< قائمة الدروس

بحث الفقه - الاستاذ حسن الجواهري

العقود

31/12/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: عقود الاذعان.

قلنا ان القوانين الغربية نظرت الى العقد الاذعاني مرّة على انه غير مشروع للاستغلال الموجود فيه، فاذا كان غير مشروع فهو باطل، وبعض القوانين الغربية وكذا القانون المصري نظر الى ان عقود الاذعان تكون الارادة فيها متعيبة، اذاً يجوز للمغبون الفسخ او المطالبة بازالة الضرر.

دليل خيار الغبن

وفي الجواب على مافي القوانين الغربية، نقول ان خيار الغبن في الفقه الاسلامي يترتب في موارد الجهل بالقيمة السوقية، فاذا كان هناك جهل بالقيمة السوقية وحصل غبن فيصح للمغبون ان يفسخ، وخيار الغبن ناشئ من قاعدة عقلائية ارتكازيّة تقول بأصالة التساوي في القيمة بين الثمن والمثمن، فالبائع لا يبيع باقل من الثمن والمشتري لا يشتري باكثر من الثمن.

اذاً فاذا حصل بيع باكثر من الثمن فالمشتري يقول القاعده انا لا اشتري باكثر من الثمن لانه هناك شرط ارتكازي وهو انا لا اشتري باكثر من الثمن، وانت بعتني باكثر من الثمن فلي حق الفسخ، وهذا هو دليل خيار الغبن.

اذاً في عقود الاذعان المتعاقد يعلم بأن هذا أكثر من الثمن السوقي ومع ذلك يقدم، فليس له خيار الغبن لأنه يعلم بالثمن، فالقانون السويسري الذي يقول يوجد هنا خيار غبن، أي خيار فسخ العقد، وكذا القانون المصري فهو الحكم غير صحيح لأن خيار الغبن يكون في صورة جهل المشتري بالقيمة السوقية وقد بيعت له السلعة باكثر من القيمة السوقية وهنا يعلم بان السلعة اكثر من القيمة السوقية فليس له خيار الغبن

واما القانون الالماني الذي يقول هو استغلال وهو غر مشروع، فهذا باطل ايضا لانه كثيرا ما تحصل استغلالات لحاجتنا ومع ذلك ندفع اكثر ولا تكون هناك حرمة ، فكثيراً ما يستغل اصحاب السيارات في المناسبات والاعياد والحج، يستغلون الفرصة لرفع السعر الى سعر خيالي ويقبل المتعاقد معهم على ذلك، مع علمه بالغبن الفاحش الاّ انه يريد قضاء حاجته الماسّة في التنقّل، فهذا ليس محرما فضلاً عن ابطاله للعقد، فالقانون الألماني الذي قال اذا حصل هناك استغلال لحاجة الانسان فرفعت سعر السلعة فهو حرام ويبطل العقد.

فنقول: ان الاستغلال ليس حراما واذا كان حراما فانه لا يبطل العقد، فان استغلال حاجة الانسان اذا كانت حراماً فهي لا تبطل العقد الذي وقع على الشيئ، وأما اذا كان الانسان الذي أوقع العقد طائشاً، فان كان سفيهاً فان السفهاهة تبطل العقد للدليل الال على ان السفيه لا يجوز له ان يوقع العقد سواء كان مسغلاً أو غير مستغل، واما اذا لم يصل الى حد السفه فالعقد صحيح، اذاً ما نحن فيه في عقود الاذعان المتعاقد اقدم مع علمه ان السعر فاحشاً وأكثر من القيمه السوقية فلا خيار غبني له، واما هذا الاستغلال فنقول انه غير محرم فهو لايبطل العقد ولا يوجب الخيار لانه ليس فيه ظلم، نعم الاستغلال اذا كان فيه ظلم فهو محرم وهو غير ما نحن فيه.

ملاحظة: من المستحسن ان لا نعبّر بتعبير استغلال حاجة الغير لان الاستغلال لغة بمعنى طلب الغلة ، فاستخراج شيئ من البئر هو طلب الاخراج والاسغلال طلب الغلة ، وهنا تاتي قضية المسغلات في الوقت، فانعبر بهذا التعبير ونقول ينتهز الانسان فرصة احتياج أو اضطرار الناس لما عنده من السلع او المنافع لرفع السعر والتعسف في الشروط، ولا نعبر بالاستغلال لانه طلب الغلة وطلب الثمرة، فالبايع ينتهز فرصة احتياج الناس لرفع الثمن، فهذا الانتهاز للفرصة غير محرما بالعنوان الاولي لان الطرف الاخر الذي يحس بان الثمن غاليا والشروط متعسفه يمكنه ان لا يقدم على العقد ويمكن ان يراجع ولي الامر فانه يسعّر ويجبر البائع على سعر عادل ومع تدخل ولي الامر فيصبح حكم حكومتي، وقد يُرفع هذا الحكم الحومتي بعد مدّة، فبالعنوان الأولي فرصة انتهاز حاجات الناس ليس محرماً ولا يوجب خياراً اذا حصل التعاقد.

فما قالته القوانين الغربية حول الاذعان باطل، سواء القول ببطلان العقد الاذعاني، أو القول بجعل العقد خيارياً، فهذا كله ليس له اساس قوي.

قد يقال ان عقد الاذعان باطل لاحتكار المذعن السلعة أوالمنفعة والاحتكار محرم، فيكون عمل المحتكر للسلعة او المنفعة محرم، فعمل المحتكر للسلعة أو المنفعة يكون محرم، فالعقد على هذه السلعة ايضا محرم، هذا شيئ قاله علماء العامّة، فاذا كان الاحتكار محرماً فالعقد على هذه السلعة المحتكرة ايضا بمحرم.

ادعى علماء العامّة

أولاً: ادعوا تحقق الاحتكار عند من يبيع بيعاً اذعانياً أو يعقد عقداً اذعانيا.

ثانياً: قالوا الاحتكار محرم مطلقاً، سواء كان في الاصناف الستة أو في الطعام او في غيره.

ثالثاً: العقد على السلعة المحتكرة (أي بيع السلعة المحتكرة) باطل.

الجواب

نعم الإحتكار في الشريعة المقدسة محرم، ولكن هل مختص بالاصناف الستة أو السبعة كما ذكرت ذالك الروايات، فالروايات قالت الاحتكار محرم في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والملح والزيت والسمن،كانها تشير الى الطعام اي ان الاحتكار حرام في الطعام، لان الطعام في ذلك الزمان هو هذه الامور، هذا القول بان الاحتكار محرم في الامور السبعة اشارت اليه الروايات الاّ ان الروايات ضعيفة، روايات اخرى دلت على ان الاحتكار محرم في الطعام، في وقت ليس عند الناس طعام هذا فيه روايات صحيحة، أي القوت سواء كان حنطة أو شعير أو رز أو عدس أو ماش، وهو مطلق الطعام ونخرج عن الامور السبعة، فاحتكار الطعام مع حاجة الناس اليه حرام وهذا حكم تكليفي دلت عليه روايات صحيحة، وأما غير الطعام مثل الثياب والاحذية والكتب فلا دليل شرعي على حرمة احتكار غير الطعام اي غير القوت، وان كان هناك قول عند العامة بتحريم مطلق الاحتكار من غير فرق بين الأقوات وغيرها إلاّ انه خالي من الدليل الشرعي،وها الحكم الاولي، ولكن لولي الامر التدخل في كل شيئ ويكون هناك منع من احتكار، أيّ شيئ لكنه ليس حكما شرعيا يبقى الى يوم القيامة.

فالاحتكار محرم في القوت، ولكن الكلام في بيع الشيئ المحتكر فلماذا هو باطل، فلو احتكر الشيئ فهو عمل محرم، ولكن لماذا حرم بيع السلعة المحتكرة مع تحقق شروط البيع والعقد والعوضين، فالحرمة التكليفية لفعل لا تلازم بطلا العقد على السلعة،فالحرمة التكليفية تارة تكون على عمل كحبس السلعة فهذا حرام، ولكن بيعها هو شيئ آخر فلماذا هو باطل، كحرمة البيع وقت النداء يوم الجمعة فالبيع محرم، فالآية القرانية (اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع) فيوجد نهي عن البيع، اما البيع اذا حصلت شروطه فيكون صحيحا فالحرمة التكليفية لا تلازم البطلان، بالاضافة ان هنا لا يكون البطلان صحيجا اوضح لان هناك نفس البيع منههي عنه نهيا تكليفيا وهو لا يلازم البطلانكبيع السلاح لاعداء الدين فهو منهي عنه لكن اذا بعناه فالبيع صحيح فهنا نفس البيع منهي عنه ولكن يقولون اذا حصل البيع فالبيع صحيح، بينما هنا الاحتكار فعل فهو محرم، اما بيع السلعة المحتكرة فهو بيع فلماذا يكون باطلا، فالحرمة التكليفية للاحتكار وهو حبس الطعام عن الناس وتربص الغلاء فهو حرام، اما بيع الطعام بعد الاحتكار بثمن مرتفع مع توفر شروط العقد فلا مشكلة فيه وهو امر صحيح، طبعا ان اخذ الاجرة على المحرم هو أمر باطل، مثل الاجرة على الغناء أو الاجرة على حلق اللحية اذا قلنا بحرمة حلق اللحية، فان الاجرة على المحرم غير شيئ منهي عنه نهي تكليفي ويقع العقد عليه، فالنهي عن البيع لكن الاجرة ليست على البيع فالاجرة في مقابل السلعة، فلا ملازمة بين تحريم الاحتكار وبين صحة بيع السلعة المحتكرة، على انه لا يوجد اصلا احتكار في عقود الاذعان، لأن معنى الاحتكار هو حبس السلعة او المنفعة والامتناع عن بيعها حتى يغلو سعرها فيتضرر عامة الناس، بينما في عقود الاذعان لا يوجد حبس للسلع أو للمنافع بل توجد جهة منتجة تقدم المنفعة أو تقدم أشياء يحتاج اليها عامة الناس فلا توجد عملية حبس وإمساك للسلعة، بل هو انفراد بالسلعة ولايتمكن احد ان يبيع غيره.

اذاً الاحتكار غير موجود في عقود الإذعان، واذا كان موجوداً في عقود الاذعان فهو لا يلازم بيع السلعة المحتكرة، فالاحتكار غير موجود، واذا كان موجودا فالاحتكار للاقوات محرم لا مطلقا، فاذا قلنا أن الاحتكار حتى لغير الأقوات محرم فلا يلزم منه بطلان العقد على السلعة المحتكرة، لأن الحرمة التكليفية لا تلازم البطلان، فما ذكر من ان عقد الاذعان فيه احتكار فيبطل العقد على السلعة المحتكره كله هواء في شبك ليس له من الصحة نصيب.

يبقى عندنا ان عقود الاذعان هل هي عقود معاطاتية او ليس من العقود المعاطاتية، لان العقد مكتوب والشروط مكتوبة فيأتي المتعاقد يوقع على هذا العقد، فهذا العقد الاذعاني عقد معاطاتي أو عقد غير معاطاتي، والمعاطات هل هي من العقود الازمة أو من العقود الجائزة التي تجوّز الفسخ، هذا بحث طويل لا يسعه الوقت القصير.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo