< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/01/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: هل تجب زكاة الفطرة على المعال

 

الفرع الثالث: لو سقط الوجوب عن المعيل لكونه فقيراً, فهل يجب على العيال اذا كان غنّياً؟ ذهب المشهور الى عدم سقوط الوجوب عن المعال اذا كان غنّياً وقوّاهُ السيّد الماتن قدس سره وذلك لشمول العمومات له بعد سلامتها عن المخصص, ولا موجب للرجوع الى البراءةكما قيل في الزوجة الموسرة اذا كان زوجها معسراً وذلك لوجود العموم اللفظي وهو القائل:" تجب الفطرة على كل مَن اجتمعت عليه الشرائط" وهذه الروايات الدالّة على ان الفطرة على كلّ رأس واجد للشرائط قد تقدّمت, فلا نعيد.

ومن هذه الفتوى لصاحب العروة قدس سره الذي قال فيها: " لو كان المعيل فقيراً, والعيال غنياً فالأقوى وجوبها على نفسه"[1] نشكل على فتواه المتقدّمة القائلة: (من عدم إعطاء الفطرة عن العيال نسياناً لأنّه غير مكلّف بها, اي سقط الوجوب عند النسيان) وحينئذ نقول: لماذا قال بسقوط الفطرة عن العيال اذا كان واجداً للشرائط وقد نسي المعيل اداءها أو جهل وجوبها أو عصى أي ان اشكالنا يقول: ما هو الفرق بين هذا الفرع- الثالث- وبين نسيان المعيل للفطرة, فإنه أيضاً قد سقط الوجوب عنه, اذْ قال بعدم توجّه تكليف اليه مادام ناسياً؟ وهذا الاشكال لا يأتي على السيد الخوئي قدس سره حيث قال هناك بعدم السقوط عن الولد الغني وهنا كذلك, فلاحظ.

بالإضافة الى أننا قد نقول: ان الناسي يتوجّه اليه التكليف بما أنّه مكلّف الاّ أنّه لا يكون التكليف منجّزاً عليه لنسيانه ولا يكون معاقباً اذا لم يعطِ الفطرة نسياناً لحديث رفع عن أمتي النسيان. ولكن نفس المعال اذا كان ملتفتاً الى ذلك فتشمله أدلّة الوجوب التي تقول: الفطرة واجبة على كلّ من اجتمعت عليه الشرائط.

الفرع الرابع: لو تكلّف الفقير بالإخراج عن عياله الغني فلا يجزئ على الأقوى وان كان السقوط لا يخلو عن وجه. هكذا ذكر صاحب العروة قدس سره.

اقول: لو ثبت استحباب ان يخرج المعيل الفقير الفطرة عن نفسه وعن عياله الغني أيضاً ولم تخص الاستحباب بصورة كون المعال فقيراً, وقد أخرج المعيل الفقير الفطرة استناداً الى هذا الاستحباب فهذا لا يكون مجزءاً عن المعال الغني الذي توجّه اليه تكليف بأداء زكاة الفطرة وذلك: لأنّ التكليف قد توجّه الى المعال الغنّي, واطلاقه يقتضي عدم سقوطه بفعل الغير, لان ظاهر هذا التكليف هو أنّه تكليف تعييني فيجب على الغني دفع زكاة الفطرة عن نفسه. وهذا هو رأي صاحب العروة قدس سره والسيد الحكيم قدس سره وهو الصحيح)

وقد عبّر السيد الحكيم قدس سره عن هذا فقال: لعدم الدليل على السقوط في هذه الصورة, وقاعدة الاشتغال تقتضي عدم السقوط.

ونتمكن ان نمثل لعدم السقوط بما اذا كنت مستطيعاً للحج, وقد جاء شخصٌ أجنبي بحجّة عنّي قاصداً امتثال الأمر الإستحبابي الوارد له في إتيان حجّة عن صديقه فهنا لا تكون حجّة صديقي المستحبة عنّي موجبة لسقوط حجّة الاسلام الواجبة عليّ, لأنّ الخطاب متوجّه اليّ وظاهره أنه وجوب عيني تعييني نفسي, وحينئذ لا يسقط بفعل الغير. نعم يحتمل السقوط (كما قال صاحب العروة قدس سره) ان السقوط لا يخلو من وجه لان هذا حكم ضريبي على الغني وقد وصلت الضريبة الى الفقير فيجزي, الاّ ان هذا الاحتمال لا يصار اليه وذلك: لأنّ الدليل المتوجّه الى الغنيّ وهو أمرٌ وجوبي, هو مطلق وليس مشروطاً بعدم أداء المعيل الفقير امتثالاً للأمر الأستحبابي, فلا يسقط بفعل الغير الذي امتثل أمراً استحبابياً متوجّهاً الى الغير الفقير.

وبعبارة اخرى: ان المعيل الفقير اذا أتى بالفطرة عن المعال بقصد الأمر المتوجّه اليه, وهو الأمر الاستحبابي على فرض وجوده, فانّ هذا الامتثال لا يُسقط الأمر الوجوبي المتوجّه الى العيال الغني.

نعم توجد صورة اخرى: وهي ما اذا دفع المعيل الفقير فطرة المعال الغني بإجازة المعال الغنيّ فهنا يكون المعيل الفقير وكيلاً في الدفع عن المعال الغني, فيصح حينئذ ويكون عمل المعيل الفقير ليس عملاً بالاستحباب, بل هو وكيل الغني, فامتثل الأمر المتوجّه الى الغني وقصد قربة الأمر الوجوبي فيكون مجزءاً عن الغني, وهذه الصورة تأتي بعد ذلك فانتظر.

وقد يشكل علينا في الصورة الثانية وهي الفرع الثاني الذي قلنا ان المعيل اذا لم يؤدّ الفطرة الواجبة عليه فلا تسقط عن المال الغني. وكذلك في الصورة الرابعة وهي ما اذا كان المعيل فقيراً والعيال غنياً الاّ ان الفقير المعيل قد عمل باستحباب اخراج الفطرة عن عياله الغني عملاً بالاستحباب, وحينئذ الادلّة الثانية القائلة: بان الفطرة على المعيل (وجوباً واستحباباً) والاستحباب قد عمل به الفقير ودفع زكاة العيال الغني فلماذا لم تسقط عنه, فلا تشمله الادلة تلك ألا زال موضوع الوجوب في الصورة الرابعة؟

أمّا الاشكال في الفرع الثاني فنقول: إن الكلام في سقوط كلّ مطلق وعام اذا قيّد, فان قانون التقييد والتخصيص للمطلق وللعام يقتضي ان يسقط المطلق والعام بعد ورود التقييد والتخصيص, فهنا أيضاً مادام المطلق والعام القائل يجب على كلّ من وجد موضوع وجود الفطرة ووجدت شرائط الوجوب يجب عليه الفطرة, قد قُيّد وخُصّص بأنّ هذا الوجوب قد توجّه الى المعيل, فقد زال المطلق وزال العام, فلنفرض ان المعيل كان عاصياً ولكن التكليف الخاص قد توجّه اليه وزال العام بعد التخصيص وبهذا لا يعود العام بعصيان أو نسيان أو جهل أو غفلة المعيل وكذا اذا كان المعيل فقيراً "وهو الفرع الرابع" وقد أخرج الزكاة عن العيال بامتثال الأمر الاستحبابي فحينئذٍ لماذا يأتي العام في صورة الامتثال الاستحبابي ويقول: يجب عليك الفطرة مادام المعيل قد دفع الفطرة عن المعال الغني ولو إستحباباً؟

الجواب: ان قانون التقييد والتخصيص الذي ذكرناه في الأصول بحيث يزول المطلق ويزول العام بعد مجي التقييد والتخصيص, انما هو في صورة توجّه العام والخاص أو توجّه المطلق أو المقيّد الى موضوع واحد وجهة واحدة كأن نقول: يجب عليك اكرام العلماء ثم نقول يجب عليك اكرام العلماء العدول, وعرفنا ان الحكم واحد. فهنا يزول العام ويبقى الحكم على الخاص, فان لم تكرم العلماء العدول لا يحيى العام ولا يتوجّه الينا مرّة ثانية.

أمّا موردنا فهو يختلف: حيث ان العام قد توجّه الى كل مكلّف فقال يجب على كلّ مكلّف ان يدفع الفطرة عن نفسه اذا كان موضوعاً للوجوب ووجدت شروط الوجوب, وأمّا الدليل الثاني الذي قال بوجوب الفطرة للعيال على المعيل فهو قد توجّه الى المعيل ولم يتوجه الى الابن الاكبر الذي كان موضوعاً للوجوب ووجدت شرائط الوجوب, فحينئذ اذا لم يمتثل الوجوب المعيل لكونه عاصياً فلا موجب لسقوط العام المتوجّه الى العيال الغني.

وكذا في الفرع الرابع, حيث يكون أمران: أحدهما استحبابي للمعيل الفقير والاخرى وجوبي للمعال الغني, وامتثل الأمر الاستحبابي ولم يكن وكيلاً عن الابن الاكبر في دفع فطرته, فالعام لم يخصص ولا موجب لسقوطه, فلاحظ.

لأنه واجب عيني لا كفائي كي يسقط بفعل الغير وهو العمل الاستحبابي. بالإضافة الى ان موضوعه هو المعال الغني والمعيل عمل بخطاب اخر وهو له استحبابي, فكيف يسقط الخطاب المتوجّه الى المعال الغني الذي هو عام ولم يخصص والمعيل عمل عملاً استحبابياً له دليله؟

ولا يمكن القول: بأن الأمر المتوجّه للمعيل الفقير مع الأمر المتوجّه للمعال الغني له موضوع واحد, بل الأمر المتوجه للمعيل الفقير له موضوع وهو غير الموضوع المتوجّه للمعال الغني, فهنا موضوعان: الأوّل تستحب فطرة المعيل الفقير وحتى العيال التابعين له.

والموضوع الثاني تجب الفطرة على المعال الغني فهذا موضوع اخر ولا يمكن قياس موردنا بالميّت لو وجب دفنه على زيد وخوطب بوجوب دفنه عمرو فإن ْأتى به الأول سقط الوجوب عن الثاني إذْ لا يبقى موضوع الوجوب فموردنا غير مورد دفن الميّت الذي هو موضوع واحد ومطلوب واحد, فلاحظ.

واعتبر بهذا المثال: اذا دخل أربعة أشخاص الى مطعم وتناولوا طعام الغذاء, وكان صاحب المطعم قد كتب: على كل شخص ان يدفع حسابه ثم كتب مرّة أخرى: يجب على الداعي أصحابه أنْ يدفع أجرة من دَعاهم, فاذا كان الداعي فقيراً أو عاصياً فلا يسقط الوجوب الاول القائل: على كل شخص ان يدفع حسابه.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo