< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/08/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 51 ) وقوع البيع بالمعاطاة - المكاسب المحرّمة.

التوجيه الثاني:- إنَّ الآية الكريمة تثبت اللزوم للعقد الصحيح وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نتمسّك بها لإثبات الصحة ، فإنَّ الصحة مأخوذة في موضوعها ، يعني هي تريد أنَّ تثبت اللزوم للعقد الصحيح ، أما كيف نثبت أنَّ الصحة مأخوذة في مرحلة مسبقة في موضوع الآية الكريمة ؟

ذلك لبيانين:-

البيان الأوّل:- إنَّ المفهوم من الآية الكريمة هو ذلك ، يعني التصدي لإثبات اللزوم للعقد الصحيح فهي لسان حالها هو هذا وهو ( ما كان صحيحاً من العقد فأنا أقول أوفوا به فيلزم أن تثبت الصحة من الخارج أما أنا فلا اثبت الصحة ) ، وقد ادّعى السيد تقي القمّي(قده) هذا في مباني منهاج الصالحين.

والجواب:- إنَّ الآية قالت ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ولم تقل بالعقود الصحيحة يعني أثبتت وجوب الوفاء الذي هو بمعنى لزوم ترتيب الآثار على العقد فكل عقد يلزم ترتيب الآثار عليه إلى الأبد لأنه يوجد اطلاق أزماني ، وإذا كان وجوب الوفاء ثابت لذات العقد وأن كل عقد في الشريعة محكوم بوجوب الوفاء - هذا بالمطابقة - نستكشف بالالتزام أمرين وهما أنَّ كل عقد هو صحيح في الاسلام وفي منطق القرآن ، فمادام يلزم ترتيب الأثر عليه فهو صحيح ، وهذا مدلول التزامي ، فهو لم يؤخذ في اللفظ ، والمدلول الالتزامي الثاني أنه مادام يجب ترتيب الآثار عليه إلى الأبد - لا أنه في نصف الطريق - فهذا معناه أنه لازم ، فاللزوم والصحة معاً مدلولان التزاميان للآية الكريمة ، ومدلولها المطابقي أنَّ كل عقد هو محكوم بوجوب الوفاء يعني بلزوم ترتيب الآثار ، فكيف تقول إنَّ ( أوفوا ) يعني رتّبوا آثار اللزوم على العقد الصحيح ؟!! فإنَّ العقد الصحيح ليس مأخوذاً في اللفظ أبداً.

البيان الثاني:- أن يقال: إنَّ ( أوفوا ) بمعنى رتّبوا الآثار وحيث إنَّ ترتيب الآثار - أو وجوب ترتيب الآثار - يختص بالعقد الصحيح ، فإذن الآية الكريمة ناظرة إلى خصوص العقد الصحيح وأنَّ العقد الصحيح يجب الوفاء به.

والفرق بين البيانين:- هو أنَّ البيان الأوّل كأنه يريد أن يقول إنَّ اللزوم فرع الصحة فيلزم في المرحلة الأولى ثبوت الصحة حتى تثبت الآية الكريمة اللزوم ، وإلا فاللزوم لا يثبت للعقد غير الصحيح ، فاللزوم فرع الصحة ، أما البيان الثاني فهو ينظر إلى مسألة ترتيب الآثار وأن الآثار تنصبّ على الصحيح ومادامت تنصب على الصحيح فالصحة مأخوذة في مرحلة أسبق ، فحينئذٍ ملحوظ في الآية الكريمة أنَّ العقد في المرحلة الأولى لابد وأن يكون صيحا ً، إذ الآثار لا تترتب إلا على العقد الصحيح ، أما على البيان الأوّل فيقال إنَّ اللزوم لا يترتب إلا على القعد الصحيح.

ويردّه:- إنَّ الصحة ليست موضوعاً في الآية الكريمة للآثار ، بل نحن ننتزع الصحة من وجوب ترتيب الآثار ، فإذن الصحة مفهوم منتزع نحن ننتزعه لا أنه فرض في مرحلة مسبقة ، وصاحب هذا البيان يريد أن يجعل الصحة مأخوذة في موضوع وجوب الوفاء ، لأنَّ وجوب الوفاء عبارة عن ترتيب الآثار والصحة لا تثبت إلا للصحيح ، فالصحة ملحوظة في الآية الكريمة ، ونحن نقول: إنَّ الصحة معنىً منتزع ، فقد أُثبِتت الآثار لكل عقدٍ نحن من ترتيب الآثار لكلّ عقد ننتزع الصحة واللزوم.

إذن حصل خلطٌ بين كون الصحة مدلول انتزاعي وبين كونها هي الموضوع في الآية الكريمة - أي لوجوب الوفاء - ، فهي مدلول انتزاعي من جوب الوفاء لا أنها أخذت موضوعاً في مرحلة مسبقة لوجوب الوفاء.

التوجيه الثالث:- إنَّ الآية الكريمة بمدلولها المطابقي تثبت اللزوم لأنها قالت ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يعني يجب الوفاء ولا يجوز لك أن تتراجع بعد العقد وهذا معناه بالمدلول المطابقي أنَّ كل عقد محكوم عليه باللزوم ومن اللزوم ننتزع الصحة ، ثم نقول: هناك قاعدة أصولية وهي أنه ( إذا كان المدلول المطابقي ساقطاً عن الحجية فالمدلول الالزامي أيضاً يسقط عن الحجية فالمدلول الالتزامي تابع للمدلول المطابقي حجيةً )[1] فنأتي في المقام ونقول إن المدلول المطابقي للآية الكريم هو اللزوم ، وهذا المدلول المطابقي باطل في المعاطاة ، فإنَّ الشيخ الأعظم(قده) في مكاسب ادّعى اجماع الأصحاب على أنَّ المعاطاة لا تفيد اللزوم ولم يخالفه إلا الكركي - ولنسلّم بهذا الاجماع - ، فإذن هذا المدلول المطابقي بلحاظ المعاطاة، فإذا لم يكن حجة فلا يمكن أن تثبت الصحة ، لأنَّ الصحة هي المدلول الالتزامي ، فلا يمكن أن نثبت بالآية الكريمة صحة المعاطاة.

والجواب:- إنه قال إنَّ اللزوم مدلول مطابقي ، ونحن نقول:- من أين لك أنَّ اللزوم مدلول مطابقي ؟ ، إنما المدلول المطابقي هو كلّ عقد محكوم بوجوب الوفاء أي بلزوم ترتيب الآثار عليه ، فإذن إذا كان محكوماً بوجوب الوفاء ولزم ترتيب الآثار فنستكشف أنَّ كل عقد صحيح ولازم ، وهذا مدلول التزامي ، فاللزوم هو مدلول التزامي كالصحة لا أنه مدلول مطابقي ، والمدلول المطابقي هو وجوب الوفاء أي لزوم ترتيب الآثار لا أكثر ، وهذا المدلول المطابقي لم نعلم ببطلانه في المعاطاة ، وإنما الذي علمنا بطلانه هو اللزوم بالاجماع ، أما وجوب ترتيب الآثار فلم نعلم ببطلانه ، فإذا لم نعلم ببطلانه فإذن هذا التوجيه سوف يكون باطلاً لأنَّ أساسه باطل.

وبهذا فرغنا من دلالة ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ على صحة المعاطاة وقد اتضح أنها لا بأس بالتمسّك بها لإثبات الصحة باعتبار أنَّ الصحة مدلول التزامي لترتيب الآثار.

قضية جانبية:- إنَّ الآية الكريمة مذكورة في أوّل سورة المائدة وهي:- ﴿ يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلّي الصيد وأنتم حُرُم ...﴾ ، والسؤال ما هو ربط ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ مع ﴿ أحلّت لكم بهيمة الأنعام ﴾ ، فهل يوجد وجه لذلك أو لا ؟

قد يقول قائل:- لعل المقصود شيء يؤثر على الاستدلال بها ، يعني أنَّ المقصود من ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ معنىً آخر يتناسب مع ﴿ أحلّت لكم بهيمة الأنعام ﴾ ، وحيث لا نعرف ذلك المعنى فـ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ سوف تصير مجملة.


[1] وهذه هذه القاعدة تامة أو لا فهذا ليس مهماً ولكن ننحن نريد المنهجة العامة لهذا التوجيه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo