت الحرمة الثانية مصاحبة للحرمة الأولى فالتنبيه حينئذٍ على بقاء الحرمة الأخرى يكون شيئاً وجيهاً.
واتضح من خلال هذا أن المناسب أن حرمة الصيد الاحرامية ترتفع بالحلق والتقصير .
ولكن تبقى عندنا مشكلة وهي أنه توجد عندنا روايات عقد لها صاحب الوسائل(قده) بابا برقم ( 11 ) من أبواب العود الى منى تحت عنوان ( إن حرمة الصيد تبقى في حق من نفر النفر الأول الى أن ينفر الناس ) - يعني النفر الثاني - وذكر عدة روايات في ذلك ، وقد انتقى السيد الخوئي(قده) روايتين من تلك الروايات واستشهد بهما على أن حرمة الصيد الاحرامية تبقى الى زوال اليوم الثالث عشر:-
الرواية الأولى:- صحيحة حماد عن أبي عبد اله عليه السلام قال:- ( إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول ومن نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس وهو قول الله عز وجل " فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ... لمن اتقى " فقال:- اتقى الصيد )[2] ، بتقريب أن الرواية قالت ( ومن نفر في النفر الأوّل فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس ) فإن هذا نفهم منه أن حرمة الصيد تبقى في حق المكلف حتى لو نفر من منى بعد زوال اليوم الثاني عشر الى أن يحلّ زوال اليوم الثالث عشر - المعبر عنه بنفر الناس - والمقصود هو حرمة الصيد الاحرامي وإلا فالصيد الحرمي تبقى حرمته حتى بعد زوال اليوم الثالث عشر كما هو واضح مادام في الحرم.
الرواية الثانية:- صحيحة معاوية بن عمّار:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- من نفر في النفر الأوّل متى يحلّ له الصيد ؟ قال:- إذا زالت الشمس من اليوم الثالث عشر )[3] ودلالتها كسابقتها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo