< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

35/05/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- التنبيه التاســع ( تعــارض الاستصحــاب مــع غيــره ) / تنبيهات / الاستصحاب / الأصول العملية.
وبكلمة أخرى:- إن جريان الأصل المسبّبي فرع وجود موضوعه - أعني الشك المسبّبي - ووجود الشك المسبّبي فرع عدم جريان الأصل السببي ؛ لأنه لو جرى الأصل السببي فسوف يزيل الشك المسبّبي . إذن جريان الأصل المسببّي موقوفٌ على عدم جريان الأصل السببي، فإذا قبلنا بهذا فلا يمكن أن يكون الأصل المسببّي معارضاً للأصل السببي إذ لو عارضه صار وجود الأصل السببي موقوفاً على عدم جريان الأصل المسبّبي لأن جريان المعارض فرع عدم وجود المعارض الآخر وبذلك يلزم الدور، يعني إن جريان الأصل المسبّبي فرع عدم جريان الأصل السببي، وجريان الأصل السببي موقوفٌ أيضاً على عدم جريان الأصل المسبّبي، فصار جريان كلّ واحدٍ منهما موقوفاً على عدم الآخر وهذا يلزم منه الدور . إذن لا يمكن أن يكون الأصل المسبّبي معارضاً للأصل السببي وإلّا يلزم هذا المحذور.
وفيه:-
أوّلاً:- إنه(قده) استعان بمقدمات ثلاث والمقدمة الأولى يمكن الاستغناء عنها إذ ذكر فيها أن الشك المسبّبي متولدٌ من الشك السببي، إنها مقدّمة صحيحة ولكن لا نحتاج إليها فلو حذفت وذكرت المقدّمة الثانية والثالثة أمكن الوصول إلى النتيجة، وذلك بأن نقول:- إن الأصل المسبّبي متأخرٌ عن موضوعه - أعني متأخر عن وجود الشك المسبّبي -، ثم نقول في المقدّمة الثانية:- إن الأصل السببي حيث إنه يفني الشكّ المسبّبي فيصير الشك المسبّبي متأخراً عن الأصل السببي والأصل السببي يصير متقدّماً لا أنه فقط يكون الأصل السببي متقدّماً على الشك المسبّبي لأن الأصل المسبّبي قد فرضناه بمقتضى المقدّمة الأولى - والتي هي الثانية حسب ترتيبه هو(قده) - أنه متأخر عن الشك المسبّبي، ومادام متأخراً عنه فالأصل السببي المتقدّم على الشك المسبّبي يكون متقدّماً أيضاً على الأصل المسبّبي والأصل المسبّبي يصير متأخراً رتبة عن الأصل السببي.
ثم يكمل الموضوع ويقول:- فإذا كان الأصل المسبّبي متأخراً عن الأصل السببي فكيف يعارضه ؟! إن لازم معاضته أن لا يكون متأخراً رتبةً بل يكون مساوياً رتبة أو تقدّم الشيء على نفسه أو غير ذلك .
والمهمّ الذي أريد أن أقوله:- هو أن المقدّمة الأولى لو حذفناها فهذا البيان لا يتوقّف عليها . نعم نحتاج إلى المقدّمة الثانية لكي نثبت أن الشك المسبّبي متأخر رتبةً عن الأصل السببي، وبالتالي حتى في المقدّمة الثالثة أن الأصل المسبّبي الذي هو متأخرٌ عن الشك المسبّبي هو في الحقيقة متأخر رتبةً عن الأصل السببي، ففي المقدمة الثانية والثالثة نصل إلى الهدف المقصود بلا حاجة إلى الاستعانة بالمقدّمة الأولى، وهذه قضيّة فنيّة ليست مهمّة.
وثانياً:- إنه نسلّم أن الشك المسبّبي متأخّر رتبة عن الشك السببي وهما من حيث الرتبة ليسا في رتبة واحدة بل هما في رتبتين فإن ذاك بمثابة العلّة لهذا، ولكن من حيث الزمان هما متعاصران، فكلا الشكّين موجودان في زمانٍ واحدٍ وفي آنٍ واحدٍ غايته مع اختلاف الرتبة، وبعد وجودهما في زمانٍ واحدٍ فإطلاق حديث ( لا تنقض اليقين بالشك ) يكون صالحاً لشمولهما معاً ؛ إذ المفروض أنهما موجودان في زمانٍ واحدٍ، وقابلية شمول الاطلاق لشيءٍ أو لشكٍّ فرع تحقّق ذلك الشيء في زمان شمول الإطلاق له، والمفروض أن الزمان واحدٌ للشكّ السببي والشك المسبّبي واختلاف الرتبة لا يمنع من صلاحية شمول الإطلاق لهما، فبالتالي يعود التساؤل من جديد وأنه بعد وحدة الزمان لماذا إطلاق ( لا تنقض اليقين بالشك ) يشمل الشك السببي أوّلاً دون الشك المسبّبي ؟! إنه نحتاج إلى نكتةٍ أخرى غير مسألة اختلاف الرتبة فإن اختلاف الرتبة لا يمنع من شمول الإطلاق لكلا الشكّين . وهذا من أحد النوافذ التي تسرّبت منها الفلسفة إلى علم الأصول تسرّباً مرفوضاً، وإذا كان بعض الإخباريين ينكر على الأصول فهذا الانكار وجيه في هذه المساحة فإن إدخال الفلسفة إلى علم الأصول ولّد لنا هذه النتيجة وهي أنه حينما نتعامل مع الإطلاق لا نلحظ وحدة الزمان بل نشترط وحدة الرتبة أيضاً، والحال أنه في مسألة الاطلاق - الذي هو قضيّة عرفيّة - يلزم فيه وحدة وجود الشيئين في زمانٍ واحدٍ - أي يلزم أن يكون زمانهما واحداً - ولا يلزم أن تكون الرتبة واحدة، وهذه مناقشة لروح الفكرة وليس لتفاصيها.
وخلاصة هذه المناقشة:- هي أن الاطلاق فرع وحدة الزمان وليس فرع وحدة الرتبة.
الوجه الرابع:- إن الأصل إذا جرى في الماء وثبتت طهارته تحقّق بذلك موضوع الدليل الاجتهادي، فإنه يوجد عندنا دليل اجتهادي يقول إذا غسل الثوب النجس بالماء الطاهر فقد طهر - فإن هذا نستفيده من الروايات بلا إشكال - فموضوع حصول طهارة بالماء أمران غسل الشيء بالماء وأن يكون الماء طاهراً، وأصل الغسل ثابت بالوجدان، وطهارة الماء ثابتة بالاستصحاب، فتمّ بذلك موضوع الدليل الاجتهادي، ومعه لا يجري استصحاب نجاسة الثوب لأجل وجود الدليل الاجتهادي، ومع وجود الدليل الاجتهادي على طهارة الثوب لا تصل النوبة إلى الدليل الفقاهتي - أعني استصحاب نجاسة الثوب -، إن وجه تقدّم الاستصحاب في طهارة الماء هو أنه بجريانه يلتئم جزءا موضوع الدليل الاجتهادي، فبالدليل الاجتهادي نُثبِت طهارة الثوب، ومعه لا يجري استصحاب نجاسة الثوب لأجل أن الاستصحاب لا يعارِض الدليل الاجتهادي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo