< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/08/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 35 ) حرمة الكذب – المكاسب المحرمة.

وأما من حيث الصغرى:- فالقضية ترجع إلى العرف ، فإن فرض أنَّ العرف كان يحكم بأنَّ هذا كذب فأدلة حرمة الكذب على تقدير ثبوت الاطلاق فيها سوف تشمل هذا المورد وأما إذا لم يحكم العرف بذلك فحينئذٍ لا نحكم بالحرمة من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، والأمر إليك ، الظاهر أنَّ العرف إن لم يجزم بعد صدق عنوان الكذب مع عدم وجود السامع فلا أقل من الشك وهو كافٍ لنفي الحرمة ، يعني لا يجوز التمسّك بإطلاق دليل الحرمة لأنه تمسّك به في الشبهة المفهومية ، فنحن نشك ولا ندري هل مفهوم الكذب وسيع ويشمل حتى حالة عدم وجود السامع أو لا فلا يجوز التمسّك بالإطلاق وإذا لم يجز نرجع حينئذٍ إلى البراءة.

وعلى هذا الأساس سواء قلنا بثبوت الاطلاق في دليل حرمة الكذب أم لم نقل بذلك فعلى كلا التقديرين النتيجة هي عدم الحرمة ، أما على تقدير عدم وجود الاطلاق فالأمر واضح ، وأما على تقدير وجود الاطلاق فالإطلاق وحده لا ينفع مادمنا لم نحرز الصغرى والمفروض عرفاً أنا نشك في صدق مفهوم الكذب على هذا بنحو الشبهة المفهومية وفي مثله لا يجوز التمسّك بالإطلاق أو العام في مورد إجمال المفهوم فإن دليل الحكم يقول أنا أثبت الحكم إن كان الكذب صادقا أما أنه صادق أو ليس بصادق فدليل الحكم لا يتكفّل اثبات موضوعه ، فإذن النتيجة هي البراءة على كلا التقديرين.

التنبيه الرابع:- الإخبار بما له لوازم.

إذا أخبر شخص بخبر وكان لذلك الخبر لوازم فإذا كان كاذباً في أصل الخبر اي في المدلول المطابقي فهل يلزم الكذب بلحاظ المداليل الالتزامية أيضاً ؟ فلو كانت له مداليل التزامية خمسة مثلاً وكان الشخص المخبر كاذباً بلحاظ المدلول المطابقي فهل يصير كاذباً بلحاظ المدلول الالتزامي أيضاً - يعني يصير كاذباً بعدد ستة إخبارات - أو أنه يكون كاذباً بلحاظ المدلول المطابقي فقط ؟ وتظهر الثمرة في تعدد العقوبة وفي سقوطه عن العدالة ، باعتبار أنه حتى لو قلنا إن الكذب من الصغائر ولكن بتعدّده يصدق عنوان الاصرار فيسقط عن العدالة ، وهذه ثمرة مهمة ، وعلى هذا الأساس لو قال ( مات فلان قبل سنة ) فلازمه أنه قد دفن ولازمه أنه قد كفّن أيضاً ولازمه أنه قد غُسِّل ولازمه أنه قد صُلِّي عليه فإذا كان كاذباً في أصل الإخبار بالموت - أي بالمدلول المطابقي - فهل يعدّ كاذباً بعدد المداليل الالتزامية ؟

هذه المسألة تعرض إليها الشيخ الخراساني(قده) بمناسبة في الكفاية في مبحث الأصل المثبت ووجه ذكر ذلك هناك هو هذا:- وهو لم يذكرها بالصراحة لكن نحن نستفيد من كلامه ذلك ، وحاصل القضية التي لأجلها ذكر هذه المسألة أنَّ الأصوليين اتفقوا على أنَّ مداليل الأمارة غير الشرعية حجة بينما مداليل الأصل العملي - المداليل غير الشرعية - ليست حجة فلا تثبت ولذلك قيل الأصل المثبت ليس بحجة ، أما الأمارة المثبتة فالمعروف بينهم أنها تثبت لوازمها وحجة في لوازمها غير الشرعية فإذا أخبر شخص بخبرٍ وقال ( مات ويد ) وكان لذلك مداليل التزامية غير شرعية فيكون حجة في اثبات تلك المداليل الالتزامية ، بينما إذا ثبت موته بالأصل فلا تثبت تلك المداليل الالتزامية ، ولماذا المداليل غير الشرعية للأمارة حجة بينما المداليل غير الشرعية للأصول ليست حجة - يعني لا تثبت بالأصول العملية - فما هي النكتة الفارقة ؟ وفي هذا المجال ذكر الشيخ الخراساني أنَّ الفارق هو أنه في باب الأمارة إنه حينما يخبر الشخص عن موت فلان فهو قد أخبر عن المدلول المطابقي وأخبر بعدد أفراد المدلول الالتزامي فلو كانت هناك مداليل التزامية خمسة فهو قد أخبر عن هذا وأخبر عن هذا وأخبر عن هذا فتصير ستة أخبار وإذا صدق أنه أخبر بستة أخبار فدليل حجية الخبر حينئذٍ سوف يشمل هذه الأخبار الستة يعني الخبر عن المدلول المطابقي الأساسي وهذه الخمسة التي هي أخبار عن المداليل الالتزامية لأن دليل الحجية يثبت الحجية للخبر وعليه فسوف تثبت حجية كلّ هذه الأخبار ، وهذا بخلاف الصول العملية كالاستصحاب مثلاً فإنه ثبتت حجيته في حالة اليقين السابق والشك اللاحق فإنَّ هذا هو موضوعه فأين ما ثبت هذا يثبت حجية دللي الاستصحاب - يثبت أن هذا حجة - ومن المعلوم أنَّ اليقين والشك ثابت بلحاظ المدلول المطابقي وليس صادقاً بلحاظ المدلول الالتزامي إذ لو كان صادقاً لجرينا الاستصحاب في المدلول الالتزامي بالمباشرة ولماذا هذا الالتواء والدوران تذهب إلى المدلول المطابقة ومن خلاله تثبت المدلول الالتزامي فإن هذا تطويل للمسافة ؟ فأنت من البداية طبّق الاستصحاب على المدلول الالتزامي مادام عندك يقين سابق وشك لاحق بلحاظ المدلول الالتزامي فنطبق دليل الاستصحاب على المدلول الالتزامي.

فإذن نحن لا نطبق دليل استصحاب على المدلول الالتزامي وإنما نطبقه على المدلول المطابقي ومن خلاله نريد أن نثبت المدلول الالتزامي نفعل هكذا ليس إلا لعدم وجود يقين سابق وشك لاحق وإلا لما احتجنا إلى هذا اللف والدوران ، وأخذ مثالاً لذلك: كما لو فرضنا أنَّ شخصاً كان قد تغطى بلحاف وكان مريضاً وجاء آخر وضربه بالسيف فقدّه نصفين ولكن لا ندري هل هو حيّ حتى يصدق أنَّ هذا قد قتله وبذلك تترتب الآثار أو أنه كان ميتاً فلا يصدق القتل ، في مثل هذه الحالة إذا أردنا الاستصحاب فيم نجريه ؟ نجريه بلحاظ الحياة فنقول كان سابقاً على قيد الحياة والآن يشك في أنه حيّ أو ليس بحيّ فنستصحب الحياة ولازم الحياة أنه قد قتله وإذا لم يكن حياً فلم يقتله ، فاستصحاب الحياة يثبت أنه كان حيّاً والآن هو حيّ أما أنه قد قتله فهذا لازم غير شرعي وليس لنا يقين سابق به إذ لو كان يقين سابق به فلا توجد حاجة لاستصحاب الحياة ، فاليقين السابق والشك اللاحق متوفران في الحياة ( كان حياً ونشك في بقاء حياته ) أما بلحاظ اللازم وهو ( قد قتله ) فهذا اللازم لا يوجد عندنا يقين سابق به وإلا إذا كان عندنا يقين سابق به وشك لاحق لكنّا نجري فيه الاستصحاب ولم نحتج إلى استصحاب الحياة ، فإذن عنوان ( اليقين ) و( السابق ) وعنوان الاستصحاب صادق على المدلول المطابقي وليس صادقاً على المدلول الالتزامي فلذلك لا يثبت المدلول الالتزامي بدليل الاستصحاب إذ موضوعه يقين وشك و( يقين وشك ) يصدق بلحاظ المدلول المطابقي دون الالتزامي فلذلك صارت لوازم الأصول ليست حجة بينما لوازم الأمارة تكون حجة لأنَّ عنوان الخبر كما هو صادق بلحاظ المدلول المطابقي صادق بلحاظ المدلول الالتزامي.

ونحن نقول:- إنَّ ما ذكره مبني على أنَّ عنوان الخبر كما يصدق بلحاظ المدلول المطابقي يصدق بلحاظ المدلول الالتزامي ومن أين لك هذا فنحن نشكك في أصل المطلب ؟!! يعين نقول من أخبر عن موت فلان لا يصدق عرفاً أنه أخبر عن دفنه وعن الصلاة عليه وعن تغسيله وعن غير ذلك ، كلا فالأمر ليس كذلك وإذا لم نرد أن نجزم بالعدم فلا أقل الشك في صدق ذلك ، نعم إذا كان المتكلم قاصداً الحكاية والإخبار حتى عن المداليل الالتزامية بأن كان ملتفتاً لها وقصد الإخبار عنها فيمكن آنذاك أن يقالعنها صارت ستة أخبار أما لو فرض أنه أخبر عن المدلول المطابقي وكان غافلاً عن المداليل الالتزامية أو كان ملتفتاً ولكن لم يقصد الإخبار عنها ففي مثل هذه الحالة صدق الخبر عليها محل إشكال.

هذا نقاشنا مع صاحب الكفاية من زاوية بحثنا فمن زاوية بحثنا انتهى كلامنا معه ، فأقصى ما نقول لصاحب الكفاية أنه لم يثبت عرفاً صدق عنوان الخبر بلحاظ المداليل الالتزامية فإن الصدق يحتاج إلى أمرين الالتفات والقصد وهذا المخبر قد لا يكون ملتفتاً للمداليل الالتزامية ولو كان ملتفتاً فهو ليس بقاصد الإخبار عنها وبهذا اتضح أنَّ الإخبار عن شيء ليس إخباراً عن المداليل الالتزامية فهو كاذب مرّة واحدة وليس بكاذب عدّة مرات.

وإذا أردنا أن نناقش صاحب الكفاية(قده) من غير زاوية بحثنا فنقول له:-

أوّلاً:- إن كلامك هذا إن تم فهو يتم في باب الخبر فقط ولا يتم في بقية الأمارات والأمارات لا تنحصر باب الخبر ، فقد تكون الأمارة من الظواهر فإذا كان الكلام ظاهراً في شيء وكان لذلك الشيء لوازم فالظهور يصدق بلحاظ المدلول المطابقي أما بلحاظ اللوازم عنوان الظهور لا يصدق فكلامك كلّه في دائرة الخبر والأمارات لا تنحصر بالخبر فأنت لابد أن تأتِ بدليلٍ يعم جميع الأمارات.

ثانياً:- لو سلّمنا أنَّ عنوان الخبر يصدق بلحاظ المداليل الالتزامية ولكن من قال إنَّ كل خبر حجة فهل يوجد اطلاق في حجية الخبر ؟ وهل توجد آية أو رواية متواترة - وقيدت بالمتواترة حتى لا يلزم اثبات الشيء بنفسه - تقول ( الخبر حجة ) بحيث يوجد فيها إطلاق ؟ إنه لا يوجد عندنا دليل بهذا الشكل بل أقوى دليل عندنا هو السيرة ، نعم من هنا وهاك قد نحصل على دليل ولكن ليس بذلك الشكل الذي فيه إطلاق ، فإذا قبلنا بهذا والتفتنا إلى هذه النكتة فنقول إنَّ القدر المتيقن من السيرة أنه تعمل بالأخبار بلحاظ مداليلها المطابقية أما بلحاظ الاخبار الالتزامية فسعة السيرة لذلك أوّل الكلام ، فكلامك يا صاحب الكفاية تفترض فيه كأنه يوجد اطلاق مسبق في دليل حجية الخبر ، وإلغاء الخصوصية شيء غير واضح فإنه هنا لا معنى له.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo