< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/01/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 25 ) التنجيم - المكاسب المحرمة.

والرواية من حيث الدلالة لا تدلّ على ذمّ علم النجوم ، بل لعلّه قد يستفاد منها حقانيته لأنه عليه السلام قال:- ( إنّ أصل الحساب حقّ ) ، فلا يستفاد منها الحرمة.

وأما من حيث السند:- فقد رواها الكليني(قده) عن أحمد بن محمد وعن علي بن محمد جميعاً ، وهذا إشارة إلى أنّ الكليني يروي هذه الرواية مرّة عن أحمد بن محمد وأحمد بن محمد يرويها عن علي بن الحسن التيّمي ومرّة يرويها الكليني عن علي بن محمد عن علي بن الحسن التيّمي ، فالكليني ينقلها عن شخصين هما ينقلانها عن الشخص ثالث.

يبقى شيء:- وهو أن كلمة ( عن ) هل كرّرها الكليني أو صاحب الوسائل وهل هي ( عن ) ضرورية أو يمكن الاستغناء عنها ؟ الظاهر أنها ليس لها مدخلية فلو كان يقول ( الكليني عن أحمد بن محمد وعلي بن محمد جميعاً عن علي بن الحسن التيّمي ) فلا مشكلة ، فتكرار كلمة ( عن ) لابدّ أن يراد بها مزيد تأكيد ، وكلمة ( جميعاً ) يعني هذان الاثنان ينقلان الرواية عن الثالث لا أنهما سمعاها في مجلسٍ واحد ، بل هذا ينقل قضية عن الثالث وهذا الثاني ينقلها أيضاً عن الثالث وليس المقصود أنهما ينقلانها في مجلس واحد وزمانٍ واحد.

وأما أحمد بن محمد هو أحمد بن محمد بن أحمد الكوفي العاصمي وهو رجل قد وثقه النجاشي.

إن قلت:- من أين عرفت أنه العاصمي ؟

قلت:- إني أنصحك بشيء ، وهو أنه من الضروري لك أن تمسّك الكافي وترى الكليني عمّن يروي - أي مشايخه - فلاحظ كم ينقل عن أحمد بن محمد ، ثم تأتي في بعض الموارد فترى الكليني يقول ( أحمد بن محمد بن أحمد العاصمي ) فهذا يصير قرينة على كون هذا الرجل هو العاصمي ، ولكن هذا لا تعرفه إلا بعد أن تسجّل جميع مشايخ الكليني ثم بالمقارنة تعرف أنه هو هذا الرجل ، خصوصاً أنَّ النجاشي أيضاً يقول ( هو أستاذ وشيخ الكليني ) ، فهذه هي القرينة ، فمن هنا نفهم أنه بعدما صرّح أنه العاصمي يروي عنه فهذا يصير قرينة على أنَّ أحمد بن محمد هو العاصمي.

يبقى أنَّ علي بن محمد من هو ؟ إنَّ هذا ليس بمهم لأننا عرفنا أحد الناقلين للقضية فإذا كان هذا ثقة فالثاني ليس بمهم ، ولكن رغم ذلك نقول:- إنَّ علي بن محمد هذا هو علي بن محمد بن بندار ؟

ولو قلت:- من أين عرفت أنه ابن بندار ؟

قلت:- بنفس الطريقة المتقدّمة التي بينتها لك ، لأنّ الكليني يروي مكرّراً عن علي بن محمد بن بندار ، فهنا حينما قال علي بن محمد فهو ذكره هكذا اتكالاً على التصريح بأنه ابن بندار الذي أشار إليه في موارد أخرى.

وقد وقع كلام أن ابن بندار ثقة أو لا ، ولكن هذه قضية ثانية ، وقلنا هذا الخلاف لا يضرّنا لأنّ العاصمي مادام ثقة على ما صرّح به النجاشي فلا توجد مشكلة.

نعم قد يقال:- إنّ إكثار الكليني عن شخصٍ هل هو من دلائل الوثاقة ؟ إنه ليس بالشيء البعيد ، كما في محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان فإنّ الكليني في الكثير من موارد الكافي ينقل عن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان ، ومن هو محمد بن اسماعيل ؟ هل هو ابن بزيع صاحب الرضا عليه السلام الذي ينقل رواية ماء البئر ( ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلا ما غير ..... ) فهذا صحاب الرضا عليه السلام فكيف يروي الكليني عنه ؟! وعلى أيّ حال السيد حسن الصدر ألف رسالة في إثبات أنّ محمد بن اسماعيل هو ابن بزيع ، وهل هذا صحيح أو لا ؟ لا لا يهمنا هذا فقد وقع قال وقيل في أنّ محمد بن اسماعيل هذا من هو ؟ إنه يوجد في ذلك كلام.

ولكن الطريق الذي نحن نسلكه لإثبات وثاقة الرجل أن نقول:- إنَّ إكثار الكليني عنه - لأنه يروي عنه في كثير من الموارد - يدلّ على أنه يعتمد عليه واحتمال أنه مجهول ينتفي لأنه يكون مجهولاً إذا كان يروي عنه مرّةً أو مرتين لا أنه يروي عنه مراراً ، وعلى أيّ حال هذا طريق لا بأس به ، وقد رأيت في بعض كلمات السيد الخوئي(قده) أنه يقرّ بهذا ويقبل به وهو أنّ محمد بن اسماعيل يمكن الحكم بوثاقة لإكثار الكليني الرواية عنه.

وأما عليّ بن الحسن التيّمي فهو علي بن الحسن بن فضّال وله لقب ثانٍ وهو التيّمي أو التيملي نسبةً إلى جدّه وهذا يذكر في ترجمته ، وبنو فضّال عادةً ثقاة وعلي بن الحسن رجلٌ ثقةٌ بلا إشكال.

وأما محمد بن الخطّاب الواسطي فهو مجهول ، وأما يونس بن عبد الرحمن فهو ثقة ، وأما أحمد بن عمر الحلبي فهو ثقة لأنّ النجاشي قال ما مضمونه ( الحلبيّون بيتٌ معروفٌ بالكوفة كلّهم ثقاة )[1] .

وأما حمّاد الأسدي فهو مجهول ، وهشام الخفّاف مجهول أيضاً.

فإذن الرواية ضعيفة السند لاشتمالها على بعض المجاهيل ، كما قلنا أنّها لا تدلّ على الحرمة.

الرواية الثالثة:- رواية الاحتجاج عن ابن بن تغلب[2] ، قال:- ( كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من اليمن فسلّم فردّ عليه أبو عبد الله عليه السلام فقال له:- مرحباً يا سعد ، فقال الرجل :- بهذا الرجل سمتني أمي وما أقلّ من يعرفني به ...... ما صناعتك يا سعد ؟ فقال:- أنا من أهل بيتٍ ننظر في النجوم لا يقال إن في اليمن أحداً أعلم بالنجوم منّا ، فقال أبو عبد الله عليه السلام:- كم يزيد ضوء الشمس على ضوء القمر درجةً ؟ فقال اليماني:- لا أدري ، فقال:- صدقت ، فقال:- كم ضوء القمر يزيد على ضوء المشتري درجة ؟ قال اليماني:- لا أدري ، فقال أبو عبد الله عليه السلام:- صدقت ، وهكذا الإمام يسأله وهو لا يردي إلى أن قال اليماني:- أما ظننت أنَّ أحداً يعلم هذا وما يدري ما كنهه ، قال:- ثم قام اليماني ...... )[3] .

والرواية لا تدلّ على الذمّ ، مضافاً إلى أنها مرسلة.

الرواية الرابعة:- رواية عبد الله بن عوف بن الأحمر:- ( قال:- لما أراد أمير المؤمنين عليه السلام المسير إلى أهل النهروان أتاه منجّمٍ فقال له:- يا أمير المؤمنين لا تسر في هذه الساعة وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهار ، فقال له أمير المؤمنين:- ولِمَ ؟ قال:- إنك إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصحابك اذىً وضرر شديد وإن سرت في الساعة التي أمرتك ضفرت وظهرت أصبت كلّ ما طلبت ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام:- تدري ما في بطن هذه الدابة أذكر أم أنثى ؟ فقال:- إن حسبت علمت ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام:- من صدّقك على هذا القول فقد كذّب القرآن " إنّ الله عنده علم الساعة وينزّل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأيّ أرضٍ تموت إنّ الله عليمٌ خبير " ثم قال أمير المؤمنين:- ما كان محمد يدّعي ما ادّعيت أتزعم أنك تهدي إلى الساعة من صار فيها صرف عنه السوء ؟!! ....... من صدّقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة بالله .. )[4] .

أما من حيث دلالتها:- فهي أيضاً لا تدلّ على الحرمة ، بل أقصى ما تدلّ على أنّ الاعتقاد الكامل والجازم بالنجوم هذا هو المذموم وغير صحيح أما أصل النجوم وتعلّمها والاعتماد في الجملة عليها فلا تدلّ على حرمته.

وتوجد قضيّة معترضة نبيّنها:- وهي أنّ الامام عليه السلام يقول لا يعلم أحد ما في الأرحام واستشهد بالآية الكريمة ، ولكن قد يقول قائل:- إنه في العلم الحديث يمكن كشف ما في رحم المرأة وأنه ذكر أو أنثى ، فيكف هذا يكون هذا مع الآية الكريمة والحال أنّ الآية الكريمة تدلّ على أنها من مختصّات الله عزّ وجلّ ؟

والجواب:- إنه يوجد جوابان على ذلك ، ولعله بالتأمل تحصل على أجوبة اخرى:-

الأوّل:- أن يقال:- إنّ المراد من كون الله تعالى يعلم ما في الأرحام أنه يعلم أن هذا ذكر أو أنثى ويعلم أنه جميل أو قبيح وذكي أو ليس بذكي ، فالآية الكريمة لم تقل ذكر أو أنثى فقط بل قالت ( ما في الأرحام ) والعلم الحديث أقصى ما هناك يكشف أنَّ هذا ذكر أو أنثى أما أنه ذكي أو لا وحميل أو ليس بجميل يصير عالماً فيما بعد أو يبقى جاهلاً وغير ذلك من الخصوصيات فالعلم الحديث لا يمكنه معرفة ذلك.

الثاني:- أن يقال:- إن العلم الحديث هو في الحقيقة لم يكشف وإنما يضع شيئاً شبه المرآة وينظر إلى ما في بطن المرأة ويخبر بما في بطنها وهذا ليس بالشيء المهم ، فالعلم الحديث ينظر إلى ما في بطن المرأة من خلال الجهاز فيلحظ أنّ هذا ذكر أو أنثى من خلال الجهاز وهذا كالمرآة ، أما نحن فنريد أن يعلم بذلك من دون أن يستخدم الجهاز.

وأما من حيث السند:- فقد رواه الصدوق في الأمالي عن عليّ عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمّه محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي القرشي عن نصر بن مزاحم عم عمر بن سعد عن يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف الأحمر ، والسند واضح الضعف ز

لكنه أأتي إلى محمد بن عليّ بن ماجيلويه فهذا الشخص يروي عنه الشيخ الصدوق(قده) ليس بالقليل وقد وقع قال قيل في أنه ثقة أو لا فإنه لا يوجد توثيق واضح في حقّه إلا من هنا وهناك كأن تقول إنّ الشيخ الصدوق(قده) كان يعتمد عليه ولعلّه ترضّى عنه في موردٍ ، وإلا فلا يوجد توثيق خاص في حقّه.

وأما عمّه محمد بن القاسم فلا مشكلة فيه ، وأما محمد بن عليّ القرشي فهو لم يرد في حقّه توثيق سوى أنه وارد في أسانيد تفسير القمّي ، وأما نصر بن مزاحم فهو المؤرخ المشهور وقد قال عنه النجاشي ( مستقيم الطريقة صالح الأمر غير أنه روى عن الضعفاء ) ، وهل يستفاد من هذا توثيق أو لا ؟ إنه ربما يستفاد من ذلك التوثيق لأنه قال عنه ( صالح الأمر مستقيم الأمر ) فربما يستفاد من هذا التعبير التوثيق.

فإذا كان على مسلك السيد الخوئي(قده) حيث يرى أنّ نفس المدح بما هو مدحٌ وإن لم يستفد منه التوثيق - وهل كلّ مدح ؟ أستبعد ذلك لأنه لا يكتفي بعبارة ( رجلٌ فاضلٌ ) مثلاً بل مثل هذا المدح وهو قوله مستقيم الطريقة صالح الأمر فعنده المدح الذي هو من هذا القبيل يكفي - ومستنده في ذلك السيرة العقلائية فإنهم يعتمدون على الممدوح ، وقد ذكر ذلك في مقدّمة المعجم ، فإذا بنينا على هذا فبها ، وأما إذا لم نبنِ على هذا يبقى هل تستفيد منه التوثيق أو لا ؟ فإن قال أحد إنَّ تعبير مستقيم الطريقة صالح الأمر يستفاد منه التوثيق وليس ببعيدٍ فلا مشكلة.

وأما عمر بن سعد فهو مجهولٌ ، وقد ورد في أسانيد كامل الزيارات ، فمن يبني على ذلك فسوف يوثّق عمر بن سعد ، وأما موسى بن يزيد فهو مجهول ، وأما عبد الله بن عوف الأحمر فهو مجهول أيضاً ، فالرواية إذن ضعيفة السند.

وقد يقول قائل:- إنَّ الرواية وإن كانت ضعيفة السند لكن من يقرأها يلمس آثار الصدق عليها لأنه ينقل مضامين واستشهادات قويّة لا تصدر إلا من معدن العصمة والطهارة ، فحينئذٍ امارة الصدور موجودة ، وهذا لعلّ هذا الكلام يأتي في الرواية السابقة أو ما قلبها.

والجواب:- إنّ هذه طريقة جيدة ولكن أقصى ما يثبت بها هو أصل الصدور ، أما أنَّ هذه العبارة أو تلك العبارة هي صادرة بالخصوص فلا يثبت وإنما يثبت هذا المضمون في الجملة أنه صادر أما أنه صدر بهذه العبارة أو بتلك العبارة فهذا لا يمكن اثباته.

وهذه الطريقة نستفيد منها في الكتب الأخرى الموجودة عندنا ككتاب نهج البلاغة ، فالخطب الموجودة فيه إذا أراد أحد أن يقول هذه الخطبة سندها ليس بثابتٍ ولكن يوجد في هذا الخطبة حكم في الاثناء والفقيه يستفيد من هذا الحكم فلو قال قائل إنَّ آثار الصدق واضحة عليها فإنّ هذه هي كلمات أمير المؤمنين عليه السلام ولا يمكن أن تصدر من غيره ، فنقول له:- صحيحٌ هي في الجملة كما تقول ولكن هذه اللفظة التي تريد أن تستفيد منها أنت هل يثبت أنها صادرة أيضاً ؟! كلا وإنما الذي يثبت هو أنّ هذا المطلب في الجملة صادر أما بهذه الألفاظ وكلّ هذه الألفاظ فهذا لا يثبت ، فالتفتوا إلى ذلك فحقّانية المضمون في الجملة هذا لا يثبت جميع الألفاظ الفقرات هي صادرة ، فالاستشهاد يصير ليس بصحيح.


[2] وهذه الرواية ليست موجودة في كتاب وسائل الشيعة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo