< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/10/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 54 ) – المكاسب المحرّمة.

وفيه:- إنه يمكن أن يقال إنَّ السائل لعله كان يسأل عن صيغة العقد لو أراد اجراءه بالصيغة والألفاظ فيسأل ويقول إذا أردت أن أعقد عليها بالعقد اللفظي - كما هو المتعارف - كيف أقول لها.

فإذن الرواية كما تحتمل وجود ارتكاز[1] يحتمل أيضاً أنَّها الرواية أجنبية عن مسألة الارتكاز وهو أنه إذا أردت أن أجري العقد اللفظي كما هو المتعارف فكيف اجراؤه باللفظ ؟ ، فإذن هي تحتمل كلا الأمرين فتصير مجملة ، وبالتالي لا يمكن التمسك بالبيان الأوّل- وهو حيثية الارتكاز - ، ولا بالبيان الثاني - وهو مفهوم الشرط - حيث يقال إنَّ الرواية تريد أن تقول ( إذا قالت نعم تحقق العقد اللفظي وصارت امرأتك وإذا لم تقل نعم لم يتحقق العقد اللفظي فلم تكن امرأتك ) ، فعلى هذا الأساس الرواية مجملة من هذه الناحية والاعتماد عليها بضرسٍ قاطع في استفادة اعتبار الصيغة بنحو التعيين محل إشكال ، والأمر إليك.

مضافاً إلى السند حيث قلنا إنَّ الشيخ الكليني رواها بسندين ينتهيان معاً إلى أبان بن تغلب ، ولكن في كلا السندين يوجد إبراهيم بن الفضل وهو لم يذكر في كتب الرجال ، فهو مهمل ، فإذن الاستناد إليها محل إشكال من حيث السند هذا إذا لم يكن في سند الرواية شخص آخر لم يوثّق ، ويكفينا واحد.

الرواية الثانية:- الشيخ بإسناده عن محمد[2] بن أحمد بن يحيى عن العباس بن معروف[3] عن صوفان[4] عن القاسم بن محمد عن جبير أبي سعيد المكفوف عن الأحول[5] ، والمشكلة في جبير بين أبي سعيد المكفوف فهو لم يرد اسمه في هذه الرواية وهو مهمل في كتب التراجم ، بل لم يذكر في الروايات إلا في هذا المورد ، وأيضاً القاسم متعدّد بين أشخاص ويكفينا التردد ، ولكن المهم أنه يكفينا جبير فإنه مهمل ، فعلى هذا الأساس لم يثبت اعتبار الرواية ، ونصّها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام قلت:- ما أدنى ما يتزوج الرجل به المتعة ؟ قال:- كفٌّ من بُرٍّ يقول لها زوجيني نفسك متعةً على كتاب الله وسنَّة نبيه نكاحاً غير سفاح على أن لا أرثك ولا ترثيني ولا أطلب ولدك إلى أجل مسمّى فإن بدى لي زدتك وزدتيني )[6] ، فهذه الروية قد يتمسّك بها وأن الامام عيّن الصيغة بهذا الشكل فيدل على تعيّن الصيغة الخاصة.

وفيه:- إنَّ السؤال هو عن أدنى المهر لا أدنى ما يحصل به التحليل وأنه هذا لا غير ، كلا بل أدنى المهر وهو هذا المقدار ثم بعد ذلك الامام عليه السلام بيّن الصيغة من باب أنه عادةً يكون التحليل المتعارف بيننا هو بالصيغة فذكر هذه الصيغة ، وحينئذٍ لا يمكن استفادة الحصر بذلك.

فإذن الرواية محل إشكال سنداً ودلالةً.

الرواية الأخرى:- الشيخ الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب الخزاز عن أبي بصير[7] عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( إذا دخلت بأهلك فخذ ناصيتها وستقبل القبلة وقل اللهم بأمانك أخذتها وبكلماتك استحللتها فإن قضيت لي منها ولداً فاجعله مباركاً .... )[8] .

وتقريب الدلالة:- إنها قالت ( وبكلماتك استحللتها ) وهذا يدل على أنَّ الاستحلال يقع من طريق الكلمات التي هي عبارة عن الصيغة الخاصة ، فإذن المعاطاة لا يتحقق بها النكاح.

والجواب:- بما أنه عادة يكون المحلل بيننا هو العقد اللفظي فيصدق أنه ( بكلماتك استحللتها ) ، وحينئذٍ هذا لا يدل على أنَّ التحليل ينحصر بخصوص الكلمات فإنَّ استفادة هذا شيء صعب[9] .

الرواية الأخرى:- الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى[10] عن أحمد بن محمد[11] عن أبن محبوب[12] عن أبي أيوب[13] عن بريد[14] قال:- ( سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله الله عز وجل " وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً " ، فقال:- الميثاق هو الكلمة التي عقد بها النكاح ..... )[15] .

وتقريب الدلالة:- هو أنها قالت:- ( الميثاق هو الكلمة التي عقد بها النكاح ) وهذا يدل على أنَّ النكاح ينعقد بتلك الكلمات.

وفي الجواب نقول:- إنَّ الرواية تشير إلى أنَّ الرجل يستطيع أن يأخذ قسماً من مهر الزوجة بالتراضي ، أما إذا أخذه من دون تراضٍ فهو لا يجوز ، لأنه في أثناء العقد كان يوجد اتفاق على أن يكون المهر لها مجاناً مقابل الزوجية لا أن يأخذ الزوج قسماً منه فيما بعد ، فالحديث يريد أن يشير إلى أنه كيف تأخذون قسماً من المهر وقد أخذن منكم ميثاقاً غليظاً أثناء العقد بأن يكون المهر لها مجاناً بأجمعه ؟!! ، وهذا لا يدل على حصر التحليل بالعقد ، بل من باب إنه عادة يكون النكاح بالعقد اللفظي والميثاق يكون في اثناء العقد اللفظي أما أنه ينحصر بالعقد اللفظي فاستفادة الدلالة على الحصر بالعقد اللفظي شيء صعب.

الرواية الأخرى:- علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن بكير[16] قال:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح ما كان بعد النكاح فهو جائز )[17] .

بتقريب:- أنَّ ( قبل النكاح ) و ( بعد النكاح ) لا يتصوّر إلا بوقوع لفظ.

وجوابه ما أشرنا إليه:- وهو أنه عادةً يكون هناك لفظ ، فلا يستفاد الحصر.

هذا مضافاً إلى أنه ( قبل النكاح ) و ( بعد النكاح ) يتصوّر من دون لفظ ، كما إذا فرضنا كان اجراء العقد بوضع اليد على الكتاب الكريم فالنكاح يتحقق بهذا ، فإذا كان قبل النكاح فلا يكون ممضياً ، أما إذا كان بعد النكاح فيكون حسب الاتفاق بينهما ، فالرواية تلتئم مع هذا أيضاً.

وبهذا اتضح أنَّ الروايات قاصرة أيضاً.

وقد يخطر إلى الذهن:- إنه بالتالي من دون عقدٍ لفظي نشك في تحقق الحلّية والنكاح والعقد فنستصحب عدم التحقق ، كفانا هذا لاعتبار الصيغة ، لأنه لو لم نجرِ الصيغة فهذا الاستصحاب موجود دائماً وهو ينفي تحقق الحلّية ، فنثبت اعتبار العقد اللفظي من خلال هذا الاستصحاب ، لأننا نشك في تحقق الحلّية والنكاح الشرعي من دون الصيغة.

والجواب:- إنه توجد عندنا وسيلة أخرى تبرز النكاح بحيث يصدق النكاح عرفاً ، فلو فرضا أنَّ قبيلةً ما كانت العادة عندهم أن يضع العروس والعريس يديهما على كتاب الله العزيز مثلاً فحينئذٍ صار هذا مبرزاً للنكاح ، فيصدق حينئذٍ النكاح عرفاً فيشمله حينئذٍ آيات النكاح وتقع به الحلّية ، وكذلك يشمله حديث ( النكاح سنَّتي ) وغير ذلك.

والأحسن أن يقال:- إنَّ الدليل على اشتراط العقد اللفظي في النكاح هو الارتكاز المتوارث ، فهناك ارتكاز في أذهان المتشرعة أنَّ النكاح يحتاج إلى لفظ ، ولذلك تجد أنه يصعب علينا أن نقول بصحته من دون لفظ ، وهذا يعني أنه يوجد ارتكاز يداً بيد في أذهان المتشرعة من الفقهاء والفضلاء على اعتبار الصيغة ، وهذا الارتكاز لابد أن يكون له منشأ وإلا صار من قبيل صدور العلول من دون علّة ، فإذن لابد وأن يكون قد وصل إلينا يداً بيد من معدن العصمة والطهارة.

إن قلت:- لعل المنشأ هو هذه الروايات ، ففقيه أخذ بهذه الرواية ، وفقيهة أخذ بتلك الرواية ، ولا تُجمِّع الارتكاز وتقول كلّ الفقهاء أخذوا بروايةٍ واحدةٍ فإنه هنا سوف تنجبر هذه الرواية ويكون استناد الأصحاب إليها مورث للاطمئنان بأنها صادرة ومعتبرة كلا بل إذا أردت أن تُشكِل فلابد أن تقول إنَّ شريحة منهم استندوا إلى الرواية الأولى وشريحة أخرى منهم استندوا إلى الرواية الثانية ..... وهكذا.

قلت:- إنَّ هذا الارتكاز قوي في الأذهان ولا يحتمل صدوره من هذه الرواية التي دلالتها ضعيفة وليس واضحة الحجية كوضوح الارتكاز فإنَّ هذا معناه صدور القوي من الضعيف وهو غير ممكن ، فإذن هذا احتماله ضعيف.

فإذن يحصل الاطمئنان للفقيه على اعتبار الصيغة اللفظية في تحقق النكاح بناءً على هذا الارتكاز فيفتي بلزومه ، أو لا أقل من الاحتياط الوجوبي.


[1] ولا نريد أن ننكر احتمال وجود الارتكاز كلا بل نقول إن السؤال فيها كما يتلاءم مع وجود ارتكاز على اعتبار اللفظ والسائل يسأل عن ذلك اللفظ الذي اعتباره مرتكز في الأذهان.
[2] محمد بن أحمد بن يحيى، فالأحمدان وهما أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد وأحمد بن محمد بن يحيى العطار فهؤلاء الأحمدان لم تثبت وثاقتها إلا بناء على شيخوخة الاجازة أما والد كل واحد من الأحمدان ثقة أما نفي الأحمدان لم تثبت وثاقتهما وكثيراً ما وردا في السند لأن الكثير من الروايات تروى بهذا السند يعين بدايته احد الأحمدين ولذلك وقع الفقهاء في مشكلة وهي أنه ماذا نصنع إزاء هذه الروايات الكثيرة اليت بدايتها أحد الأحمدين ولذلك مسألة يلزم حلّها وقد نتجت عن ذلك عدّة حلول، هذا إذا لم نبن على أن شيخوخة تكفي خصوصاً في المشايخ المشهورين وإلا فلا مشكلة في البين.، أما هذا الراوي فهو محمد بن أحمد فهو صاحب كتاب نوادر الحكمة وهو ثقة فمحمد بن أحمد بن يحيى غير أحمد بن محمد بن يحيى فلا يحصل الاشتباه، فإن الاثنان لم تثبت وثاقتهما أما محمد بن أحمد بن يحيى فهو صاحب نوادر الحكمة ( دبة شبيب ) فهو ثقة، وطريق الشيخ إلى محمد بن أحمد بن يحيى معتبر.
[3] فهو معتبر ايضاً.
[4] وهو معتبر ايضاً.
[5] ويقصد بالأحول أوب جعفر الأحول مؤمن الطاق وهو لا مشكلة فيه.
[7] والسند معتبر بأعلى الدرجات.
[9] وربما يجاب جواب آخر وهو أن ( الكلمات ) ذكرت لا من باب اشتراط الصيغة الخاصة وإنما من طريق كتاب الله تعالى وهذا احتمال لا بأس به.
[10] وهو الأشعري القمي وهو شيخ الكليني والذي يروي عنه الكليني ربع الكافي تقريباً وهو ثقة جليل.
[11] وهو أحمد بن محمد بن عيسى وهو ثقة جليل فإن محمد بن يحيى يكثر الرواية عن أحمد بن محمد بن عيسى، أو هو أحمد بن محمد بن خالد البرقي وهو ثقة أيضاً فلا مشكلة إذن.
[12] وهو السحن بن محبوب وهو ثقة.
[13] وهو أبي أيوب الخزاز وهو ثقة.
[14] وهو ثقة أيضاً.
[16] والسند كله معتبر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo