< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

37/12/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 23 ) الكهانة - المكاسب المحرمة.

هذا ولكن سوف يأتي الحديث عن رواية الهيثم التي هي رواية السرائر وهي الرواية الثانية المتقدمة ربما يستفاد منها الحرمة في هذا المورد أيضاً فانتظر ذلك.

الأمر الخامس:- إن الحرمة تختص بالإخبار الغيبي عن المستقبل إذا كان المستند هو التابع من الجنّ وأما إذا كان المستند أموراً أخرى فهذا ليس بحرام ، ولماذا ؟ لنفس النكتة المتقدّمة في الأمر الرابع لأن الكهانة إما أنها تختص بما إذا كان الاخبار من طريق الجنّ ، أو أنه يشك ويحتمل ذلك ، فإذا كان هناك جزم فهذا واضح وإذا كان يشك فيصير المفهوم مجملاً فلا يصح التمسك الاطلاق ، هذا بقطع النظر عن رواية الهيثم وإلا فربما يقال يستفاد منها الحرمة حتى بلحاظ الاخبار حتى عن غير الجن.

الأمر السادس:- إنّ المستفاد من رواية الهيثم أن كل إخبار غيبي هو محرّم ولا يجوز لأن الراوي سأل الامام وقال له عندنا شخص في الجزيرة إذا سرق شيء او غير ذلك يسال عنه فيجيب فنساله نحن ؟ فالإمام عليه السلام لم يقل له نعم أو لا وإنما نقل له حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه ( من مشى إلى ساحر أو كاهن او كذاب فقد كفر بما أنزل الله ) ، إنّ هذا يمكن أن يقال إنّ المستفاد منه أنّ كل إخبار غيبي مستور سواء كان فيه مستقبلاً أو كان ماضياً من الجنّ أو من غير الجنّ كلّ هذا لا يجوز لأنّ كل إخبار غيبي لا يعدو أحد أمور ثلاثة فإما أن يكون منشؤه السحر أو الكهانة أو الكذب.

ويظهر من الشيخ(قده) في المكاسب هذا المعنى يعني أنه فهم من وراية الهيثم هذا المعنى ونصّ عبارته:- ( وظاهر هذه الصحيحة أن الإخبار عن الغائبات على سبيل الجزم محرّمٌ مطلقاً سواء كان بالكهانة أو بغيرها لأنه عليه السلام جعل المخبر بالشيء الغائب بين الساحر والكاهن والكذاب وجعل الكل حراماً )[1] .

بيد أنّ السيد الخوئي(قده) أشكل بثلاثة إشكالات على استفادة هذا العموم:-

الاشكال الأول:- إنّ مورد الرواية هو الإخبار عن الأمور الماضية وليس المستقبلية ، والإخبار عن الأمور الماضة لا إشكال في جوازه.

أما كيف تثبت أنّ الرواية موردها الاخبار عن الأمور بلحاظ ما مضى ؟ إنها قال ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- عندنا رجل بالجزيرة ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشيء يسرق أو شبه ذلك نسأله ؟ ) يعني سأله عن السرقة الماضية فإنّ ( يسرق ) هو مضارع ولكنه يراد به المضيّ فيقول للإمام هل نسأله نحن أيضاً ؟ ، فإذن هذا أمر قد مضى ، وإذا كان أمراً قد مضى فهذا لا إشكال في جوازه ، فالرواية حينئذٍ تكون ناظرة إلى ما مضى ، فحينئذٍ تكون خارجة عن محلّ الكلام ولا إشكال في جواز ذلك.

وفيه:- صحيحٌ إنّ السؤال كان عن أمر قد مشى إلا أن الامام عليه السلام أراد أن يقدّم قاعدة عامة للسائل وأن جدّي قال ( من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذاب فقد كفر بما أنزل الله ) فالسؤال صحيح أنه عن حصّة خاصة ولكن الجواب عام ، وهذا ما تعلّمناه من السيد الخوئي(قده) نفسه وهو أنه مورد صحيحة زرارة صحيحٌ أنه الوضوء ولكن الامام عليه السلاك أعطى قاعدة عامة حيث قال ( إنك كنت على يقين فشككت فلا ينبغي ينقض اليقين بالشك ) ، فصحيح أن موردنا هو الوضوء لكنه أعطى قاعدة عامة فنتمسك حينئذٍ بها.

نعم ربما يقول السيد الخوئي(قده):- هذا صحيح ولكن يلزم تخصيص المورد وتخصيص المورد شيء غير ممكن لأنّ موردها هو الإخبار عما مضى فيلزم إخراج المورد عن هذه القاعدة العامة وتخصيص المورد شيء غير ممكن عرفاً.

وجوابه:- إنّ هذا إشكال يأتي سواء قلنا بأن الامام قدم قاعدة عامة أو لم يقدم قاعدة عامة لا أنه يختصّ بما إذا قلنا المستفاد هو تقديم قاعدة عامة.

والذي يهوّن الخطب أن ما افاده بقوله ( إن الإخبار عن الأمور الغائبة الماضية مما لا إشكال فيه ) ليس ثابتاً وهو أوّل الكلام ، فإذن نتمكن أن نقول إنّ هذا عدم الاشكال ليس بثابتٍ ومقتضى الرواية هو العموم فيؤخذ بها حتى بلحاظ موردها ، فإذن لا إشكال من هذه الناحية.

الاشكال الثاني:- إنّ الامام عليه السلام لم يقدم قاعدة عامة - أي لم يقل كلّ إخبارٍ غيبي هو منحصر بأحد هذه الأمور الثلاثة وبالتالي حتى تصير النتيجة أنه كلّ إخبار غيبي مادام لا يخلو من أحد هذه الأمور الثلاثة فإذن حتماً كلّ إخبارٍ غيبي سوف يصير حراماً فإنه إذا كان هذا هو المقصود فلا بأس نستفيد قاعدة عامة - ولكن نتمكن أن نقول إن الامام عليه السلام لا يريد أن يقول هذا بل يريد أن يقول إنّ الإخبار المحرّم ينحصر بهذه الثلاثة ، فالإمام ناظر إلى الحصر ليس في كلّ جانبٍ غيبي وإنما الإخبار المحرّم ينحصر بثلاثة ، وهذا لا ينفعنا فإنّ الذي ينفعنا في اثبات تحريم الإخبارات الغيبية بشكلٍ مطلق هو الأوّل - يعني هو ما إذا كان الامام يريد أن يقول ( كلّ إخبار غيبي لا يخلو من أحد الثلاثة وحيث إن الثلاثة محرمة بأجمعها فكل إخبار غيبي يصير محرّماً ) - ، أما أنه يبيّن أن الإخبار الغيبي ينحصر بأقسام ثلاثة فهذا لا ينفعنا ولا يثبت الحرمة في كلّ إخبار غيبي ، إنّ هذا نظير ما إذا سأل السائل الإمام عن العصير التمري هل هو جائز أو لا فأجاب الامام عليه السلام إن المحرّم من المشروبات ثلاثة الخمر والنبيذ والعصير العنبي إذا غلى مثلاً ، ففي مثل هذه الحالة هل نستفيد مثلاً حرمة الصير التمري ؟ كلا لأن الامام بين أن المحرم من المشروب ثلاثة ولم يقل كل مشروب لا يخلو من أحد ثلاثة وحيث إنّ الثلاثة محرّمة فكلّ مشروبٍ هو محرّم ، إنه لم يقل هكذا بل قال المشروب المحرّم هو ثلاثة ، فلا يثبت بذلك أنّ كلّ مشروبٍ هو محرّم ، وروايتنا هي من هذا القبيل.

وأنا أساعد السيد الخوئي(قده) فأقول:- ربّ قائل يقول له:- هذا لا يمكن الجزم بكونه هو المقصود حتماً ، ولعل الامام عليه السلام يريد أن يبين أنّ كلّ خبر غيبي ينقسم إلى الثلاثة لا خصوص الخبر المحرّم ، فإذن ما ذكرته ليس شيئاً جزمياً فكيف تتمسّك به ؟!

ولكنه يتمكن أن يجيب فيقول:- مادام صار كلا الاحتمالين موجود والرواية حمّالة احتمالين فصارت مجملة لا ظهور لها ، فتسقط عن صلاحية الاستدلال بها لإثبات حرمة كلّ إخبار غيبي ، فيكفي السيد الخوئي(قده) وجود هذا الاحتمال وكون الرواية مردّدة بين الاحتمالين.

ويردّه:- إنّ الامام عليه السلام حينما ذكر الأمور الثلاثة وذكر حديث جدّه صلى الله عليه وآله لابدّ وأنه يريد أن يجيب السائل بحيث يعرف السائل الجواب ، أما أنه يذكر له حديثاً لا يستفيد منه الجواب فهذا ليس مناسباً ، فإذا كان هذا واضحاً فنقول:- إذا كان المقصود هو الاحتمال الأوّل - يعني الامام يريد أن يبيّن أن كل إخبار غيبي هو لا يخلو من أحد الثلاثة - فهنا يستفيد السائل من جواب الإمام لأنّ كلّ إخبار غيبي حتماً هو أحد هذه الأمور الثلاثة وحيث إنّ كلّ هذه الأمور الثلاثة محرّمة فكلّ إخبار غيبي سوف يصير محرّماً ، وأما إذا كان الامام غليه السلام يريد أن يبيّن له أنّ المحرّم من الإخبار الغيبي هو الثلاثة الساحر والكاهن والكذاب فقط فهنا يبقى السائل من دون جواب لسؤاله ولا يعرف الجواب لأنّ الامام عليه السلام قال الإخبارات الغيبية المحرّمة ثلاثة ، فهذا الشخص الذي نذهب إليه لتشخيص المسروق مثلاً هل حتماً هو داخل تحت الساحر أو الكاهن أو الكذاب ؟ أنه هذا غير معلوم ، فلم يستفد السائل شيئاً ، فإذن الامام عليه السلام لم يفد السائل شيئاً ويبقى جواب الامام ناقصاً وغير نافع للسائل ، فيتعين بهذه القرينة التي ذكرتها أنّ مقصود الامام حتماً أنه يبيّن له أنّ كلّ إخبار غيبي هو لا يخلو من الثلاثة وحيث إنّ كلّ الثلاثة محرّم فكلّ إخبار غيبي هو حرام ، فهنا سوف يستفيد السائل.

الاشكال الثالث[2] :- إنّ الرواية فيها ( من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه فقد فر بما انزل الله ) فأقصى ما يثبت هو أنّ التصديق حرام ، ولكن حرمة التصديق لا يستلزم حرمة الاخبار ، فلعل إخبار هذا الشخص - كصاحب المرآة - جائز لكن تصديقنا له لا يجوز ، من قبيل إخبار الفاسق ، فإنّ الفاسق إذا أخبر بخبرٍ فإخباره جائز ولكن تصديقنا له لا يجوز ، فحرمة التصديق لا تلازم حرمة الإخبار ، وهذه الرواية أقصى ما دلت عليه هو حرمة التصديق ، فلا تدل إذن على حرمة الإخبار عن الأمور الغيبية من طريق صاحب المرآة أو غيره.

وجوابه:- إنّ ما أفاده شيء وجيبه ، يعني حرمة التصديق لا تلازم حرمة الإخبار ولكن أحياناً شدّة اللهجة يستفاد منها آنذاك الحرمة ، فإنّ الرواية هكذا قالت ( من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذاب فقد كفر بما أنزل الله ) وهذه لغة شديدة جداً ، فيتبيّن أن نفس إخبار الساحر هو فيه حرمة وفيه شدّة وإلا إذا كان مثل إخبار الفاسق فهل يصحّ أن يعبّر ويقال ( من مشى إلى فاسق يصدقه في خبره فقد كفر بما انزل الله ) ؟! إنّ هذا غير مقبول ، بل أقصى ما تقول ( لا يكفيك أو لا يجزئك أو أنه حرام ) لا أنه تقول ( فقد كفر ) ، فتعبير ( فقد كفر ) يفهم منه عرفاً أنّ نفس الساحر أو الكاهن إخباره هو بنفسه محرّم وأنت تؤيد المحرّم والذي يؤيد المحرّم يستحق هذه اللهجة الشديدة إذا كان المحرّم شديد الحرمة فيستحق الماشي حينئذٍ هذه اللهجة الشديدة.

هذا ما ذكره السيد الخوئي ، واتضح من خلال كلّ ما ذكرنا أنّ ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) من إمكان استفادة قاعدة كلّية بعنوان يحرم كلّ إخبار غيبي من تنويم مغناطيسي أو غير ذلك كلّ هذه الإخبارات الغيبية حينئذٍ محرّمة.

ولكن تبقى المشكلة في سند الرواية:- فإنه محلّ تأمل ، وقد بيناه فيما سبق في مسألة قراءة الفنجان ، فإنّ صاحب السرائر يروي هذه الرواية عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب وطريقه إلى كتاب المشيخة ليس بثابت وقد قلنا إنّ كل مستطرفات السرائر تأتي فيها هذه المشكلة إلا أصل محمد بن علي بن محبوب وقد ذكرنا هذا أكثر من مرّة ولا نكرر.

مضافاً إلى مشكلة ثانية:- وهي أنّ الحسن بن محبوب أخذ الرواية من الهيثم والهيثم لم تثبت وثاقته.

إن قلت:- إنّ الهيثم بن أبي مسروق النهدي يمكن توثيقه فإن الكشي قال ما نصّه:- ( حمدويه قال:- لأبي مسروق ابنٌ يقال له الهيثم سمعت أصحابي يذكرونهما بخير ، كلاهما فاضلان )[3] ، فإذا كان مجهول الحال أو لم يكن ثقة فلا معنى للذكر بخير ، فالذكر بخير فيه دلالة على الوثاقة ، فإذا قال شخصٌ إنه يستفاد من هذه العبارة وثاقته فلا بأس بذلك ، فإذن الهيثم بن أبي مسروق يمكن الحكم بوثاقته.

ولكن تبقى مشكلة أخرى:- هي أنه من قال أن هذا هو الهيثم بن مسروق لأنّ المذكور في الرواية أنه قال ( عن الهيثم ) ولم يقل الهيثم بن أبي مسروق ويوجد أكثر من هيثم ، ومن خلال المراجعة يتضح أنّ الحسن بن محبوب لا يروي عن الهيثم بن مسروق بل الأمر بالعكس فالهيثم بن أبي مسروق هو الذي يروي عن الحسن ، وهنا في المشيخة الحسن بن محبوب يروي عن الهيثم ، فإذا كان الهيثم هو ابن أبي مسروق فهو لا يروي عنه بل القضية بالعكس ، ويوجد هيثم ثانٍ وهو الهيثم بن واقد ذكره النجاشي والشيخ من دون توثيقٍ وقالوا عنه إنّ الحسن بن محبوب يروي عنه ، فإذن هذا سوف لا ينفعنا في شيء ، فعلى هذا الأساس سوف لا نستفيد من الرواية تلك الفائدة.

ولكن لو أراد شخص أن يحتاط لأجلها في الحرمة ويقول الأحوط ترك كلّ إخبارٍ عن الأمور الغيبية وعدم الذهاب إلى المخبر الذي يخبر عن الأمور الغيبية فهذا شيء حسن ، وهل هو بمستوى الاحتياط الوجوبي أو الاستحبابي ؟ الأمر إليك.

يبقى شيء:- لو قلنا بالحرمة ولو على مستوى الاحتياط إنما نقول بذلك فيما إذا كان المخبر يستند إلى أسباب غير طبيعة وغير متعارفة ، أما إذا كان يستند إلى أسبابٍ طبيعية كمن يخبر من خلال الأنواء الجويّة فالرواية منصرفة عمن يخبر سالكاً الطرق الطبيعية ، فهذا إخبار عن شيءٍ طبيعيٍّ واضح فلا يكون مشمولاً لهذه الرواية ، فلا مشكلة حينئذٍ.


[2] موسوعة السيد الخوئي ( مصباح الفقاهة )، الخوئي، ج1، ص638.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo