< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/05/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تتمة التنبيه الخامس ، المفاهيم تنبيهات

بينا في نهاية المحاضرة السابقة فائدة علمية جانبية ، وذكرنا أنه في مورد الشك في أنَّ هذا ذهب أو ليس بذهب وحرير أو ليس بحرير ومما لا يؤكل لحمه أو لا فهنا نتمكن أن نجري أصل البراءة من المانعية أي من مانعية لبس هذا ، لأننا قلنا إنَّ المانعية انحلالية بعدد الأفراد ، فكما في مسألة حرمة شرب الخمر ، فحرمة شرب الخمر انحلالية فهي تنحلّ في عالم المجعول إلى أنَّ هذا الفرد إن كان خمراً فهو حرام وذاك الفرد إن كان خمراً فهو حرام .... وهكذا ، فلو فرض أنه كان يوجد عندنا عشرة أفراد من الخمر فالحرمة سوف تصير عشرة حرمات ، والقرينة على كون الحرمات عشرة وليست حرمة واحدة هي أنه لو فرض أنَّ المكلف شرب الخمر وانتهى ثم بعد ساعة شرب مرّة أخرى فسوف نعاقبه مرة ثانية وهكذا في المرة الثالثة وهذا يدل على أنَّ الحرمات تتعدد بتعدد أفراد الخمر في الخارج وإلا لا معنى لتعدد العصيان ، فنفس تعدد العصيان شاهد صدقٍ على أنَّ الحرمات متعددة ، ، فكما تنحلّ حرمة شرب الخمر إلى أفراد متعددة بعدد أفراد الخمر كذلك نقول تنحلّ المانعية أيضاً ، فحينما يقال لا تصلَّ في الحرير فهذا النهي ينحلّ بعدد أفراد الحرير ، يعني تصير الصلاة مقيّدة ، فتجب عليك الصلاة بعدم لبس هذا الحرير ، ومقيدة بعدم لبس هذا ب الحرير الثاني .... وهكذا ، فلو كانت هناك عشرة أفراد من الحرير فالحرمات سوف تصير عشرة ، فإذا كان هناك لباساً آخر غير العشرة لا نعلم أنه حرير أو لا فهذا شك في تقييدٍ جديد إذ نشك أنَّ ذمتنا اليوم هل اشتغلت بالصلاة مقيّدةً بعدم لبس هذا الثوب الحادي عشر أو لا فنجري أصل البراءة من الصلاة المقيّدة بذلك ، وسوف تصير النتيجة هي أنه يجوز لك الصلاة في هذا الثوب ، ولذلك النكتة في مسألة الحزام فإنه يقال بجواز لبس المشكوك منه هي هذه ، فبالتالي مادام هو مشكوك كونه من حيوان لا يؤكل لحمه فسوف يصير المورد من الشك في التقييد الزائد ، يعيني نشك هل اشتغلت ذمتنا بالصلاة المقيّدة بعدم لبس هذا أيضاً أو لا ؟ وهذا شك في الاشتغال الزائد فنجري البراءة.

والذي أريد أن أقوله: إنه قد يقول قائل: أنت أبرزت قرينة على التعدد والانحلال في مثال الخمر والقرينة هي تعدد الاطاعة والعصيان بتعدد الأفراد ، فبلحاظ هذا الفرد لو شربه يكون عاصياً وأما بلحاظ الفرد الثاني سوف يكون مطيعاً ، فإذا لم يشرب الفرد الثاني فسوف نقول له أحسنت على عدم شرب الفرد الثاني ولكن نعاقبه على شرب الفرد الأوّل ، فتعدد الاطاعة والعصيان هذا يدل على الانحلال وهذه قرينة جيدة ، ولكن في الحرير عليك أن تبرِز لي قرينةً على الانحلال ؟ فكيف تثبت أنَّ الصلاة تتقيّد بعدد أفراد الحرير خارجاً حتى يكون المورد عند الشك في أنَّ هذا حرير أو ليس بحرير من الشك في اشتغال الذمّة بقيدٍ زائد ؟

الجواب: إنَّ الأحكام الشرعية مجعولة بنحو القضايا الحقيقية لا القضايا الخارجية ، يعني حينما يقال الخمر حرام فإذا كانت حقيقية يعني هذا الشيء إن كان خمراً فهو حرام وذاك الشيء إن كان خمراً فهو حرام .... ، فحينئذٍ إذا كان هذا الفرد مشكوكاً أنه خمر أو لا فسوف تأتي القضية الحقيقة هنا وتقول هذا الفرد إن كان خمراً فهو حرام وأنا لا أعلم أنه خمر فأجري البراءة لأنَّ الحرمة مشروطة بـ( إن كان ) لأننا قلنا إنَّ القضية حقيقية وليست خارجية.

ونفس الشيء يأتي في لبس الحرير في الصلاة ، فالصلاة حينما تكون مقيّدة بعدم لبس الحرير يعني إن كان الثوب حريراً فالصلاة مقيّدة بعدم لبسه ، فعلى هذا الأساس إذا شككنا في أنَّ هذا حرير أو لا فهذا شك في التقييد الزائد فنجري البراءة ، وهذه نكتة داخل نكتة وهي نافعة.

 

المفاهيم

وفي المقدمة نتحدث عن قضيتين:

القضية الأولى: ما هو المفهوم بشكل كلّي ؟ وليس المقصود مفهوم الشرط وإنما ما هو المفهوم بشكلٍ عام ؟

القضية الثانية: ما هي الأركان التي يعتبر توفرها في الكلام حتى يثبت المفهوم ؟

القضية الأولى: المفهوم بشكل عام.

ذكر الشيخ النائيني(قده)[1] [2] أنَّ المفهوم مدلول التزامي بنحو اللزوم البيّن بالمعنى الأخص[3] ، فهو أخذ عنصرين الأوّل أن المدلول التزامي ، والثاني أن يكون اللزوم بيّناً بالمعنى الأخص ، وأضاف السيد الخوئي(قده) شيئاً آخر على ما ذكره الشيخ النائيني(قده) فقال ( أو بالمعنى الأعم )[4] .

والفارق بين أقسام اللزوم هو أنه مرة يفترض أن تصوّر طرفٍ يوجب تصوّر الطرف الثاني رأساً مثل العمى والبصر ، فإذا تصوّرت العمى فقد تصوّرت البصر شئت أم أبيت ، لأنَّ العمى هو عدم البصر ، فإذا تصوّرت العمى يعني عدم البصر فقد تصوّرت البصر ، وهذا لزوم بيّن بالمعنى الأخص ، يعني تصور أحد الشيئين يوجب تصوّر الشيء الثاني ، وأخرى يفترض أنه يحتاج إلى تصوّر الشيء مع النسبة وحينئذٍ يصدِّق بالحكم من دون حاجة إلى دليل ، مثل الكل أكبر من الجزء ، فتصوّر الكل لا يوجب تصوّر الجزء ولا تصوّر الجزء يوجب تصوّر الكل ، ولوحدهما لا يكفيان للحكم بأنَّ الكل أكبر من الجزء ، فلو تصوّرت الكل ثم تصوّرت الجزء من دون أن تتصوّر النسبة فسوف لا تحكم ، أما إذا تصوّرت النسبة فسوف تحكم وهذا يصير لزوماً بيناً بالمعنى الأعم ، وفي بعض الحالات تصوّر الطرفين مع النسبة لا يكفي للحكم إلا مع قيام الدليل على ذلك أما من دون الدليل فلا يحكم ، من قبيل أن نقول ( الله عزّ وجلّ هو خالق العالم ) ، فمجرّد تصوّر الأطراف لا يكفي إنما يحتاج إلى دليل ، والدليل مثلاً العلّة والمعلول فإنه إذا كان صدفةً فهو يلزم وجود المعلول بلا علّة أو دليل النظام أو غير ذلك ، فمجرّد التصوّر وحده لا يكفي ، وهكذا في ( مقدمة الواجب واجبة ) فإذا تصوّرنا المقدّمة وتصوّرنا الواجب وتصوّرنا الحكم وهو أنها واجبة فهذا لا يكفي وحده للجزم إلا إذا أتيت بشيء آخر وهو حكم العقل بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته ، فإذا لم تنظر إلى هذا الدليل فسوف لا تحكم ، وهكذا في ( الأمر بالشيء يقتضي حرمة ضدّه ) فمجرد تصوّر هذه الأطراف لا يكفي إلا مع الدليل والدليل هو حكم العقل بالملازمة بين وجوب الشيء وحرمة ضدّه.


[3] لأننا نعرف أن اللزوم إما بين بالمعنى الأخص أو بين بالمعنى الأعم أو غير بين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo