< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/08/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- استصحاب العدم الأزلي.

ومن الروايات الوارد في كتاب القضاء والتي تدل على أن الراوي يجوز له أن ينقل بالمعنى ما يلي:-

الرواية الأولى:- الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى عن محمد بالحسين عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن محمد بن مسلم قال:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام :- أسمع الحديث منك فأزيد وأنقص ، قال:- إن كنت تريد معانيه فلا بأس )[1] ، وهي معتبرة السند.

الرواية الثانية:- ما رواه دود بن فرقد قال:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- إني أسمع الكلام منك فأريد أن أرويه كما سمعته منك فلا يجيء ، قال:- فتَعمَّد ذلك[2] ؟ فقلت:- لا ، قال:- تريد المعاني ؟ قلت:- نعم ، قال:- فلا بأس )[3] ، ودلالتها واضحة كالسابقة في أنَّ النقل بالمعنى لا محذور فيه.

عود إلى صلب الموضوع:- وهو أنه كان كلامنا مع الشيخ العراقي(قده) الذي فصّل بين أن يكون وصف القرشية مثلاً قد أخذ في التشريع في طول المرأة وبين ما إذا أخذ في مرحلة ذات المرأة لا وجودها ففي الأوّل لا يجري استصحاب العدم الأزلي لما أشرنا إليه ، وفي الثاني يجري استصحاب العدم الأزلي لما أشرنا إليه.

عوارض الوجود وعوارض الماهية:-

إنَّ للشيخ العراقي(قده) في نهاية الأفكار[4] تفصيلاً بلحاظ الشق الثاني من التفصيل المتقدّم ، فإنه في التفصيل المتقدّم كان الشق الثاني هو أنه إذا أخذ وصف القرشية أخذ في مرحلة ذات المرأة فيجري استصحاب العدم الأزلي ، فهو في هذا الشق يريد أن يقول الآن يجري استصحاب العدم الأزلي لكن لا مطلقاً بل إذا كان ذلك الوصف من عوارض الوجود دون ما إذا كان من عوارض الماهية.

وتوضيحه:- إنَّ العوارض على قسمين عوارض تطرأ بسبب الوجود ومن ناحية الوجود بحيث لو قطعنا النظر عن الوجود لا تكون عارضة وطارئة ، مثل كون الشخص أبيضاً أو أسمراً ، هذا من عوارض الوجود ، فمن هو موجود يكون بعد وجوده أبيضاً أو أسمراً لا أنَّ البياض من ذاتيات الشيء كلا وإنما بعد وجود الشيء يطرأ عليه ، وهكذا الحال بالنسبة إلى صفات كثيرة كالفقر والغنى ، فبعدما يوجد الشخص يكون غنيّاً أو فقيراً لا أنه من صفات ولوازم الذات ، والشيء الكثير من هذا القبيل ، وفي المقابل هناك عوارض الماهية ، يعني أنَّ الماهية في حدّ ذاتها هي متصفة بها بقطع النظر عن وجودها ، كالإمكان وكالزوجية والفردية للأعداد فإنَّ الإمكان من لوازم الذات ، فكل ذات حتى لو قطعنا النظر عن وجودها تتصف بالإمكان ، فوصف كونها ممكنة الوجود لا يتوقف على وجودها بل هي في حدّ ذاتها ممكنة ، والعدد مثل الثلاثة فهي في ذاتها فرد سواء وجدت الثلاثة أو لم توجد ، وهكذا الأربعة زوج فهي في ذاتها زوج وجدت في الخارج أو لم توجد ، فهي من لوازم الذات.

فإذا صار هذا واضحاً فالشيخ العراقي(قده) يقول:- إنه في مورد جران استصحاب العدم الأزلي - وذلك المورد كما قلنا هو إذا أخذ الوصف في مرحلة الذات ولم يؤخذ في طول الوجود - قلنا يجري استصحاب العدم الأزلي ، والآن نستدرك ونقول: إنه يجري بشرط وهو أن يكون من عوارض الوجود دون ما إذا كان من عوارض الماهية ، كالقرشية مثلاً التي محل كلامنا فهي من عوارض الوجود ، فبعد أن تنعقد نطفتها حينذاك تتصف بالقرشيّة أو بعدم القرشية أما قبل أن توجد فالإنسان ليس في ذاته قرشي أو غير قرشي بل بعد انعقاد نطفته يصير حينئذٍ قرشيّ أو غير قرشي ، فإذن القرشيّة من عوارض الوجود ، فإذا كانت من عوارض الوجود فسوف يجري فيه استصحاب العدم الأزلي مادام أخذ وصف القرشيّة في مرحلة الذات لا في طول الوجود الخارجي ، فإذا أخذ في مرحلة الذات بأن قال الدليل في مرحلة التشريع ( المرأة القرشية تحيض إلى ستين ) - ليس ( المرأة الموجودة ) - فهنا يمكن اجراء استصحاب العدم الأزلي لتوفّر كلا الشرطين ، فإنَّ الشرط الأوّل متوفر حيث إنَّ وصف القرشيّة أخذ في مرحلة ذات المرأة لا في مرحلة وجودها - هكذا افترضنا الدليل وهكذا فرض في عالم الجعل - ، والشرط الثاني متوفر أيضاً باعتبار أنَّ وصف القرشيّة من عوارض الوجود وليس من عوارض الماهية فيجري استصحاب العدم الأزلي.

أما إذا كان الوصف من عوارض الماهية فلا يجري استصحاب العدم الأزلي ، والنكتة واضحة باعتبار أنه قبل تحقق الوجود لا يوجد عدم أزلي متيقّن لهذا الوصف حتى يستصحب ، فمثلاً الزوجية لا يمكن استصحابها كما إذا شكننا في أنَّ العدد الذي وجد فالآن زوج أو فرد كما لو علمنا بأنه وجد عدد كأن أعطانا شخص إما ثلاث أو أربع برتقالات وأنت تقول عددها ثلاثة وأنا أقول عددها أربعة وأنا أقول هي زوج وأنت تقول هي فرد فهل نستطيع أن نجري استصحاب العدم الأزلي فنقول هذه البرتقالات قبل وجودها لم تكن ذاتها موجودة ولم تكن صفة الزوجية موجودة أيضاً وبعد ذلك وجدت الذات ونشك في تحقق صفة الزوجية فنستصحب العدم الأزلي للزوجية ؟ ، وهكذا الحال بالنسبة إلى الفردية فهل هذا يمكن ذلك أو لا - ولا تقل توجد معارضة بل أنا أريد أن أقول إنَّ الاستصحاب بنفسه لا يجري بقطع النظر عن المعارضة - ؟ كلا لا يجري الاستصحاب ، والوجه في ذلك: هو أنه قبل وجود هذا العدد لا يمكن أن نقول إنه هو لم يكن في ذاته زوجاً لأنَّ الزوجية من لوازم ذات هذا الشيء فلا توجد حالة سابقة متيقنة العدم ، فإنه إن كان زوجاً فهو زوج في ذاته ، فالأربعة هي زوج في ذاتها وجدت أو لم توجد فإن الأربعة حتى قبل وجودها هي زوج والثلاثة حتى قبل وجودها هي فرد فبقطع النظر الوجود هي فرد ، فلا يمكن أن تقول إنها قبل وجودها لم تكن زوجاً حتماً ، وكيف لا تكون زوجاً حتماً ؟!! بل هي في ذاتها إذا كانت أربعة فهي زوج وإن كان ثلاثة فهي فرد في ذاتها ، فلا توجد حالة متيقنة العدم سابقاً حتى يجري استصحابها.

وهكذا الحال بالنسبة إلى الإمكان ، فلا يمكن أن يقال إنَّ هذا الشيء المشكوك لم يكن موجوداً ولم يكن إمكانه ، فنقول لك: إنَّ هذا غير صحيح بل هو ممكن قبل وجوده لا أنَّ إمكانه يتوقّف على وجوده حتى تكون عندنا حالة متيقنة سابقة وهي عدم الإمكان ، فإذن في لوازم الماهية لا توجد حالة عدمية سابقاً هي متيقنة لأنَّ المفروض أنَّ الشيء في ذاته وبقطع النظر عن وجوده هو متّصف بهذه الصفة ، فلا معنى لأن يجري الاستصحاب بعد عدم وجود حالة سابقة متيقنة يمكن استصحابها.

وممّن اختار هذا التفصيل تلميذه السيد الحكيم(قده) ، وبنى عليه في المستمسك بعض الفروع ، فمثلاً في مسألة كرّية الماء الموجود فلو شككنا أن هذا الماء كرّ أو ليس بكرّ فإن أمكن استصحاب العدم النعتي فنجريه ، كما لو فرض أنَّ الماء كان أقل من الكرّ ولكن شككنا هل حصلت له إضافة وصار كرّاً أو لا فهذا متّصف بالعدم النعتي لأننا نشير إليه ونقول سابقاً كان هذا الماء موجوداً وكان متصفاً بعدم الكرّية فنستصب الآن الاتصاف بعدم الكرّية ، ولكن لو فرضنا أنه مشكوك من البداية كما لو فرض أن اغترفنا بقِدرٍ كبير غرفة واحدة من النهر وشككنا أنَّ ما فيه بمقدار الكرّ أو لا لأننا لا نعلم أنه هل يسع الكرّ أو لا فهنا استصحاب العدم النعتي لا يمكن اجراؤه لأنه لا توجد حالة سابقة وجودية متّصف فيها بعدم الكرّية بل هو من حين وجوده مشكوك الكرّية فماذا نصنع حينئذٍ ؟

قال جماعة من الفقهاء:- نستصحب العدم الأزلي فنقول إنه قبل تحقق ذات هذا الماء لم تكن ذاته موجودة كما لم يكن وصف كرّيته موجوداً فنستصحب عدم الكرّية السابق على الوجود الذي هو عدم أزلي فنثبت أحكام عدم الكرّية ، وهذا هو اقتراح لكثيرٍ من الفقهاء ، ولكن السيد الحكيم(قده) قال في المستمسك: إنَّ هذا الاستصحاب لا يجري ، لأنَّ هذا الاستصحاب هو استصحاب لعدم الكرّية والكرّية يمكن أن نقول هي من لوازم أو عوارض الماهية ، فإنَّ الكرّية هي سعة في ذات الماء - أي من صفات ذات الماء - فعلى هذا الأساس هي صفة لمقدار الماء بقطع النظر عن وجوده ، فهي من عوارض الماهية ومعه لا يجري الاستصحاب ، ونص عبارته:- ( باعتبار أن كرّية الماء مرتبة من سعة وجوده فالماء المشكوك إذا كان كرّاً فهو كرٌّ من الأزل حتى قبل وجوده )[5] .

والمناسب أن يقال:- الظاهر أنَّ ما ذكر شيء جيد ومتين ولكن بالتالي نتمكن أن نقول هو ليس تفصيلاً في استصحاب العدم الأزلي وإنما هو تحقيق لموضوع العدم الأزلي ومصداق العدم الأزلي وأن العدم الأزلي متى يكون متحققاً بنحو اليقين ، إنما يكون متحققاً في عوارض الوجود دون عوارض الماهية ، فهو تفصيل في أنه متى يكون العدم الأزلي للشيء متيقناً وليس تفصيلاً في حجية استصحاب العدم الأزلي ، كلا ليس هنا حجة وهناك ليس بحجة ، بل في عوارض والوجود يوجد عدم أزلي متيقن وأما في عوارض الماهية لا يوجد عدم أزلي متيقن حتى يجري استصحاب العدم الأزلي ، فهو تفصيل لا في حجية استصحاب العدم الأزلي بل هو تفصيل في تحقيق موضوعه.


[2] يوجد شيء غير واضح عندي:- وهو أن داود بن فرقد يقول للإمام ( أريد أن أرويه كما سمعته منك فلا يجيء ) فهذه العبارة عامة يعني ( فلا يجيء ) إما أنني لا استطيع أو أنني أتسامح وإلا إذا كان مقصوده أني أنا لا استطيع فلا معنى أن يقول له الامام عليه السلام ( فتعمَّد ذلك ؟ ) فإذن لابد أن يكون المقصود من عبارة ( فلا يجيء ) يعني ولو تسامحاً من جهتي.
[5] المستمسك في شرح العروة الوثقى، السيد الحيكم، ج1، ص165.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo