< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/05/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شروط العقد ( الفصل الأول ) - المكاسب المحرّمة.

هذا ويمكن أن يعلّق على ما أفاده:-

أوّلاً:- إنه أخذ في التعريف في الضابط للبيع قيدين الأول نقل للمال بعوض ، والثاني لا تلحظ الخصوصية في العوض بل يلحظ بما هو مال بخلافة في المعوض فإنه تلحظ فيه الخصوصية ، وقبل أن نعلّق ندخل اصلاحاً جزئياً على ما أفاده (قده) لا أن نسجله إشكالاً ، إنما يسجل الاشكال فيما إذا كان الهدف هو التعريف ولابد وأن يكون جامعاً مانعاً ، فلا إشكال على التعريف بل هو اضافة اصلاح له ، فهو قال ( نقل مال ) ولو كان يبدل كلمة ( مال ) بكلمة ( عين ) فيقول ( نقل عين ) فإنَّ هذا أولى كما صنع الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب حيث فسّر البيع بـ( إنشاء تمليك عين بمال ).

ولماذا يكون التعبير بكلمة ( عين ) أولى من كلمة ( مال ) ؟

ذلك لأمرين:-

الأول:- إذا أخذنا تمليك المال فلازمه لا يصح البيع في غير الأموال مع أنه يصح البيع عند العقلاء على غير المال أيضاً كما مثلنا سابقاً من أنه لو كانت هناك صورة لوالدي موجودة عند شخص أو ورقة فيها خط والدي فأنا أشتريها منه فإنَّ هذه الورقة اعتز بها كثيراً ولكن هذا غرض شخصي لا يصيرها مالاً وهنا لا مانع من شرائها بقيمة كذا ، فهذا بيع ولا يشترط في البيع أنَّ يكون المتعلَّق له مالاً ، فلو كان يبدله بلفظ ( عين ) حتى يشمل صحة البيع على غير الأموال أي مطلق الأعيان كن أولى ، ولكن من الواضح إنه لابد أن يكون هناك أثر وفائدة عقلائية وإلا فسوف يصير بيعاً سفهياً بناءً على بطلان البيع السفهي - وهذا فيه كلام - ، فالأنسب أن يضيف قيد العين ، هذا من جهة.

ومن جهة ثانية هي أنه حتى تخرج الاجارة ، فإنَّ الاجارة أيضاً تمليك مال - وهو المنفعة - بعوض ، وبناءً على هذا التعريف سوف تدخل الاجارة ، فكان من المناسب أن يذكر لفظ ( عين ) بدل ( مال ) حتى لا تدخل الاجارة ويكون التعرف خاصاً بالبيع.

إذن الاشكال الأوّل الذي يرد على التعريف هو أنه أخذ قيدين ، ونحن نقول: لو كان يكتفي بالقيد الأوّل وحده لكان أجدر[1] فإنه كافٍ بلا حاجة إلى القيد الثاني[2] والعرف ببابك فإنه يكفي في صدق عنوان البيع أن يفترض أنه قد جعل هذا عوضاً عن هذا ، فمجرّد جعل هذا المال عوضاً - أي عوضية الثمن عن العين - من خلال الباء في ( بعتك هذا بهذا ) يكفي لتحقق البيع مادام قد قصد التمليك بجعل هذا عوضاً عن العين ، فحينئذٍ هذا يصدق عليه عنوان البيع بلا حاجة إلى ملاحظة الخصوصية.

فإذن حقيقة البيع تتحقق بهذا المقدار - يعني بجعل ذاك عوضاً عن هذه العين - فهو تمليكٌ بجعل المال عوضاً عن العين ، فإذا قصد التمليك بجعل المال عوضاً عن العين كان ذلك بيعاً ، نعم في الغالب تقصد الخصوصية في المثمن ولا تقصد في الثمن لكن هذه قضية غالبية لا أنها هي أساس الفرق.

ثانياً:- إنه بناءً على ما ذكره(قده) من اضافة هذا القيد يلزم أن نبقى نسير وراء قصد المتعاقدين ، فنسأله هل قصدت الخصوصية في العوض أو لم تقصدها ؟ فإن لم تقصدها كان ذلك بيعاً ، وإن قصدتها لم يكن ذلك بيعاً ، وهذا أيضاً مخالف للوجدان العرفي ، فلو فرض أني بعتك عباءة مثلاً بدينار وكان لهذا الدينار خصوصية كما لو كان هذا الدينار مهماً للبائع لأنه قد لامسته يد وليّ من أولياء الله مثلاً فسوف تصير خصوصية في هذا الدينار وقد قصد هذا الدينار لخصوصية فيه فيلزم على ما رأيه(قده) أنه لو قلت بعتك هذه العباءة بهذا الدينار أن لا يكون هذا بيعاً بل يصير مبادلة مستقلة ، لأنه قال إنه متى ما قصد الخصوصية كتبديل دارٍ بدار فهذا لا يكون بيعاً فيلزم أن تلتزم في بيع العباءة بهذا الدينار أن لا يكون بيعاً وإنما يكون مبادلة مستقلة ، وهكذا لو فرض أنَّ المبيع لم تقصد الخصوصية فيه وإنما قصد بما أنه مال ، كما لو فرض أني اشتريت منك العباءة لكن من دون وجود خصوصية في العباءة فإني اشتريتها لا لأجل أني أريد لبسها ولا غير ذلك وإنما لي في ذمتك مبلغاً من المال ولا استطيع استيفاؤه إلا من خلال هذا الطريق بأن آخذ العباءة بما هي مال ، فأنا ناظر إلى حيثية ماليتها لا حيثية العبائية فيها ، فعلى رأيه يلزم أن يكون هذا بيعاً لأنه لم تقصد خصوصية العباءة وإنما قُصِد خصوصية المالية ، وهذا لا يمكن الالتزام به ، وهكذا لو فرض أنه قُصِدت المالية في الاثنين معاً فيلزم أن لا يكون هذا بيعاً على رأيه ، وكذلك لو قصدت الخصوصية في كليهما فعلى رأيه لا يكون هذا بيعاً ، وهل تلتزم بذلك ؟ إنَّ هذا مخالف للوحدان العرفي.

إذن من المناسب أنَّ بيعيّة البيع تكون متوقفة على ( تمليك عين بمال ) - بباء العوضية أو باء المقابلة - ، أما أنَّ هذا تقصد ماليته وذاك تقصد خصوصيته فهذا ليس بدقيق ، بل حتى لو قصدت الخصوصية فيهما أو قصدت المالية فيهما فإنَّ هذا لا يؤثر على كونه بيعاً بل يبقى بيعاً ، وما ذكره هو صفة غالبية لا أنه صفة مقوّمة لحقيقة البيع.

إن قلت:- إنه بناءً على هذا لو جعلت الدينار مثمناً وقلت ( بعتك الدينار بالعباءة ) والذي كان المدار فيه على التعويص بباء المعاوضة والمقابلة فعلى ما ذهبنا إليه يلزم أن يكون ذلك بيعاً يعني سوف يصير المثمن والمبيع هو الدينار أما العباءة فسوف تكون هي الثمن ، لأنك تسير وراء باء المعاوضة فإذا وجدت فهذا يكون بيعاً وليس المهم هي الخصوصية ؟

قلت:- نعم لنلتزم بذلك ، فأيّ مانع من أن نقول بأنَّ الدينار صار مبيعاً ، فهذا بيع وقد بعت الدينار وجعلت الثمن العباءة وهذا لا محذور فيه ، وإذا كنا نستوحش من ذلك فهذا من باب أنه عادةً نحن نجعل الدينار ثمناً ولا نجعله مبيعاً ومثمناً.

نعم تبقى قضية:- وهي أنه في المورد الذي لا توجد فيه باء المعاوضة والمقابلة ماذا نصنع وكيف يتصوّر ذلك ؟ إنه يتصوّر في باب المعاطاة ، فإذا فرض أنَّ شخصاً دفع والآخر دفع فلا توجد باء المعاوضة وفرضنا أنَّ أحدهما لم يكن من النقود - لأنه لو كان أحدهما من النقود فقد يقال ينصرف إلى الحالة الغالبة فحينئذٍ يكون محكوماً بالبيع فيكون النقد ثمناً والعروض مثمناً -كما أنَّ أحدهما ليس متقدّماً على الآخر وإنما توجد مقارنة ولا توجد ألفاظ ولا يكون أحدهما نقداً وإنما الموجود هو أنه أعطاه شيئاً مقابل شيء ، كأن أعطاه الكتاب مقابل عباءة من دون ألفاظ ، فهنا ماذا نحكم على هذه المعاملة ؟

هذه قضية تعرض إليها الشيخ الأعظم(قده)[3] وذكر فيها أربعة احتمالات:-

الأوّل:- أن يكون كل واحد منهما هو بائع ومشتري .

الثاني:- أن يكون المتقدّم بالدفع يكون هو البائع والأخر يكون هو المشتري.

الثالث:- أن تكون نوعاً من المصالحة.

الرابع:- أن تكون معاملة مستقلة.

ورجح هو الاحتمال الثاني ، يعني أنَّ المدار على التقديم فأيهما يقدّم سلعته يكون هو البائع.

وذكر الشيخ النائيني(قده)[4] هذه القضية وقال:- الأنسب أن نقول إنَّ أحدهما لا بعينة يكون بائعاً والآخر لا بعينه يكون مشترياً - يعني الواحد غير المعين -.

والمناسب على ضوء ما ذكرناه:- هو أنه تكون هذه معاملة مستلقة ، لأننا قلنا إنَّ المدار في البيع على قصد العوضية والمبرز لقصد العضوية عادةً هو باء العوضية والمقابلة فإذا لم تكن الباء موجودة فالمناسب أن لا يكون هذا بيعاً وشراءً وإنما هي معاملة مستقلة فيشملها ﴿ أوفوا بالعقود ﴾.

ومنه يتضح مناقشة ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) ، مضافاً إلى أنه ذكر أنَّ الأوّل يكون بائعاً والثاني يكون مشتريا ً، ونحن نقول له إنَّ محل الكلام هو فيما إذا كانا متقارنين وألا سوف يكون ذلك قرينة على كون الأوّل بائعاً والثاني مشترياً ، فما ذكره مردود بما أشرنا إليه.

وأما ما ذكره الشيخ النائيني(قده) فنقول:- إنَّ الواحد لا بعينه لا وجود له واقعاً ، وكلّ موجود هو هو لا أنه هو لا بعينه فإن هذا مستحيل في حدّ نفسه.

فالمناسب أن تكون في هذه الحالة هي معاملة مستقلة.

والخلاصة من كل ما ذكرناه:- إنَّ المناط في صدق عنوان البيع هو لا قصد الخصوصية وعدم قصد الخصوصية ، وإنما المهم هو قصد العوضية بجعل أحدهما عوضاً عن الآخر.


[1] يعني يقول ( البيع عبارة عن تمليك عين بعوض ).
[2] وهو قوله ( بما أنَّ العوض مال لا لخصوصية فيه ).
[3] كتاب المكاسب، الأنصاري، تسلسل16، ص77.
[4] منية الطالب، النائيني، ج1، ص169.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo