< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حرمة حلق اللحية - مسألة (43) - المكاسب المحرّمة.

 

ولو تم سند الرواية وغضضنا النظر عن النوفلي فإنه وارد في بعض الطرق لكن تبقى المشكلة في الدلالة من ناحيتين:-

الأولى:- إنَّ تطبيق ذلك على حلق اللحية يحتاج إلى أن نفترض أنَّ ظاهرة حلق اللحية كانت قضية بارزة بين الكفّار، فحينئذٍ يقال على من حلق لحيته أنه شاكل أعداء الدين وتشبّه بهم، ولكن هذا ليس بواضح، ونلاحظ اليهود الآن عندهم ظاهرة إبقاء اللحية ، فلم يثبت أنَّ حلق اللحية كانت ظاهرة بارزة حتى يتمسّك بها لإثبات الحرمة ، ولا مجال للتمسّك ببعض التواريخ التي تنقل حالات الأمم السابقة ونرى فيها أنهم كانوا يحلقون لحاهم؛ لأنه لا يجدي باعتبار أنه لا يثبت أنها عادة بارزة عندهم.

ثانياً:- إنه حتى لو غضننا النظر عن الناحية الأولى نقول: إنَّ قضية المشاكلة تختلف باختلاف الأزمنة فربّ في زمانٍ تعتبر ظاهرة حلق اللحية ظاهرة بارزة للكفار، ولكن بمرور الزمن أصبحت ظاهرة عامة ولا تختص بهم ، فلا يصدق آنذاك عنوان المشاكلة لأعداء الدين ، فالحرمة سوف تدور مدار عنوان المشاكلة والتي تختلف باختلاف الزمان ، وهذا من أحد الموارد التي يكون عنصر الزمان مؤثراً فيها.

وفارق الجوابين:- أنَّ الأوّل لم يثبت أنَّ حلق اللحية هو ظاهرة بارزة لدى الكفار، نعم لعلّه كانت شريحة منهم تقوم بذلك وشريحة لا تقوم بذلك مثل اليهود، وإذا لم تكن ظاهرة بارزة فلا يصدق عنوان المشاكلة.

أما في الجواب الثاني:- فإنه حتى لو سلّمنا أنه كان ظاهرة بارزة في الأمم السابقة لكن المدار ليس على عنوان حلق اللحية بل على عنوان المشاكلة وهي تختلف باختلاف الزمان ، ففي زماننا لا يصدق المشاكلة لمن حلق لحيته ، فلا تثبت الحرمة بناءً على هذا.

ونلفت النظر إلى شيء:- وهو أنَّ قضية المشاكلة والتشبّه بالكفار لا نحتاج في إثبات حرمتها إلى رواية من قبيل هذه الرواية ، بل حتى لو فرض أنه لم تكن لدينا رواية تنهى عن التشبّه بأعداء الدين مع ذلك نحكم بالحرمة وعدم الجواز ، ولذلك لو فرض أنَّ شخصاً من المسلمين أراد أن يضع على رأسه شيئاً كما تصنع اليهود فنقول له لا يجوز ذلك لأن فيه تقوية لهم وتضعيف لجانب الإسلام والمسلمين وذوبان هوية المسلم وصيرورته كأنه كافر.

إذن هذا الوجه لو تم فلا يفرق فيه بين وجود رواية وعدم وجودها ، فحتى لو لم توجد رواية نحن نحكم بالحرمة.

الوجه الثامن:- التمسّك السيرة وتقريبها بأشكال ثلاثة:-

الشكل الأول:- إنَّ سيرة المتشرعة والمتدينين جارية في زماننا وحتى الزمن السالف على عدم حلق اللحية وإبقائها وذلك يثبت الحرمة وإلا لحلق البعض لحاهم.

وفيه:- إنَّ هذه سيرة على الفعل وهو أعم من الوجوب ، ولعله مستحب ، أو لعلّ عبارة ( لا يليق ) لا توجب الحرمة ، فإذن السيرة على عدم الفعل لا يمكن التمسّك بها لإثبات الحرمة ، كما أنَّ السيرة على الفعل لا يمكن التمسّك بها لإثبات الوجوب.

الشكل الثاني:- التمسّك بهذه السيرة بضم ضميمة وهي أن يقال: إنَّ هناك سيرة على إبقاء اللحية لدى المتدينين مع ارتكاز الحرمة بحيث لا يرتكب المؤمن حلقها لارتكازٍ عنده على الحرمة.

وقد تمسّك السيد الخوئي(قده) بهذا الوجه في كلا التقريرين[1] ، ولعلّه هذا المطلب ذكره الشيخ محمد جواد البلاغي قبل ذلك.

أقول:- إذا صار البناء على التمسّك بالسيرة بانضمام الارتكاز فبالإمكان أن نحذف السيرة ونقتصر على الارتكاز وحده لأنَّ السيرة ليست شيئاً مهماً.

وهذا وجيه لو ثبت الارتكاز المذكور ، وفي زماننا هذا إذا سألنا المتدينين العوام المقلّدة نسلّم أنَّ هناك ارتكاز في أذهانهم على الحرمة ولكنه ارتكاز ناشئ من التقليد ، والمهم أن نلاحظ طائفة ثانية من المتشرّعة لا المقلّدة وهم الفقهاء غير المقلّدة فإنَّ هذا ليس شيئاً واضحاً عندهم.

نعم هذا الارتكاز موجود في اعتبار قصد القربة في الوضوء والصلاة والصوم إذ لعلّ تحصيل دليل لفظي على اعتبارها شيء صعب ، ولكن هناك ارتكاز في أذهان المتشرّعة على اعتبار قصد القربة ، ولا يحتمل أنَّ هذا الارتكاز قد حصل حديثاً فإنه ارتكاز متوارث ولعله لا ينبَّه عليه لشدّة وضوحه، وإذا أردنا أن نصوغه بصياغة علمية فنقول:- إنَّ هذا الارتكاز الموجود في أذهان الفقهاء معلولٌ وكل معلولٍ يحتاج إلى علّة فلابد أنَّ هذه الطائفة أخذته من الطائفة السابقة ، والسابقة أخذته من السابقة عليها ..... وهكذا إلى أن نصل إلى المعصوم عليه السلام.

وهذا جيد في مثل قصد القربة ، أما أنَّ حلق اللحية هو من هذا القبيل فهو أوّل الكلام.

إن قلت:- أليس المرتكز في أذهاننا نحن أهل العلم حرمة حلق لحانا ؟

قلت:- صحيح أنَّ هذا مرتكز، ولعله من جهة العنوان الثانوي من أنه لا يليق ومن غير المناسب ذلك ، فهو يصير محرّماً بالعنوان الثانوي ، وهذا الارتكاز ليس بنافعٍ ، إنما النافع هو أن يكون هناك ارتكاز في ذهن كلّ بالغ عاقل.

الشكل الثالث:- لو قرأنا التاريخ نجد أنَّ الأمم السابقة كالروم والفرس وغيرهم حينما دخلوا الإسلام تركوا ما كانوا عليه من حلق اللحية وأبقوا لحاهم ، والمسلمون لم يتأثروا بهم بحلق اللحية وهذا يدل على أنَّ ظاهرة حلق اللحية واضحة في الأوساط الإسلامية إلى حدٍّ أنَّ الذين دخلوا في الإسلام تركوا حلق اللحية وأيضا المسلمون لم يتأثروا بالكفّار فيحصل اطمئنان بوضوح حرمة حلق اللحية ، فيثبت بذلك حرمة حلق اللحية.

وفيه:- إنَّ تغيير الكفّار عادتهم حلق اللحية عندما دخلوا الإسلام لم ينشأ من أجواء واضحة في الحرمة ولعلّه نشأ من عوامل أخرى ، فمثلاً نحن في زماننا عندما يدخل شخص الحوزة العلمية ويلبس الزيّ المبارك ففي الزمان القديم كان طلبة النجف لا يلبسون الساعة مثلاً ولكنه لم ينشأ من حرمة لبس الطالب للساعة وإنما نشأ من أنَّ عدم المناسبة تفرض نفسها في المجتمع ، فلعل الكفّار حينما دخلوا الإسلام رأوا أن اللائق بالمسلم أن تكون له لحية نتيجة الأجواء فعدم الحلق لم ينشأ من الحرمة وإنما نشأ من عدم المناسبة.

من خلال هذه كلّه اتضح أنَّ الفتوى بالتحريم شيء مشكل ، والمناسب للفقيه أن يصير إلى الاحتياط.


[1] المحاضرات: ج1، ص292. مصباح الفقاهة: ج35، ص405.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo