< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/05/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 45 ) بعض مستحبات التجارة - المكاسب المحرّمة.

مسألة ( 45 ):- يكره مدح البائع سلعته وذمّ المشتري لها ، وكتمان العيب إذا لم يؤد إلى غش وإلا حرم كما تقدّم ، والحلف على البيع ، والبيع في المكان الظلم الذي يستتر فيه العيب بل كل ما كان كذلك ، والربح على المؤمن زائداً على مقدار الحاجة ، ......

.........................................................................................................

الأدب الأوّل:- وهو الذي ذكره بعنوان ( يكره مدح البائع سلعته وذم المشتري لها ) ، ونحن جعلناهما واحداً رغم أنهما مكروهان وذلك لوحدة المدرك ، وتدل على ذلك روايتان:-

الأولى:- علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن ابي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله:- من باع واشترى فليحفظ خمس خصال وإلا فلا يشترين ولا يبيعنَّ:- الربا ، والحلف ، وكتمان العيب ، والحمد[1] إذا باع ، والذم إذا اشترى )[2] ، ومن الواضح أنَّ المقصود من قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( فليحفظ خمس خصال ) يعني فليحفظ نفسه من ارتكاب هذه الأمور أو من الوقوع فيها.

الثانية:- محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى رفع الحديث قال:- ( كان أبو أمامة صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:- أربع من كنَّ فيه طاب مكسبه: إذا اشترى لم يعب ، وإذا باع لم يحمد ، ولا يدلّس ، وفيما بين ذلك لا يحلف )[3] .

وإذا كان هناك ضعف في السند خصوصاً في الرواية الثانية لأنه يوجد فيها رفع فإنَّ قطعة من السند محذوفة لم يذكرها أحمد بن محمد بن عيسى أما الاولى فهي ضعيفة بالنوفلي على كلامٍ فيه ، ولكن كما قلنا إنه مادامت من باب كونها مستحبات فحينئذٍ يتسامح فيها ولو على مستوى العمل ، لأنَّ المؤمن يريد عملاً أن يأمن من ارتكاب المكروهات فسواء كان يوجد استحباب جزمي أو كراهة جزمية أو لا فهذا غير مهم ولكن تأتيني رواية فأريد أن احتاط واعمل على طبق ما دلت عليه فمن هذه الناحية يتساهل في الأمر ، فحينئذٍ إذا لم نكن نقبل بقاعدة التسامح هنا فالأمر يصير مشكلاً.

وقد يشكل:- بأنَّ الوارد في الرواية الأولى هو تعبير ( من باع واشترى فليحفظ ) هذا أمرٌ وبناءً على أنه يدل على اللزوم سوف يثبت لزوم جميع هذه الأمور.

والجواب واضح حيث نقول:- صحيح أنَّ بعض هذه الأمور يمكن أن نلتزم فيها باللزوم مثل الربا أما مثل المدح إذا باع أو الذمّ إذا اشترى فهذا نعرف من الخارج أنه لا يحتمل أنه يجب على المؤمن أن يحفظ نفسه من ذلك أو أنه حرامٌ ارتكاب ذلك ، فلذلك قلنا سابقاً ونقول الآن: إنَّ غير الفقيه لا يتمكن أن يعمل بالروايات لأنه توجد بعض الأمور التي تؤثر على فهم الروايات فلابد أن تفهم الروايات على طبق تلك الأمور ، وهذا واحد منها ، فنحن من الخارج نعلم أنه لا يوجد احتمال حرمة المدح - إذا كان البائع صادقاً لا أنه كان كاذباً - ، فإذا لم يوجد احتمال الحرمة فهذا بنفسه قرينة على أنه لابد من حمل ذلك على الأعم ، فـلفظ ( فليحفظ ) نحمله على القدر المشترك - لا أنه يحفظ على نحو اللزوم والوجوب - للقرينة الخارجية ولا بأس باستعمال الصيغة في الجامع الأعم ، ونحن في استعمالاتنا العرفية أحياناً حينما نريد أن نتكلم مع بعض الناس فنقول لهم ( اتركوا الربا واتركوا الكذب واتركوا الغش ) وفي الأثناء نذكر لهم ( اتركوا المزاح الزائد ) والحال أنَّ المزاح الزائد ليس بحرام ولكن ذكره مع تلك المحرّمات مستساغ ، فإنها تُجمَع ويراد طلب الفعل الأعم أو طلب الترك الأعم ، وهذه قضية مألوفة وعقلائية لا بأس بها.

ولكن يبقى أنه إذا كانت مستعملة في الأعم فماذا نحكم في كل فردً فرد ؟

إنه إذا بنينا على مسلك حكم العقل فنقول:- إنه في المورد الذي نجزم من الخارج بأنه ليس بلازم فنحمله على عدم اللزوم فنقول إنَّ العقل لا يحكم باللزوم ، وأما في المورد الذي يجزم من الخارج على الكارهة أو على الاستحباب فأيضاً تصير الكراهة أو الاستحباب عقلياً لحكم العقل.

أما على مسلك الوضع الذي هو الصحيح حينئذٍ نقول:- إنه في المورد الذي نجزم فيه باللزوم مثل مورد الربا فنجزم بالحرمة ، وأما مثل الحمد إذا باع والذمّ إذا اشترى فهذا نجزم بأنَّ ارتكابه ليس بمحرم أو حفظ الانسان نفسه عنه ليس بواجب فإن هذا لا نحتمله أيضاً ولكن في الزائد على ذلك - أي المشكوك مثل القَسَم أو كتمان العيب - فحينئذٍ يبقى مجملاً ، أما على مسلك حكم العقل نحكم باللزوم فيه.

بقي شيء:- وهو أننا نقول إذن المدح نعرف من الخارج أنه ليس بمحرّم ولكن المقصود هو أنه مادام صادقاً ، وأما إذا كان كاذباً فهذه حرمة من جهة الكذب وهذا واضح ولا يُحتاج أن يقال.

ونضيف أيضاً:- ما إذا فرض أنَّ الطرف لم يطلب ذلك ، أما إذا طلب المشتري ذلك وقال للبائع هل هذا البرتقال مثلاً حلو أو لا والبائع ذكر له الواقع فهذا مستثنىً أيضاً ، فصحيحٌ أنَّ الرواية لم تستثنِهِ ولكن هذا منصرفٌ عنه ، لأنَّ الرواية تريد أن تقول أنت أيها البائع لا تمدح السلعة ابتدءاً أما لو طلب منك المشتري بيان ذلك فهذا بالعكس إذ لعله هو المستحب من باب أنَّ المؤمن هو الذي طلب منّي بيان الصفة ، فهذا المورد الرواية منصرفة عنه.

الأدب الثاني:- يكره كتمان العيب إذا لم يؤدِّ إلى غش.

وهذا الحكم تدل عليه روايتان أيضاً ، ولعله توجد روايات أخرى:-

الأولى:- نفس رواية السكوني المتقدّمة لأنه ورد فيها ( فليحفظ خمس خصال وإلا فلا يشترين ولا يبيعن ...... الربا والحلف وكتمان العيب ). فذكرت كتمان العيب.

الثانية:- وقد ذكرها صاحب الوسائل في نفس باب الروايتين المتقدمتين وهي ما نقله السيد ابن طاووس في كتاب الاستخارات عن أحمد بن محمد بن يحيى قال:- ( أراد بعض أوليائنا الخروج للتجارة فقال لا أخرج حتى آتي جعفر بن محمد عليه السلام فأسلم عليه وليستشريه في أمري هذا وأساله الدعاء لي ، قال:- فأتاه ...... فدعا له وقال عليه السلام:- عليك بصدق اللسان في حديثك ولا تكتم عيباً يكون في تجارتك ...... وإذا عزمت على السفر أو حاجة مهمة فأكثر الدعاء والاستخارة[4] فإنَّ أبي حدثني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعلّم أصحابه الاستخارة كما يعلّم السورة من القرآن )[5] .

الرواية وإن كانت ضعيفة السند ، لأنه يوجد فيه رفع ولكن مع ذلك من باب أنها مستحبات يتسامح فيها من هذه الناحية ، فإذن كلتا الروايتين تدلان على رجحان أن لا يكتم المؤمن العيوب.

وما المقصود من الكتمان ؟ فهل المقصود أنه يبرز أنها صحيحة ، فهو يفعل أشياءً توحي بأنَّ المبيع ليس بمعيب فهل المقصود من الكتمان هو هذا المعنى ، أو أنَّ المقصود منه هو عدم البيان ؟ الظاهر أنَّ المقصود هو الثاني ، وإلا لو فرض أنه صنع أشياء تخفي العيوب وتوحي بأنَّ المبيع صحيح وليس فيه عيب فهذا غشّ وهو محرّم ، فإذن نفسّر الكتمان بعدم البيان وهذا الشيء صعب على المؤمن وإذا لم يؤد إلى الغش فحينئذٍ الراجح البيان وعدم الكتمان مادام لا يؤدي إلى الغش ، ومتى لا يؤدي إلى الغش ؟ كما لو فرض أنه قال البائع لمشتري ( إنَّ المبيع هو هذا الموجود أمامك ) فهذا لا يؤدّي إلى الغشّ فحينئذ السكوت عن بيان العيوب لا يكون غشّاً ، نعم إذا صنع أموراً توحي بأنه سالم فهذا نحوٌ من الغش فيصير محرّماً ، أما السكوت فلا يؤدي إلى الغشّ فيكون مكروها وليس بمحرّم.

بقي شيء:- وهو أنَّ صاحب الشرائع(قده) لم يذكر هذا الأدب في الشرائع.

الأدب الثالث:- من المكروهات الحلف على البيع.

وقد ورد فيه روايات ، منها ما تقدم ، مثل الرواية الأولى حيث قالت:- ( فليحفظ خمس خصال وإلا فلا يبيعن ولا يشترين الربا ، والحلف .... ) ، مضافاً إلى أنه توجد روايات أخرى يمكن مراجعتها[6] .

ويمكن التمسّك أيضاً لكراهة الحلف بما دلّ على مرجوحية الحلف بشكلٍ مطلق ، لأنه توجد روايات متعددة نفهم منها أنَّ الانسان عليه أن يترك الحلف ويقلل منه مهما أمكن[7] .

الأدب الرابع:- كراهة البيع في المكان المظلم الذي يستتر فيه العيب بل كلّ ما كان كذلك[8] .

وقد دلت على هذا رواية هشام بن الحكم ، وقد رواها محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن هشان بن الحكم قال:- ( كنت أبيع السابري[9] في الظِلال فمر بي أبو الحسن الأوّل عليه السلام راكباً فقال لي يا هشام إنَّ البيع في الظلال غشّ والغشّ لا يحلّ )[10] .

ودلالتها واضحة ولابد من حمل الظلال على المثالية ، فإنَّ الامام عليه السلام قال له إنَّ البيع في الظلال غشّ من باب أنَّ العيب يستتر ولا يعرف ، فإذن كلّ مكانٍ لا يبين فيه العيب وإن لم يكن ظِلالاً يمكن للفقيه أن يحكم بالكراهة فيه ، ولذلك كان من المناسب للسيد الماتن(قده) التعبير عن هذا الأدب الرابع بشكل أخصر وأوضح فيقول ( يكره البيع في مكانٍ يستتر فيه العيب لظلمة أو غيرها ).


[1] الحمد والمدح واحد.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج17، ص383، ابواب آداب التجارة، ب2، ح2، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، ح3، ط آل البيت.
[4] والمقصود من الاستخارة هو طلب الخير من الله تعالى والاكثار من هذا الطلب.
[5] ح7، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، العاملين ج17، ص419 – ص423، ب25، ب26، من آداب التجارة.
[7] وسائل الشيعة، العاملي، ج23، ص197- ص202، من كتاب اليمين، ب1، 2، 3.
[8] يعني ولو المكان غير المظلم.
[9] السابري نوع من الثياب.
[10] وسائل الشيعة، العاملي، ج17، ص466، ابواب آداب التجارة، ب58، ح1، ط آل البيت.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo