< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/07/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- وقوع البيع بالمعاطاة - مسألة ( 51 ) - المكاسب المحرّمة.

مسألة( 52 ):- الظاهر وقوع البيع بالمعاطاة بأن ينشئ البائع المبيع بإعطائه المبيع إلى المشتري وينشئ المتري القبول بإعطاء الثمن إلى البائع . ولا فرق في صحتها بين المال الخطير والحقير . وقد تحصل بإعطاء البائع المبيع وأخذ المشتري بلا إعطاء منه كما لو كان الثمن كلياً في الذمة أو بإعطاء المشتري الثمن وأخذ البائع له بلا اعطاءٍ منه كما لو كان المثمن كلياً في الذمة......................................................................................................تشتمل المسألة على نقاط ثلاث:-

الأولى:- يصح البيع بالمعاطاة ، ومن الواضح أنَّ يقصد كل طرف بإعطائه الانشان ، وهذا موجود بشكلٍ قهري ، فحينما أعطيك الثمن فأنا قاصد للشراء وأنت حينما تعطيني المبيع فأنت قاصد للبيع أما إذا لم يكن قصد الانشاء ليس موجوداً فالمعاطاة لا تحقق البيع.

ويوجد شيء لم يتعرّض إليه السيد الماتن ونحن نشير إليه مسبقاً:- وهو أنه هل تصح بقية العقود بل الايقاعات مثل النكاح أو الطلاق بالمعاطاة ؟ ، هذا السؤال أو جوابه لم يتعرض إليه السيد الماتن هنا وإنما سيتعرض إليه في مسألة ( 54 ) ، فنحن نتكلم عن أنَّ المعاطاة تحقق العقد أو الايقاع في خصوص البيع أو في البقية ؟ هذا ما سنذكره فيما بعد ، أما الآن فسوف نتكلم عن البيع.

النقطة الثانية:- لا فرق بين الشيء الحقير وبين الشيء الخطير كأنَّ تشتري داراً.

النقطة الثالثة:- تصح المعاطاة بالاعطاء من طرف وإن لم يعط الآخر ، كما لو فرض أنَّ البائع أعطى المبيع ولكن الثمن كان كلّياً في الذمة ، أو بالعكس فالمشتري يدفع الثمن ولكن البائع لم يسلّم المبيع كما لو كان المبيع كلّياً في الذمة.

والمهم من هذه النقاط هي النقطة الأولى.

وقد تعرض الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب[1] إلى هذه المسألة ولكنه أطال فيها حيث أخذ ينقل كلمات الفقهاء ، وقبله ابتلي بذلك صاحب الجواهر (قده)[2] ، بينما سلك صاحب الحدائق(قده)[3] مسلكاً متوسطاً فلم يطل ولم يختصر ، وأما الشيخ النراقي(قده)[4] فقد أوجز الكلام.

والشيء الآخر الذي نريد أن نرشد إليه:- هو أنَّ الأحكام التي سوف نذكرها لا تدور على عنوان المعاطاة ، فإنَّ عنوان المعاطاة لم يرد متعلقاً لحكم في نصٍّ حتى نتعبّد بذلك ونقول هنا مثلاً لم تصدق المعاطاة فلا يجوز ، كما لو كان الاعطاء من الجانبٍ من دون الاعطاء من جانب آخر فهنا قد يقال بأنَّ المعاطاة لم تصدق لأنَّ الاعطاء صار من جانبٍ من واحد فكيف تحكمون بصحتها ؟!!

والآن السيرة جارية على أنَّ المعاطاة نطبقها حتى بالاعطاء من طرفٍ واحد ، كما لو قلت له ( أعطني كيلو سكّر وسأعطيك الثمن بعد يومين ) فهنا توجد معاطاة رغم أنَّ التعاطي من الطرفين ليس موجوداً ، والنكتة كما أشرنا إليها وهي أنَّ هذا المصطلح لم يرد متعلّقاً في النص حتى ندور مداره ، بل مدركنا مثلاً السيرة فإنَّها جارية الآن وفي الزمن السابق على المعاطاة بهذا النحو ، فأنت لا تسمِّها معاطاة ولكن بالتالي الاعطاء من طرفٍ واحد موجود ويتعاملون مع ذلك معاملة المعاطاة من الطرفين ، أو قد نتمسّك بـ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فنقول إنَّ هذا عقدٌ رغم أنَّ الاعطاء من الطرفين ليس بموجود.

والخلاصة:- إنه لا ينبغي أن ندور مدار صدق هذا المصطلح وهذا شيء واضح ، لأنه لم يؤخذ في مورد النص.

كما نلفت النظر إلى قضية جانبية أخرى:- وهي أنَّ المعاطاة تارة يقصد بها التمليك ، وأخرى يقصد بها الاباحة ، كما قسّم الشيخ الأعظم(قده) المعاطاة إلى ذلك في المكاسب ، ولكن حيث إنَّ المتداول عادةً بين الناس هو أنَّ المقصود بها التمليك دون الاباحة فنحصر كلامنا فيما قصد بها التمليك.

وأما القضية الأخرى فهي:- ما رأي علمائنا في مسألة المعاطاة ؟

ذكر الشيخ الأعظم(قد) أنَّ المشهور يقولون بإفادتها الاباحة إلا الشيخ المفيد فإنه خالف وقال هي مفيدة للملك بل وهي لازمة أيضاً.

يقول الشيخ الأنصاري(قده) استمر القول بالإباحة إلى زمن المحقق الثاني ومنه اشتهر القول بإفادتها التمليك ، ونصّ عبارته:- ( إنَّ المعروف بين علمائنا في حكمها أنها مفيدة لإباحة التصرف ويحصل الملك بتلف إحدى العينين وعن المفيد وبعض العامة القول بكونها لازمة كالبيع )[5] ، وقال بعد ذلك ( والمشهور بين علمائنا عدم ثبوت الملك بالمعاطاة وإن قصد المتعاطيان بها التمليك بل لم نجد قائلاً به غلى زمان المحقق الثاني الذي قال به ولم يقتصر على ذلك حتى نسبه إلى الأصحاب )[6] ، وهنا قال في العبارة ( بل لم نجد قائلاً به إلى زمان المحقق الثاني ) ، ولكن أليس المفيد(قده) قال إنها تفيد اللزوم كالبيع فهل معنى هذا أنها اباحة لازمة ؟ إنَّ هذا بعيد ، فإذن هذا نحوٌ من التدافع في كلام الشيخ الأعظم(قده).

وهناك قضية أخرى نلفت النظر إليها:- وهي إنه في باب المعاملة تارةً يشك في صحتها ، وأخرى يشك في لزومها ، ثم إنَّ الشك في الصحة على نحوين ، فتارةً يكون الشك في الصحة من ناحية الشك في الجزئية أو الشرطية كما في البيع نشك في صحته إذا كان بالمضارع لا بالماضي أو بالفارسية لا بالعربية أو بالمعاطاة لا بالتعاقد اللفظي هنا الشك شك في شرطية العربية أو الماضوية أو شرطية العقد وليس شكاً في أصل صحة البيع ، كلا فإنَّ البيع بلا إشكال معاملة صحيحة إنما نشك في شرطية العربية لتحقق البيع أو شرطية الماضوية أو كما شابه ذلك ، فإذن الشك هنا يكون الشك في الجزئية والشرطية ، وأخرى يكون الشك في أصل صحة المعاملة لا من ناحية الجزء أو الشرط وإنما أصل المعاملة نشك في صحتها وفسادها ، مثل معاملة التأمين على الحياة أو على الأموال أو مثل معاملة الاستصناع ، وهذا الاسم ليس متداولاً في كتبنا الفقهية وإنما المتداول عندنا هو الاجارة ، كما لو كان عندي خشب وقلت للنجّار أصنع لي منه كرسياً ، أو أن أقول له أصنع لي كرسياً من دون أن أعطيه خشباً ، فهذه المعاملة لا هي اجارة ولا هي بيع وقد يعبر عنها بالاستصناع ، فهل هذه المعاملة صحيحة أو فاسدة ؟ ، هذا شك في أصل صحة المعاملة ، ومن قبيل اجارة الرحم بأن تؤخذ بويضة من امرأة وتلقّح بحيمن زوجها ثم توضع في رحم امرأة أخرى مقابل أجرة فهل معاملة اجارة الرحم صحيحة أو لا ؟ ...... وهلم جرا، هذه معاملات يشك في أصل صحتها.

فإذن عرفنا أن الشك في المعاملة تارة يكون في أصل صحتها وأخرى في لزومها ، ثم إنَّ الشك في الصحّة تارةً يكون من ناحية الشك في الشرطية أو الجزئية كالعربية والماضوية لعقد البيع ، وأخرى يكون في أصل صحة المعاملة كما في الأمثلة المتقدّمة ، فإذن أنحاء الشك في المعاملة ثلاثة.لكن باب المعاطاة كما سوف نذكر أنَّ الشك في الصحة فيه هو من ناحية الشك في الشرطية - شرطية الألفاظ - وليس من ناحية الشك في أصل صحة المعاملة ، فإنه بيع ، وإنما الشك في صحته من ناحية فقدانه لعنصر الألفاظ ، هذا توضيح لا أكثر ، وسنبحث إن شاء الله تعالى الشك في اللزوم وأصالة اللزوم فيما بعد ، وكذلك سوف نبحث الشك في الجزئية الشرطية في مناسبةٍ بعد ذلك ، ولكني أشرت إليه هنا من باب الاطلاع لا أكثر.

أدلة افادة المعاطاة الملك:- هناك عدّة أدلة يستدلّ بها في هذا المجال:-

الدليل الأول:- ما أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) ، وهو التمسّك بالسيرة ، فإنَّ السيرة انعقدت على أجراء المعاملة بالمعاطاة وأيضاً جرت السيرة على أنها تفيد التمليك عندهم.

وهو لم يضف أيّ اضافات من هنا وهناك وإنما أبهم فقط ، ولكن أشكل في الاثناء بإشكالٍ حيث قال:- نحن نسلّم أنَّ هذه السيرة موجودة ولكن يحتمل أنها ناشئة من التسامح والتساهل.

ومن إشكال الشيخ الأعظم(قده) نفهم أنَّ السيرة التي كان يقصدها هي السيرة المتشرعية وليست العقلائية ، لأنه إذا كانت عقلائية فالعقلاء إذا جرت سيرتهم على هكذا شيء فلا معنى لأن تقول إنَّ هذا ناشئ من التسامح أو غير التسامح ، فالعقلاء قد جرت سيرتهم على ذلك والشرع سكت عنه فيدل ذلك على الامضاء ، فإذن لابد أن يكون مقصوده من السيرة هي سيرة المتشرعة ، فإذا كانت سيرة متشرعة فالمجال لهذا الاشكال موجود بأن يقال إنَّ المتشرعة جرت عادتهم على ذلك لكن هذا ناشئ من تسامح منهم فلا يمكن أن نقول إنَّ هذه السيرة متلقّاة من الشرع ، فإشكاله يصير له وجاهة هنا ، أما إذا كان مقصوده سيرة العقلاء فهذا الاشكال لا يتم ، فإذن نفس هذا الاشكال يصير منبهاً على أنَّ مقصوده هو سيرة المتشرعة ، ونصّ عبارته:- ( وذهب جماعة تبعاً للمحق الثاني إلى حصول الملك . ولا يخلو عن قوة للسيرة المستمرة على معاملة المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملك في التصرف فيه بالعتق والبيع والوطئ والإيصاء وتوريثه وغير ذلك من آثار الملك )[7] ، ثم أخذ يعرض أدلة أخرى من قبيل ﴿ أحل الله البيع ﴾ و﴿ إلا أن تكون تارة عن تراض ﴾ و ( الناس مسلطون على أموالهم ) ، وبعد أن أنهى هذه الأدلة رجع إلى السيرة وأخذ يناقشها فقال:- ( وأما ثبوت السيرة واستمرارها على التوريث فهي كسائر سيراتهم الناشئة عن المسامحة وقلة المبالاة في الدين مما لا يحصى في عباداتهم ومعاملاتهم وسياساتهم كما لا يخفى)[8] .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo