< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/06/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 49 ) اشتراط الموالاة بين الايجاب والقبول - المكاسب المحرّمة.

ثم إنَّه يظهر من الشيخ النائيني(قده) تفسير الخلع واللبس بشكل آخر في تقريره الثاني[1] ، وحاصل ما ذكره:- إنَّ الخلع يتحقق من البائع بإيجابه فالبائع يخلع المبيع ويلبس ملكية الثمن له - أي البائع - ، فإذن هذا هو الفارق بين هذا التقرير وذاك ، فذاك التقرير كان يقول إنَّ البائع يخلع ملكية المثمن ويُلبِسُها المشتري ، أما في هذا التقرير يقول إن البائع يخلع عن نفسه ملكية المثمن ويُلبِس نفسه ملكية الثمن ، ثم يضيف ويقول إنَّ هذين بالنظر العرفي هما شيء واحد وليسا شيئين ، يعني على ما يراه العرف يرى أن البائع يقوم بعملٍ واحد وليس لعملين وهذا العمل الواحد إذا أردنا تحليله فهو يرجع إلى ما ذكرنا - يعني يخلع المثمن عنه ويلبس ملكية الثمن - ولكنه واحد عرفاً ، ولازم هذا أن لا يتأخر عن القبول عن الايجاب ، إذ لو تأخر يلزم من ذلك التعدد ، يعني سوف يصير خلع لملكية المثمن بلا لبس لملكية الثمن فافترقا وخرجا عن كونهما شيئاً واحداً في نظر العرف ، فإذن تحقيقاً لهذه الوحدة العرفية يلزم اتصال القبول بالإيجاب حتى يتحقق الخلع واللبس بنحو يكونان واحداً عرفاً ، قال(قده):- ( إنَّ المسبَّب في العقود المعاوضية عبارة خلع ولبس بمعنى أنَّ كلاً منهما يعطي شيئاً ويأخذ شيئاً آخر بحيث يكون مجموع الاعطاء والأخذ هو المسبَّب الواحد ومع الفصل بين الاعطاء والأخذ بما يخرج عن مصداق الواحد لا يعدّ مسبّباً واحداً بل هو اعطاء شيء مستقل وأخذ شيء آخر كذلك ).

إذن التفرقة بين تقرير المنية وبين تقرير شرح المكاسب ففي تقرقر المنية قلنا إنَّ الخلع يكون من البائع واللبس يكون للمشتري ، بينما في التقرير الثاني كلاهما في حقّ البائع ، ويوجد فارق ثانٍ هو أنَّ المحذور على الأوّل أنه لو تأخر القبول من المشتري فالبائع قد خلع الملكية وسوف تبقى معلّقة فلابد من الاتصال حتى لا تبقى معلّقة ، بينما على التقرير الثاني هو أنَّ خلع المثمن ولبس ملكية الثمن كلاهما من قبل البائع هما واحد عرفاً فإذا تأخر القبول لم تتحقق الوحدة العرفية بين الخلع واللبس.

ويرد عليه بعض ما أوردناه على القرير الأوّل:- فمثلاً المحذور الثاني لا على سيبيل الحصر وهو أننا قلنا إنَّ الخلع واللبس هل هو باعتبار البائع أو هو بلحاظ واعتبار الشرع المقدّس ؟ فإن كان بلحاظ اعتبار البائع فهو قد خلع وألبس في آنٍ واحد ، وإن كان بلحاظ الاعتبار الشرعي فالخلع واللبس يتحقق بعد تحقق القبول ، فليس هناك انكفاك في الخلع واللبس في اعتبار البائع أو في اعتبار الشرع ، فأين الانفكاك وأين صارت الملكية معلّقة ؟!!

وما أوردناه خامساً يأتي هنا أيضاً:- وهو أنَّ الشرع المقدس هل له حق أن يفرض رأيه أو لا ؟ فلو أراد أن يقول ( إنَّ الموالاة ليست بلازمة وليكن القبول متأخراً بمقدار ساعة أو ساعتين أو يوم أو يومين ) فهل نقول له إنه لا يمكنك ذلك لأنَّ الخلع لا ينفك عن اللبس ؟ إنَّ هذا غير مقبول ولا يقول به أحد ، بل نقبل بما يقوله الشرع.فإذن المتّبع هو الشرع ، فإن كان هناك دليل شرعي على اعتبار الموالاة أخذنا به وإن كان الدليل مطلقاً عملنا بالإطلاق فلا نقول بالموالاة ، وإن كان مجملاً فنرجع إلى ما تقتضيه الأصول والقواعد وهو استصحاب عدم ترتّب النقل الانتقال ، أما خلعٌ ولبسٌ وأنهما لا ينفكان فهذا لا يهمنا.

الوجه الرابع:- وهو للحاج ميرزا علي الايرواني(قده)[2] ، حاصله:- إنه تلزم المطابقة بين الايجاب والقبول ، والدليل على ذلك هو أنَّ القبول قبولٌ بالإيجاب فلابد وأن يطابقه ، فلو لم يتطابقا لم يكن قبولاً بالإيجاب ، وعلى هذا الأساس لو قال البائع ( بعتك الكتاب بدينار ) فهذا معناه أني نقلت لك الكتاب بدينار الآن - أي حين الايجاب - ، فإذا اتضح هذا نقول: إذا قال المشتري بعد ساعة ( قبلت ) فهذا القبول هل يكون قبول بتمام مضمون الايجاب أو قبولاً ببعضه ؟ فإن كان قبولاً بتمامه - يعني قبلت بالنقل المذكور في الحال - فيلزم من ذلك تحقق النقل والانتقال من حين الايجاب ، وهذا مخالف للضرورة الفقهية ، فإنَّ النقل والانتقال يصير بعد تحقق القبول لا بعده ، وإن كان قبولاً ببعض مضمون الايجاب لا بتمامه - وقصدنا من البعض يعني قبلت بأصل النقل المذكور دون قيد ( في الحال ) - فهذا يلزم منه أن لا يكون القبول مطابقاً للإيجاب وإذا لم يكن مطابقاً فلا يكون قبولاً.

فإذن المشكلة تولّدت من تأخر القبول عن الايجاب ، أما إذا لم يتأخر فلا يلزم الاشكال.

ثم قال:- إن قلت إنَّ هذا الاشكال نفسه يأتي لو اتصل القبول بالإيجاب ، إذ حينما يقول البائع ( بعتك الكتاب بدينار ) لا أقل تمرّ ثانية من الوقت حتى يقبل المشتري فحصل الفصل بين القبول والايجاب ، فنفس الاشكال يأتي هنا فيقال إنَّ هذا القبول إذا كان بتمام مضمون الايجاب فهنا يلزم تحقق النقل والانتقال قبل القبول – أي قبل هذه الثانية أو نصف الثانية - وهذا مخالفٌ للضرورة الفقهية ، وإذا فرض أنَّ القبول هو قبول ببعض مضمون الايجاب فيلزم أن لا يكون قبولاً.

أجاب وقال:- إنَّ هذا المقدار لا يضر بالمطابقة العرفية ، فهنا تصير مطابقة عرفية بسن القبول والايجاب ، يعني أنَّ هذا المورد الذي فيه فصلٌ بمقدار ثانية أو نصف دقيقة مثلاً هو يحسب بمثابة الاتصال بين الايجاب والقبول ، فبالتالي هو يقبل النقل في الحال ، وحينئذٍ تكون المطابقة متحققة.

 


[2] الحاشية على المكاسب، الميرزا علي الايرواني، علي الايرواني، ص100، تعليقة رقم 179.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo