< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

35/04/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- تتمة التنبيه السادس، النبيه السابع ( ) / تنبيهات / الاستصحاب / الأصول العملية.
وأما الحالة الثانية – أعني ما إذا فرض أن الاصل الجاري أولاً لا يجري فيما بعد – فنمثل لها بمثالين:-
المثال الأول:- إذا فرض أن لدينا ثوباً متنجّساً وغسله شخصٌ تبرّعاً ثم شككنا في طهارته فهنا يجري أصلٌ لإثبات الطهارة وهو أصالة الصحّة في عمل الغير فكلّ إنسانٍ إذا عمل عملاً - والمفروض أنه يبالي - فظاهر حاله أنه يأتي بالعمل صحيحاً وقد جرت على ذلك السيرة، وهذا ما يعرف بأصالة الصحة في عمل الغير، فكل عملٍ إذا أجراه الغير يبنى على صحته . إذن نحكم بحصته والذي نتيجة هذه الصحة هي أن هذا الثوب طاهر ولكن المستند هو أصالة الصحة . ثم بعد فترةٍ شككنا هل أصابته نجاسة جديدة أو لا ؟ إنه في مثل هذه الحالة لا يأتي الأصل المتقدّم - أي أصالة الصحّة - في مرحلة البقاء . فإذن أصالة الصحّة يُتثبِت أن عمل الغير صحيحٌ أما الآن فنحن نشكّ في إصابة النجاسة فلا معنى لتطبيق أصالة الصحّة فهل يمكن جريان الاستصحاب آنذاك - يعني استصحاب تلك الطهارة التي ثبتت بأصالة الصحة – أو لا ؟
المثال الثاني:- ما إذا فرض أن لدينا ثوباً متنجّساً وكان في نفس الوقت لدينا ماءٌ طاهرٌ سابقاً ونشك الآن في تنجّسه - أي الماء - فغسلنا الثوب بذلك الماء الذي هو طاهرٌ سابقاً جزماً ونشك في بقاء طهارته، هنا نحكم على الثوب بالطهارة، ومنشأ هذا الحكم هو استصحاب طهارة الماء فإنه حينما يجري يُثبِت لنا طهارة الثوب بعد غسله به فإن من الآثار الشرعيّة لطهارة الماء هي طهارة الثوب المغسول فيه فالثوب سوف نحكم بطهارته لأجل استصحاب الطهارة في الماء، ثم بعد ذلك - أي بعد الحكم على الثوب بالطهارة ببركة استصحاب طهارة الماء - لو فرض أنا شككنا بعد يومٍ أو يومين هل أن هناك نجاسة جديدة أصابت الثوب أو لا ؟ إنه هنا لا يمكن التمسّك بذلك الأصل المثبت لطهارة الثوب سابقاً الآن - وهو استصحاب طهارة الماء - ؟ لأن ذاك يثبت أن الماء طاهرٌ ومن ثمّ يثبت أن الثوب قد طهر أما بعد ذلك لو أصابته نجاسة ما حاله ؟ إنه لا ربط له بذلك فهو يثبت فقط أن الثوب مادام قد غُسِل به فهو طاهرٌ وبعد ذلك لا يجري فذلك الاستصحاب لا ينفعنا في إثبات الطهارة . نعم إذا أردنا إثبات الطهارة فنحتاج إلى استصحابٍ جديدٍ يغاير الاستصحاب السابق فنقول إنه بعدما ثبتت طهارة الثوب باستصحاب طهارة الماء نثبت الآن طهارة الثوب بقاءً باستصحاب طهارة الثوب وليس باستصحاب طهارة الماء، فهذا هل يجري أو لا يجري ؟
والمناسب أنه هل يجري الاستصحاب في هذين المثالين وما كان على منوالهما أو لا ؟
الجواب:- نعم لا محذور في ذلك لأننا فسّرنا اليقين بالبيانين السابقين في ( لا تنقض اليقين ) بالحجّة، ومعلومٌ إن أصالة الصحّة في المثال الأول هي حجّة شرعيّة ثبتت بها طهارة الثوب، واستصحاب طهارة الماء في المثال الثاني حجّة شرعيّة أثبتت طهارة الثوب فطهارة الثوب حدوثاً قد ثبتت بحجّة شرعيّة هي إما أصالة الصحة أو استصحاب طهارة الماء فإذا شُكَّ بعد ذلك في بقاء ما ثبت سابقاً فلا يجوز رفع اليد عن الحجّة باللاحجّة وهذا معناه جريان الاستصحاب . إذن لا محذور من جريان الاستصحاب في الحالة الثانية في المثالين المذكورين، وهو شيء ظريف فالتفت إليه.
وبهذا نختم كلامنا في هذا التنبيه.
التنبيه السابع:- استصحاب الكلّي واستصحاب الفرد المردّد وغير المردّد.
المستصحب السابق تارةً يكون أمراً كلّياً وأخرى يكون فرداً، وعلى التقدير الثاني تارةً يكون ذلك الفرد الذي يراد استصحابه فرداً معيّناً وأخرى يكون مردّداً بين فردين أو أفراد، فهناك إذن انحاءٌ ثلاثة، والأوّل يعبّر عنه باستصحاب الكلّي، والثاني يعبر عنه باستصحاب الفرد المعين - أو الفرد من دون قيد المعيّن -، والثالث يعبّر عنه باستصحاب الفرد المردّد .
ولتوضيح الحال نذكر مجموعة نقاط:-
النقطة الأولى:- ما المقصود من الفرد ؟
ليس المقصود من الفرد الجزئي بالمعنى الحقيقي وإنما المقصود منه ما يكون أضيق من غيره فالأضيق يراد به ويعبّر عنه هنا بالفرد والأوسع يعبّر عنه أو يصطلح عليه بالكلّي . إذن المقصود من الفرد هنا هو الجزئي الاضافي بالمعنى المنطقي دون الجزئي الحقيقي، فمثلاً إذا شككنا أن الواجب هل هو الظهر أو الجمعة في زمن الغيبة فتارةً نستصحب وجوب الجمعة وهذا يعبّر عنه باستصحاب الفرد رغم أنه هو كلّي لأن المقصود من صلاة الجمعة هو الصلاة الكلّية لا هذه الصلاة بخصوصها بل صلاة الجمعة الكلّية هل هي واجبة في زمن الغيبة أو لا بقطع النظر عن كونها صادرة منّي أو منك، فالوجوب الذي يراد استصحابه إذن وجوبٌ كلّيٌ لأجل أن موضوعه كلّي ومادام الموضوع كلّياً فالحكم يكون كلّياً فاستصحاب وجوب الجمعة هو استصحابُ الفرد وهو استصحاب الجزئي رغم أنه هو في نفسه كلّي . أما إذا أردنا أن نستصحب أصل الوجوب بقطع النظر عن كونه للجمعة أو للظهر فنقول هناك وجوبٌ سابقاً كان ثابتاً ونشك في بقائه فنستصحب بقاءه فيصطلح عليه باستصحاب الكلّي . إذن استصحاب وجوب الجمعة واستصحاب أصل الوجوب كلاهما استصحاب للكلّي إلا أن استصحاب وجوب الجمعة هو استصحابٌ للفرد الضيّق فيعبّر عنه باستصحاب الفرد وذاك استصحاب للشيء الأوسع فيعبّر عنه بالاستصحاب الكلّي، وهذا هو المقصود من المصطلح المذكور فالتفت إلى ذلك وهو مطلبٌ واضح، ولعلّ الأصوليون لا يشيرون إليه لشدّة وضوحه.
النقطة الثانية:- نحن نعرف أن وجود الفرد عين وجود الكلّي في الخارج ولا يوجد وجودان أحدهما للفرد والآخر للكلّي إلا بناءً على ما ينسب إلى الرجل الهمداني - الذي التقى به ابن سينا في مدينة همدان وكان عزيز " غريز " المحاسن - حيث كان يقول بأن الكلّي له وجودٌ منحازٌ عن وجود الأفراد - أما أين هو موجود هل هو في السماء أو في الأرض أو في عالم المثُل أو غير ذلك فهذا مطلب ثانٍ - فبناءً على هذا يكون له وجودٌ مغايرٌ لوجود الفرد . بيد أن هذا رأيٌ باطلٌ ولا يحتمل تفوّه عاقل به، فوجود الفرد عين وجود الكلي ومادام عينه فكيف يصير الاستصحاب مرّةً للكلّي وأخرى للفرد بعدما كان وجودهما واحداً ؟!! إنه كيف نتصوّر ذلك ؟!! نعم على رأي الرجل الهمداني يكون استصحاب الكلّي عبارة عن استصحاب ذلك الوجود المنحاز - الموجود في السماء مثلاً - واستصحاب الجزئي استصحاب هذا الفرد الموجود على الأرض، أما بناءً على الرأي المعروف الذي يقول إن وجود هذا عين وجود ذاك كيف حينئذٍ نجري الاستصحاب – استصحاب الكلّي مرّةً واستصحاب الفرد أخرى – والحال هو شيء واحد ؟!!
ويظهر من الشيخ العراقي(قده) في مقام التفرقة بين استصحاب الكليّ واستصحاب الفرد أن استصحاب الكلّي عبارة عن استصحاب الحصّة فإن الكلي موجودٌ في الخارج بنحو الحصص، يعني هناك حصّة من كلّي الانسان ضمن زيد وهذه الحصّة نعبّر عنها بالكلّي فالكلّي هو عبارة عن الحصّة الموجودة في زيد، وهناك حصّة من الانسان في عمرو وحصّة في خالد ... وهكذا، فالكلّي موجودٌ في الخارج بنحو الحصص وزيد عبارة عن الحصّة زائداً المشخّصات، ومرّةً ننظر إلى الحصّة فيصير الاستصحاب استصحاباً للكلّي، وأخرى ننظر إلى الحصّة المشخّصة ضمن هذه المشخّصات فيصير ذلك استصحاباً للجزئي - للفرد - فالفارق بين استصحاب الكلّي واستصحاب الفرد هو هذا فاستصحاب الكلّي هو عبارة عن استصحاب الحصّة واستصحاب الفرد عبارة عن استصحاب الحصّة زائداً المشخصات - أي الحصة المشخّصة لا بقطع النظر عن المشخصات - . هكذا ربما يظهر من الشيخ العراقي(قده).
وهو(قده) بهذا قد ربط هذه مسألة استصحاب الكلّي والجزئي بمسألة فلسفيّة ترتبط بوجود الكلّي وأنه كيف يوجد الكلّي في الخارج ؟ ولازمه أنه لو انتهينا في يوم من الأيام إلى أن الكلّي في الخارج ليس موجوداً في الحصص بل الكلّي لا وجود له في الخارج وإنما الموجود هو أفراده فبناءً على هذا ماذا يصنع الشيخ العراقي ؟ يلزم على رأيه حينئذٍ لا يمكن التفرقة بين استصحاب الفرد واستصحاب الكلّي . إذن لا معنى لأن نربط هذه المسألة بتلك المسألة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo