< قائمة الدروس

الموضوع: مسألة ( 44 ) آداب التجارة – كتاب التجارة.

وربما يتمسّك لاستحباب التسوية بين المبتاعين برواية أخرى غير رواية عامر بن جذاعة:-

وهي رواية ميسر ، قال:- ( قلت لأبي جعفر عليه السلام:- إن عامة من يأتيني إخواني فحد لي من معاملتهم ما لا أجوزه إلى غيره، فقال: إن وليت أخاك فحسن، وإلا فبعه بيع البصير المداق )

و ( المداق ) أي المدقق ، وإلا اذا لم ترد بيعه توليه فبعه بيع بصير ومداق وصاحب دقة ، ومنه الحديث الذي رواه الشيخ الكليني ( إنما يداق الله العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول ) ، يعني أنَّ هذا الحديث منذر لنا وليس مبشراً حيث يقول إنَّ الناس العاديين حسابهم يسير بخلاف غيرهم ، وأنا اعتقد بيني وبين ربي أنا أقدم على عالم مجهول وأقول اللهم عاملنا بجودك ولطفك ولا تعاملنا بعدلك ، والمقصود من البصير المداق أي البصير المدقق

وهل كلمة ( بيع ) مضافة إلى ( البصير المداق ) اضافة إلى الفاعل أو اضافة الى المفعول فإن كلا الاحتمالين موجود ؟ وإذا كان إضافة إلى الفاعل فيكون معنى ( بعه بيع البصير المداق ) أي بعه بربح أكثر ، أو هو اضافة إلى المفعول فيكون معنى ( بعه الى البصير المداق ) أي اربح عليه ربحاً أقل ، وقد أشار صاحب الوسائل(قده) إلى كلا الاحتمالين ، وهنا كلا الاحتمالين موجود في الرواية وهذا لا يهمنا.

والنتيجة:- هي أنّض الرواية دلت على هذا المعنى ، وهذه الرواية لم يستدل بها الطابع العام من الفقهاء ، ورأيت أن الرواية قد ذكرها النراقي في المستند كما ذكرها صاحب الحدائق في باب التسوية بين المبتاعين وبقى يذكر بعض التوجيهات اللغوية ولكنه غفل أو تغافل عن صلب الموضوع ، ولكن المهم هو كيفية الاستدلال بها على التسوية بين المبتاعين ، وهو قد ذكر رواية ابن جذاعة والاستدلال بها واضح بها ، وذكر هذه الرواية الثانية ولم يوضح كيفية الاستدلال بها وهي خفيّة الدلالة ، وهذه نقطة تسجل عليه ، لأنّه لا معنى لأن يذكر رواية خفيّة الدلالة من دون أن يذكر وجه دلالتها. وذكر صاحب المستند الرواية وذكر الدلالة فقال:- ( ودلالتها إنما هي على كون اضافة البيع إلى المفعول ) ، يعني يريد أن يقول كون اضافة البيع البصير المداق هي اضافة إلى المفعول فحينئذٍ سوف تدل على المطلوب.

وفيه:-

أولا:- إنَّ غاية ما تدل عليه الرواية أنه بعه بربح قليل أو أقل وهذا ليس مقصودنا ، إنما المقصود اثباته هو التسوية بين المبتاعين ، أما هذا فليس هو مقصودنا وليس المراد اثباته ، فإن

المطلوب اثباته هو أنه تستحب التسوية بين المبتاعين ، وليس المراد أنَّ الربح الذي تأخذه يكون أقل.ثانيا:- إنَّ هذا بالتالي اثبات للمطلوب على تقدير كون الاضافة في الرواية من باب المفعول ، وحتى لو سلّمنا له فهي لا تصلح للدلالة لأنها دلالة على تقديرٍ دون تقدير ، وهذا ليس بمهم ، والمهم هو الأول الذي ذكره وهو أنه لا يثبت رجحان التسوية بين المبتاعين.وبهذا اتضح أن ما يمكن التمسّك به للتسوية بين المبتاعين أو مرجوحية التفاوت هي رواية عامر بن جذاعة لا رواية ميسر ، ولعله لأجل ما ذكرناه قد تركها الفقهاء ولم يشيروا إليها.

النقطة الثالثة:- يستحب إقالة النادم.

ومدرك ذلك امران:-

الأول:- رواية رواية سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( أربعة ينظر الله عزّ وجلّ إليهم يوم القيامة: من أقال نادما، أو أغاث لهفان، أو أعتق نسمة، أو زوج عزباً ).

وتوجد روايات أخرى في هذا الباب يمكن التمسّك بها في استحباب إقالة النادم.

الثاني:- أن يقال: إنَّ هذا الحكم ثابت بلا حاجة إلى رواية ، فإنه اذا طلب الاقالة فقد طلب حاجةً منّي وإنه محتاج لي وهي أن أقيلنه ومن المعلوم أنَّ أدلة رجحان قضاء حاجة المؤمن والتي هي روايات كثيرة تكون شاملة للمورد بلا حاجة إلى روايات خاصة ، وتوجد روايات كثيرة تثبت استحباب قضاء حاجة المؤمن ، وتوجد روايات اغاثة الملهوف وهي تشمل المورد ، وحينئذٍ يثبت الاستحباب بلا حاجة إلى رواية خاصة.

نعم هناك سؤالان:-

السؤال الأول:- هل هذا الاستحباب يعم غير المؤمن أو يختص بالمؤمن ؟

السؤال الثاني:- إذا عمّمنا الحكم إلى غير المؤمن فهل يعم هذا الاستحباب الكافر أيضا إذا طلب الاقالة أولا ؟

لا يبعد أنه يفهم العموم ، فإن المفهوم من الروايات هو قضاء حاجة الغير ، فهو مطلوب ومحبوب لا خصوص المسلم ، وسيرة أهل البيت عليهم السلام خير شاهد ، وهم قد علّمونا دروساً كبيرة وعظيمة في هذا المجال.

النقطة الرابعة:- يستحب للبائع عند البيع التشهد بالشهادتين والتكبير.

فعند البيع يستحب ذلك.

أما بالنسبة إلى تشهد الشهادتين:- فإذا رجعنا إلى الروايات فقد لا نجد ما يكون مستنداً ، فمن أين جاء هذا الحكم ؟! ، نعم توجد عندنا روايات تدل على شيء آخر وهذا من القضايا الغريبة ، ولعل أحد مناشئ ذلك هو أن الفقيه حينما يريد أن يكتب رسالة عملية فالمستحبات والمكروهات قد يتساهل فيها ولا يراجع أدلتها وإنما يبقيها كما ذكروها ، والروايات هي:-

الرواية الأولى:- رواية حنان بن سدير ، والسند معتبر ، فهي عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير عن أبيه قال: قال أبو جعفر عليه السلام:- ( يا أبا الفضل أما لك مكان تقعد فيه فتعامل الناس؟ قال: قلت: بلى، قال ما من رجل يروح أو يغدو إلى مجلسه وسوقه فيقول حين يضع رجله في السوق: اللهم إني أسألك من خيرها وخير أهلها إلا وكل الله به من يحفظه ... فإذا جلس مجلسه فقال حين يجلس: " أشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله...فإذا قال ذلك، قال له الملك الموكل به: أبشر فما في سوقك اليوم أحد أوفر حظا منك.. ).

لو قيل:- إنَّ الامام إذا كان هكذا يتكلّم مع أبي سدير فهو ثقه.

فجوابه:- إنه هو الذي ينقل الرواية فلا تصلح لإثبات وثاقته.

وهي كما ترى هي ناظرة إلى حالة ما إذا جلس في محل عمله وبعدها يتشهد لا عند البيع.

الرواية الثانية:- رواية عن أبي بصير ، وهي معتبرة السند ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( من دخل سوقا أو مسجد جماعة فقال مرة واحدة: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، والله أكبر كبيرا ........... عدلت حجة مبرورك ).

وأيضا هي تذكر من دخل في السوق لا عند إجراء البيع.

الرواية الثالثة:- وهي رواية عن سعد الخفّاف، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ( من دخل السوق فنظر إلى حلوها ومرها وحامضها فليقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله... ) ، وهي ناظرة أيضاً إلى حالة الدخول في السوق لا عند البيع.

الرواية الرابعة:- وهي مروية عن أبي عبيدة قال: قال الصادق عليه السلام:- ( من قال في السوق: أشهد أن لا إله الا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، كتب الله له ألف حسنة ) ، وهذه أيضا كأخواتها.

فإذن هذا الحكم لابد من تغييره وأن نكتب في الرسالة العملية ( يستحب التشهد عند الدخول في السوق ) أو ( يستحب التشهد عند جلوس البائع في محل بيعه ) لا عند البيع .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo