< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 28 ) الاجارة على الواجبات - المكاسب المحرمة.

محل الكلام فبي المسألة:- ينبغي أن يعلم أنَّ محلّ الكلام يختص بما يلي:-

أوّلاً:- إذا كان الشيء مطلوباً بنحو المجانية بحيث فهمنا من خلال الأدلة ذلك كما لعلّه يقال في الافتاء وبين الأحكام وتجهيز الميت وما شاكل ذلك ، إنَّ ما كان مبنياً طلبه على المجّانية خارج عن محل الكلام فلا تصحّ الاجارة عليه لا لأجل أنه واجب بل لأجل أنَّ أمره مبني على المجانية ، فحتى لو كان مستحباً مع ذلك لا تصح الاجارة عليه فحيثية الوجوب ليست هي المانعة من صحة الاجارة وإنما المانع حيثية المجانية ومثل هذا ينبغي اخراجه عن محلّ الكلام ، يبقى اختلاف ربما يحصل من ناحية الصغرى يعني هل يستفاد من الأدلة أنَّ الشيء الفلاني كالصلاة عن الميت أو دفن الميت مطلوب بنحو المجّانية فهذا اختلاف في الصغرى في أنه يا ترى هل يظهر من الأدلة طلب الشيء بنحو المجّانية أو لا أما بعد أن سلّمنا الصغرى يعني أنه مطلوب بنحو المجانية واستفدنا هذا من الأدلة فعدم صحة الاجارة عليه ليس لأجل حيثية الوجوب بل لأجل كونه مطلوباً بنحو المجّانية إذا مثل هذا ينبغي اخراجه عن محل النزاع.

الثاني:- ما كان أصل وجوده مطلوباً أعم من كون ذلك مع الأجرة أو من دون أجرة ، كما هو الحال في الواجبات النظامية - يعني التي يتقوم بها النظام - كالصناعة والزراعة والطبابة والخبازة وما شاكل ذلك فنظام المجتمع يتوقف على هذه الحرف ، فمثل هذه الأمور المطلوب في الحقيقة هو أصل وجودها يعني وجود طبيب يطبّب أو خباز يخبز .... وهكذا أما إنَّ ذلك بنحو المجّانية فلا ، فإنَّ النظام يتوقّف على أصل وجود هذه الأمور لا على وجودها بنحو المجّانية ، بل طلبها بنحو المجّانية لعلّه يخلّ بالنظام ، لأنه وسوف لا يتصدّى أحد إلى هذه الأشياء ، فمثل هذه الأمور التي طلب أصل وجودها دون الوجود المقيّد بالمجّانية هي أيضاً ينبغي خروجها عن محل النزاع ، لأنّ المطلوب ليس وجودها المجّاني وإنما المطلوب وجودها ولو بنحو الاجارة ، فالإجارة تصح بلا إشكال في هذا القسم ، بخلافه في القسم السابق فإنه لا يصح بلا إشكال.

الثالث:- ما لا تعود فيه منفعة إلى المستأجر على تقدير الاجارة كما لو استأجر شخص غيره على أنى يؤدي الغير الصلاة اليومية عن نفسه هو - أي الغير الأجير - لا أنه يؤديها عن نفس المستأجر ، يقول لشخص مثلاً أنا كل يوم أعطيك كذا مبلغ كي تصلّي عن نفسك أنت فمثل هذه ربما يقال حيث لا يعود نفع إلى المستأجِر فتقع الاجارة باطلة إلا أنَّ بطلانها لا من حيثية الوجوب بل من حيثية عدم عود نفع إلى المستأجر فمثل هذا يكون أيضاً خارج عن محل الكلام ، وواضح أنَّ هذا مبني على أنَّ شرط صحة الاجارة عود النفع إلى المستأجر فهذه الاجارة تكوزن باطلة لا من حيث الوجوب بل من باب اختلال أحد شرائط الاجارة وهو عدم عود النفع إلى المستأجر ، فإذن يلزم أن نفترض حيثية وجوب ويعود نفع إلى المستأجِر هذا هو الذي يكون داخلاً في محل الكلام من قبيل الواجبات الكفائية بأن يفترض أنهم يأتون بجنازة إلى الصحن الشريف فالصلاة عليها واجب كفائي فاستأجر شخصاً وأقول له صلِّ على هذا الميت عن نفسك وليس عن نفسي ، والفائدة هي أنِّ الوجوب سوف يسقط عنّي ، مثل هذه الحالة هي التي تقع محلاً للنزاع وأنَّ حيثية الوجوب هل تنافي صحّة الاجارة أو بعد فرض عود منفعة إلى المستأجر ، بل ربما يتصوّر ذلك في الواجبات العينية - أو تعيينية أي ليست كفائية - كما لو فرض أنه يوجد متخاصمان ويوجد مجتهد صالح للقضاء ولكن المتخاصمين جاءوا إليه في وقت غير مناسب وكان القاضي ليس بمزاجٍ جيد ليحكم بينهما فآجر أحد المتخاصمين القاضي بمبلغٍ من المال - حتى يحصل له محرّك كي يقضي بينهما - ففي مثل هذه الحالة القضاء هنا واجب عيني على القاضي وبإجارة أحد المتخاصمين للقاضي يعود النفع إلى المستأجِر نفسه - أي إلى أحد المتنازعين - لأنَّ الخصومة سوف تنحل ، مثل هذا هو محل النزاع.

إذن من الأوّل فلنلتفت إلى أنَّ محل النزاع هو ما إذا فرض أنه يعود نفع إلى المستأجِر ، وحينئذٍ نسأل:- هل حيثية الوجوب تنافي صحّة الاجارة أو لا تنافيها ؟

رابعاً:- ينبغي أن نستثني من ذلك ما قام الدليل على جوازه بل وجوبه ، يعني من المصاديق الاجارة على الواجبات ، فبعض الواجبات دلّ الدليل على جواز الاجارة عليها بل وجوب الإجارة - وغير الواجبات النظامية التي يتوقّف عليها النظام - والذي في ذهني هو مورد واحد هو الاجارة على النيابة في الحج ، فالشخص الذي لا يستطيع أن يذهب إلى الحج فتوجد عنده مكنة مادّية ولكن لا توجد عنده مكنة بدنية على طول حياته كما لو فرض أنه كانت رجلاه معاقة لا يستطيع المشي فهنا لابدّ وأن يجهّز رجلاً - وقيل صرورة - أو أنَّ شخصاً مات وهو كان مستطيعاً ولكنه لم يحج فلابد من إخراج مقدار الحج من تركته وإجارة نائب عنه ، فهذا قد دل الدليل عليه ، وهو خارج عن محلّ الكلام أيضاً ، لأنَّ الدليل قد دلّ الدليل عليه بلا إشكال ، ويلحق بذلك العبادات الاستيجارية الأخرى كما هو المتعارف في زماننا كالصلاة والصوم عن الميت.

وهنا فائدة علمية:- وهي أنه وهي أنه لا توجد رواية تدل على أنّ من مات ولم يصلِّ أو يصوم يؤجَّر عنه - واجباً كان الصوم والصلاة أو مستحبّا ً- ، أما تخريج صحّة الاجارة هنا فسوف تأتي في محلّها ، أما الذي فيه رواية هو الحج فقط وأما في غير الحج فلا توجد رواية ولكن لا إشكال بين الفقهاء في تصحيح الاجارة ، ولكن هذا خارج عن محلّ الكلام ، يعني الخارج عن الحديث هو ما دلّ النص على جواز أو وجوب الاجارة فيه كالحج النيابي وما يلحق بذلك وإن لم يرد فيه نص كالعبادات الاستيجارية الأخرى.

والخلاصة:- إذن محل الكلام ما إذا فرض أنَّ الشيء كان مطلوباً لا بنحو المجّانية هذا ولاً ، وثانياً لم يكن أصل وجوده مطلوباً ولو مع الأجرة كالواجبات النظامية فهذا أيضاً خارج عن محل الكلام إذا لا إشكال في صحة الاجارة فيه وبطلان الاجارة في الأوّل ، وأيضاً يختص محلّ الحديث بما إذا عاد نفع إلى المستأجر ويختص بغير الحج الاستيجاري وما يلحق به من العبادات الاستيجارية ، فمحلّ الكلام هنا ومثاله كما قلنا - محل النزاع الواجد لهذه الأمور - هو أن نعطي للقاضي أجرة حتى يقي بيننا أو نعطي الانسان أجرة حتى يصلي على الميت حتى يرتفع عنّا الوجوب هنا نسأل هل حيثية الوجوب تتنافى مع صحّة الاجارة أو لا تتنافى معها فهذا المورد واجد لهذه الخصوصيات التي أشرنا إليها . إذن تحدّد لدينا الآن محلّ النزاع والكلام.

وبعد هذا نأتي إلى الرأي الفقهي في المسألة ماذا قال الفقهاء:- ربما يدّعى الاجماع ، وفي الحقيقة تحصيل الاجماع شيءٌ مشكل وإن كان ربما نسب إلى بعضٍ إلا أنه شكك في أصل النسبة ، وعلى تقدير صحة النسبة يمكن المناقشة من جهة أخرى.

أما التشكيك في أصل تحقّق الاجماع فقد أشار إليه غير واحدٍ منهم صاحب الجواهر(قده) ومنهم الشيخ الأنصاري(قده) في المكاسب ، أما صاحب الجواهر(قده) فقد قال:- ( بلا خلاف معتدّ به أجده فيه[1] . وفي المسالك أنه المشهور وعليه الفتوى ، وفي المحكي عن مجمع البرهان:- كأن دليله الاجماع ، بل عن غيره أنَ عليه الاجماع في كلام جماعة إلا أني لم أجده وهو إن تم الحجة )[2] ، فصاحب الجواهر(قده) واضحٌ أنه يشكك في انعقاد الاجماع.

وقال الشيخ الأعظم(قده):- ( وبالجملة فلم أجد دليلاً على هذا المطلب وافياً بجميع أفراده على الاجماع الذي لم يصرح به إلا المحقق الثاني لكنه موهون بوجود القول بخلافه من أعيان الأصحاب من القدماء والمتأخرين على ما تشهد به الحكاية والوجدان .... )[3] .

وعلى أيّ حال توجد أقوال في المسألة لا قول قولاً واحداً ، ومن أراد مراجعة تلك الأقوال أمكنه ملاحظة بلغة الفقيه[4] وكذلك السيد الخوئي[5] نقل تلك الأقوال وربما مع زيادة.

إذن اتضح أنَّ تحصيل الاجماع شيء ممكن بعد وجود الأقوال في المسألة ، بل مثل الكليني والصدوق كيف يمكن تحصيل رأيهما في هذه المسألة بعد الالتفات إلى أنَّ هذه المسألة لا يوجد فيها نصّ ونحن نعرف رأي هذين العلمين من ذكرهما للروايات لأنَّ الصدوق قال ( لا أذكر إلا ما كان حجّة ) والكليني أيضاً قال في لمقدّمة ( لا أذكر إلا ما هو صحيح ) فمن هذه العبارة المذكورة في المقدّمة المنضمّة إلى ذكر الرواية الدالة على الحكم نستكشف رأيه فنقول:- بما أنه قال لا أذكر إلا الحجّة فإذن هو يبني على مضمون هذه الرواية ، ولكن مسألتنا ليست فيها رواية فكيف تستفيد رأي هذين العلمين وأنهما يبنيان على عدم صحة الاجارة.

هذا مضافاً إلى أنه تم تحقق الاجماع ولا مخالف في المسألة لكن هلا يحتمل أن يكون هذا الاجماع مدركياً ؟

وإذا قلت:- أنت ذكرت في بعض المباحث أنَّ الاجماع المدركي يمكن أن ننتفع به فنقول الفقهاء إما أنهم استندوا إلى هذه الرواية أجع وذلك يحصّل الاطمئنان بصدورها وبحجية دلالتها أو لم يستندوا فهو تعبّدي مأخوذ يداً بيد من الامام ، فعلى كلا التقديرين سوف نستفيد من هذا الاجماع فلنطبق هذا الكلام هنا فأيضاً قل هذا الشيء ؟

قلت:- هذا يكون إذا كانت توجد رواية ، ولكن هنا لا توجد رواية ، فأنت احتفظ بمورد ذهب الفقهاء إلى شيءٍ ورواية ليست موجودة وإنما استندوا إلى وجوه متعدّدة لا إلى وجهٍ واحد ، فلو كانوا قد استندوا إلى وجه واحد فهذا يدل على أنَّ الوجه الواحد صحيح ونطمئن بصحته ، لكن سوف نذكر وجوهاً متعدّدة ذكروها ومن المحتمل أنّ بعضاً أستند إلى وجهٍ وبعضٌ استند إلى وجهٍ آخر وهكذا ، فلا يحصل الاطمئنان آنذاك بعد عدم وحدة مركز الاستناد ، فمركز الاستناد ليس واحداً ، فبعد عدم وحدته لا يحصل حينئذٍ الاستناد ، نعم لو كان المستند الذي استندوا واحداً يمكن آنذاك أن يحصل الاطمئنان بصحّة هذا المستند ، أما بعد تعدّده كما سوف نرى ، فإذن لا يحصل إجماع لا من ناحية أصل ثبوته ، وعلى تقدير ثبوته لا يمكن أن نحكم بحجيته لما أشرنا إليه من أنَّ المركز متعدّد ومع تعدّد المركز لا يحصل الاطمئنان.


[1] يعني يوجد من يخالف هذا الاجماع ولكنه غير معتد به.
[5] موسوعة السيد الخوئي ( مصباح الفقاهة )، تسلسل35، ص697.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo