< قائمة الدروس

بحث الفقه - الاستاذ حسن الجواهري

العقود

31/12/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: عقود الاذعان.

قلنا ان عقود الاذعان لا اكره فيها بحيث يبطل العقد ويزول الرضا المعاملي، فعقود الاذعلان ليس فيها اكراه بحيث يصل فيها الى بطلان المعاملة ، ولكن عقود الاذعان فيها اضطرار الى التعامل وهذا الاضطرار لا يبطل العقد، فان المضطر يسعى بنفسة لايجاد العقد، وان نفسه تقبل ذلك الامر ولا يوجد مكره مسلطا عليه فالعقد مع انه اضطراري لكنه محبوب للشخص، فأن من يبيع داره لاجراء عملية فانه يبيع داره برغبة منه، فان عقود الاذعان فيها اضطرار ولكنه لا يبطل العقد

سؤال

هنا تسائلنا هل يوجد نص خاص يقول ان العقد المضطر اليه باطل؟، قد يقال نعم يوجد نص، وهو حديث الرفع ومنها الاكراه والاضطرار، وعليه فيبطل عقد المضطر، فقد يقول العقلاء بصحة العقد لأن الرضا المعاملي موجود، ولكن حديث الرفع يقول (رفع عن امتي ما اكرهوا عليه وما اضطروا اليه) فان العقد المضطر اليه باطل للنص الخاص وان كانت القاعدة تقول بصحة العقد المضطر اليه.

الجواب

أن حديث الرفع صحيح في بعض طرقه ونعمل على وفقه، ولكن لابد أن نلتفت الى جوّه العام، فهو حديث امتناني على الامة فانه يقول انت اذا اكرهت على الغيبة فلا عقاب واذا اكرهت على الظلم فلا عقاب واذا اكرهت على معاملة فهي باطلة، نعم هذا لأن الطرف غير راضي بالعمل فرفع عن امتي الاكراه يأتي هنا، ولا عقاب على الفعل المحرم المكره لأنني قد اكره على فعل محرم والاّ اقتل، فهنا لا عقاب لان الحديث امتناني، لكن فيما اضطروا اليه هو ايضا امتناني، ولكن اين يحصل الاضطرار فهو يصدق مع الاضطرار الى الكذب فهنا لا توجد حرمة لانه امتناني، ولكن فيما نحن فيه اذا قيل للشخص ان العقد باطل فانه سينزعج وهذا الامر هو خلاف الامتنان، اذاً (رفع عن امتي ما اكرهوا عليه) فالاكراه هنا مقسما، فالاكراه على فعل محرم خارجي او الاكراه على عقد، فالفعل الخارجي لا عقاب عليه والعقد باطل وفيهما منّة على الامة وعلى الفرد، اما رفع عن امتي مااضطروا اليه فهذا يختص بالفعل الحرام الخارجي اذا اضطر الانسان اليه فلا عقاب، اما اذا اضطر الى العقد بطيب نفسه ورضا منه فهنا لانقول ان العقد باطل لأنه خلاف الامتنان، اذاً رفع عن امتي لا يقول العقد الاضطراري باطل لان بطلانه خلاف المنّة، وبما ان الحديث هو امتناني فلا يشمل بطلان العقد المضطر اليه.

الإيقاع الاضطراري

عندنا ايقاع قد نضطر اليه، فكما ان العقد الذي نضطر اليه لا نقول انه باطل، فكذا الايقاع الذي نضطر اليه لا نقول انه باطل، لان بطلانه خلاف الامتنان، فلو كان الذي يريد اجراء العملية هو دكتور حاذق، ولا يجر ي العملية الاّ بأبرائه من الدين الذي يطلبه منه المريض، والابراء هو ايقاع، فالمريض في هذه الحالة مضطر لابراء الدكتور من الدين، فان عرف الدكتور ان هذا الابراء باطل فانه سوف لايجري العملية، فرفع عن امتي الاضطرار لايشمل هذا الايقاع المضطر اليه المريض، فالعقد الاضطراري والايقاع الاضطراري لا يشمله حديث الرفع لانه خلاف الامتنان.

القوانين الغربيّة وعقود الاذعان

الى الآن قلنا ان عقود الاذعان هي عقود صحيحة وليست باطلة ولا اكراه فيها ولا الجاء والاضطرار اليها لا يضر بصحة العقد فعقد الاذعان الى هنا هو عقد صحيح، ولكن القوانين الغربية كيف تنظر الى عقود الاذعان، فالاستغلال قسمين: تارة يستغل لاجل الجهل، وتارة الاستغلال لاجل الغبن، فقالت بعض القوانين الغربية ان هذا الاستغلال الجهلي والغبني هو امر غير مشروع اي هو حرام، فكل عقد فيه استغلال لأجل الجهالة او لأجل الغبن هو باطل.

فذكر القانون المدني الألماني المادة ١٣٨بطلان التصرف القانوني الذي يستغل الشخص حاجة الغير او يستغل خفته اي جهله، او يستغل عدم تجربته ليحصل لنفسه أو لغيره في نظير شيئ يؤديه على منافع مالية تزيد على قيمة هذا الشيئ، بحيث يتبيّن من الظروف ان هناك اختلالاً فادحاً في التعادل مابين قيمة المنافع التي قدمها لي وبين قيمة الشيئ الذي اخذه منّي، فالاستغلال عمل غير مشروع ويبطل العمل المبتني على الاستغلال.

وهناك قوانين غربية لاتقول بحرمة الاستغلال لكن يُعيب الارادة، أي ان هذا العقد ليس باطلا لكن يمكنك أيها المستغل (الشخص الذي تم استغلاله) إبطاله، فيمكنك أن تأخذ الفرق وتطالب بالأرش وهو الفرق بين المنفعة التي قدّمها وما أخذ من المال، فبعض القوانين تقول ان الاسغلال ليس عملا غير مشروع لكنه يجعل ارادة المتعاقد وهو الطرف الضعيف معيبة، اذاً فالعقد قابل للابطال او للانتقاض لعيب في ارادة المتعاقد لانه جاهل ومحتاج الى العقد، فالعقد صحيح له حق الفسخ وله حق ان يأخذ شيئاً للعيب الموجود، وهذا قد اخذت به بعض القوانين الغربية والقانون المصري.

فقانون الألتزمات السويسري يقول: في حالة اختلال التعادل اختلالاً واضحاً مابين تعهد أحد المتعاقدين و تعهد المتعاقد الآخر، يجوز للمتعاقد المغبون في غضون سنة أن يعلن بطلان العقد اي يفسخ (فالعقد صحيح) ويسترد ما دفعه اذا كان قد دفُع الى هذا الغبن (اي ملجأ الى هذه المعاملة) من طريق استغلال حاجة وقع فيها أو خفة أو عدم تجربة، فهذا القانون لا يقول ان الاستغلال حرام والعقد باطل بل ان الاستغلال يعيب الارادة فللمستغل ابطال العقد.

في القانون المصري الجديد المادّة ١٢٩ يقول اذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة (كأن تكون التزاماته كبيرة وما يحصل عليه شيئ قليل) بموجب العقد او مع التزمات المتعاقد الاخر وتبين ان المتعاقد المغبون لم يبرم العقد الاّ لان المتعاقد الاخر قد استغل فيه طيشا بيّنا او هوى جامحاً جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد، او ان ينقص التزمات هذا المتعاقد المغبون، فالنتيجة ان القوانين الغربية والقانون المصري مثل القانون السويسري.

القوانين الغربية لها اتجاهان:

الاول: يقول اذا وجد استغلال في العقد فالعقد باطل، وهذا القانون الالماني.

الثاني: يقول اذا وجد اسغلال في العقد و عدم التعادل فقد حصل عيب من عيوب الارادة، يتمكن المغبون ان يبطل العقد أو أن يطالب بالفرق.

اذاً اما ان يكون العقد باطلاً لأن الاستغلال حرام وغير مشروع، أو أن العقد غير باطل لكنه قابل للانقاص والابطال، فبالابطال يرجع كل ذي حق الى حقه.

نحن نقول

ان المعاملة اذا كان فيها غبن، فالفقه الاسلامي يقول ان الغبن يحصل مع جهل المغبون بالسعر السوقي، اي أنا اجهل ان القيمة السوقية هي كذا مبلغ ففي هذه الصورة لي خيار الغبن وحق الفسخ، ولكن مع علمي بالقيمة السوقية والاقدام على القيمة المتفقة فلا اشكال فيه ، نعم بعض المدارس السنية تقول ان يكون المشتري جاهلا بالسعر السوقي ووجد تغرير من البائع عندها يثبت خيار الغبن، فالغبن انما يتحقق ولصاحبه حق الفسخ فيما اذا كان المغبون جاهلاً بالقيمة السوقية.

ولا توجد روايات في خيار الغين ومن استدل على خيار الغبن بحديث لا ضرر ولا ضرار فهذا ايضا باطل، لأن لا ضرر هو ينفي الحكم ولا يثبت حكماً.

فدليل خيار الغبن هو انه توجد قاعدة عقلائية وارتكازية وهي انه لا بد من تساوي العين المشتراة والقيمة، فانا لا أشتري العين بأكثر من القيمة السوقية، وكذا البائع لا يبيع بأقل من القيمة السوقية، فخيار الغبن مستند الى القاعدة العقلائية العامة التي تقول ان المشتري لايقدم على الشراء باكثر من الثمن السوقي والبائع لا يقدم على البيع باقل من الثمن السوقي، فخيار الغبن مستند الى هذه القاعدة العقلائية العامة، فكانما المشتري قد اشترط الشراء بالقيمة السوقية لا أكثر، فهذا اشكال على هذه القوانين.

اما طيش المتعاقد مع علمه بالسعر السوقي واقدامه عليه فهو لايجعل له خيار غبن.

وهذا الطائش هل هو سفيه؟، فأن كان سفيهاً فعقده باطل، لأن الروايات منعت من تعاقد السفيه بأي عقد، وان لم يكن العقد موجباً لاستغلال السفيه فعقده باطل للادلة التي دلت على ان عقد السفيه باطلا لسفهه.

ثم ان العاقد قد التزم بالعقد مع علمه بالقيمة السوقية فلا وجه لبطلان العقد ولا وجه للخيار، الاّ ان يكون طائشا والطيش يدل على سفاهته وان لم يكن العقد سفهياً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo