< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تتمة الجواب على اشكالية عدم قبض الائمة للخمس / كتاب الخمس

وما ذاك الاّ لأنّ الخمس فيه دلالة على انهم أولى الناس بإدارة شؤون الدولة لأنّ الخمس هو إعانة للإمام وللخليفة على إدارة الدولّة فانْ أُعطي لذوي القربى (الإمام) فمعناه انهم اعترفوا بأحقيّتهم بإدارة الدولة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) وهيهات ذلك لمن غصب الخلافة وادّعى انّها له والنبوة لبني هاشم.

ولانّ الخمس مورد ماليّ مهم ان أُعطي لذوي القربى ولو من دون ان يكونوا هم الخلفاء ففيه القدرة العالية من السيولة النقدية التي لا تجعل الامام عليه السلام عاجزاً عن اي شيء, وهذا ما يخشاه من تلبّس بقميص الخلافة التي هي لذوي القربى كما نصّ على ذلك أمير المؤمنين عليه السلام.

4ـ نعم ارجع عمر بن عبد العزيز الخمس لذوي القربى وقبيلهم حيث روى يحيى بن شبل قال: جلست مع علي بن عبد الله بن عباس وابي جعفر محمد بن علي-الباقر- عليه السلام فجاء هما آتٍ فوقع بعمر بن عبد العزيز فنهياه وقالا: ما قسّم علينا خمس منذ زمن معاوية الى اليوم وانّ عمر بن عبد العزيز قسّمه على بني عبد المطّلب[1] .

وروي ان عبد الملك بن المغيرة قال: فاجتمع نفر من بني هاشم وبعثوا به (اي عبد الملك بن المغيرة) مع الرسول الى عمر بن عبد العزيز يتشكّرون له ما فعله بهم من صلة ارحامهم وانهم لم يزالوا مجفيين منذ كان معاوية. فكتب عمر بن عبد العزيز: قد كان رأي قبل اليوم هذا, كلّمت فيه الوليد بن عبد الملك وسليمان فأبيا عليّ, فلمّا وليتُ هذا

الأمر تحرّيتُ به الذي أظنه أوفق ان شاء الله تعالى[2] .

اذن نفهم من هذا: ان ثقافة ذلك العصر (بعد عصر الرسالة المحمدية) قد كانت بايدي أناس يعادون ويعاندون علياً عليه السلام فمنعتهم من حقّهم ولم يمكن المطالبة به في ذلك الوقت بعد معاداة السلطة لهم ومحاصرتهم واتّهامهم

بانهم يتآمرون على جهاز الدولة, فكيف يمكن في تلك الفترة المطالبة بالخمس[3] ؟!!

ألم تكن السلطة محاسبة على كل ذلك؟! فالسلطة والخوف منها جعلت الناس يبتعدون عن فريضة الخمس بل حتى صاحب الخمس سكت عن حقّه لتلك الظروف الخاصة.

اذن الحكمة كانت هي الفات الانظار الى التشريع دون التنفيذ في ذلك العصر, نعم طالبوا بتنفيذ التشريع عندما خفّت عليهم كما في ايام الامام موسى بن جعفر عليه السلام وما بعده.

5ـ وهكذا كانت الحالة في ايام ابي بكر وعمر حيث روى ابو يوسف القاضي المتوفى (182ه) ما قاله محمد بن إسحاق لابي جعفر الباقر عليه السلام حيث قال: قلت له: ما كان رأي عليّ كرّم الله وجهه في الخمس؟ قال: كان رأيه فيه رأي أهل بيته ولكن كره ان يخالف ابا بكر وعمر رضي الله عنهما[4] [5] .

اقول: حتى لو خالف وصرّح بحقّه- الامام عليه السلام- فلا يجاب بل يُتّهم بإرادة الخروج على السلطة وقد يكون فيه ضرّر على الاسلام عيناً كما سكت عن حقّه بالخلافة حينما كان المسلمون في خطر.

وكما يحدثنا ابو عبيد المتوفى (224ه) عمّا قاله محمد بن إسحاق بقوله: (سألت ابا جعفر محمد بن علي عليه السلام فقلت: علي بن ابي طالب حيث ولي من أمر الناس ما وَلي, كيف صنع في سهم ذي القربى؟

قال: سلك به سبيل ابي بكر وعمر. قلت: وكيف وانتم تقولون ما تقولون؟ فقال: ما كان اهله يصدرون الاّ عن رأيه. قلت: فما منعه؟ قال: كره-والله- ان يدّعى عليه خلاف ابي بكر وعمر[6] [7] .

وقد ثبت انّ ابا بكر منع بني هاشم الخمس[8] ، وان ابا بكر كان يقسّم الخمس نحو قسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير انه لم يكن يعطي قربى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كان النبي (صلى الله عليه وآله) يعطيهم[9] .

وعن عمر انّه (ابى ذلك علينا) كما أجاب عبد الله بن عباس عن سهم ذي القربى من الخمس[10] .

وعثمان انه تصرّف بالخمس في إعطائه باجتهاده لقرابته واعفى بعضهم من أداء ما بعهدته[11] .

ومن هنا يفهم ان عدم مطالبة الإمام عليه السلام بحقّه وحقّ قبيله رعاية منه لوحدة المسلمين لئلا تشبّ نارُ الفتنة من خلال مطالبة جماعة بمسايرة أبي بكر وعمر (وهم كثيرون تربّوا على ذلك النهج) وقد رأينا انه عندما نهى الإمام عليه السلام عن صلاة التراويح كيف صاحوا: واسنة عمراه[12] . !!

وهذه بليّة عظيمة صبر عليها الائمة عليهم السلام إذْ العقل يأمر بمجاراة ما ألِفه القوم خصوصاً فيما فيه فائدة ماديّة للإمام عليه السلام وقبيله.

ومن هذا الذي تقدّم يتبيّن انّ تشريع الخمس والاستحقاق كان هو المطروح في الساحة مع عدم المطالبة بالحقّ, وعدم المطالبة بالحق تعود الى أمور حسنة وجمّة تقدّم اكثرها, وهذه الأمور استمرّت في زمن الامام الحسن والحسين عليهما السلام رغم تأكيد السجّاد عليه السلام على انّ الخمس لنا- اي للائمة عليهم السلام- فقيل له: ان الله يقول: واليتامى والمساكين وابن السبيل فقال: يتامانا ومساكيننا وابناء سبيلنا[13] .

نعم في زمن الامامين الباقرين عليهما السلام وصلت لنا نصوص تصرّح: «ان لنا الخمس في كتاب الله» رادّاً على مَن ظلمهم حقّهم. ولكن كانا حذرين من تسلّم هذا الحقّ أو المطالبة به لأنّ ذلك كان يعني عند بني العّباس هو التجهيز لقيام الثورة ضد حكمهم.

أمّا زمن الامام موسى بن جعفر عليه السلام: الذي كان يجتمع لديه شيء من الخمس وكانت الوشايات به الى الرشيد تترى بتجميع الأخماس ممّا حدا بالإمام عليه السلام الى نصب وكلاء له لذلك الأمر لتسلّمه وتوزيعه على المستحقّين مع كفالته فقراء آل ابي طالب فقط.

نعم زمن الامام الرضا عليه السلام كان الرخاء نسبياً حيث نهض بالإمامة والقيادة الروحية للأمّة, لذلك نجد نصوصاً كتبت اليه واجوبته لها ولكن مع ذلك كانت الرقابة شديدة عليه.

وكذلك زمن الامام الجواد عليه السلام حيث نجد نصوصاً في الخمس, وكذلك زمن الإمام الهادي عليه السلام.

نعم الامر صار متسّماً بالسعة زمن السفراء الاربعة وما بعدهم حيث فرضت فيه مسائل الخمس من خلالهم وعرضها على الامام عليه السلام وجوابه عليها.

اذن خلاصة ما تقدّم من الاشكال الثاني الذي يقول: لماذا لم يطالب الائمة الأوائل عليهم السلام بالخمس؟:

وفي الجواب: نقول:

1ـ الناس لم يكونوا مهيّأين لإعطاء الخمس حيث ذهب الخلفاء الى حصره في الغنيمة الحربية مع عدم إعطاء حقّ ذي القربى اليهم. فالقاعدة كانت تعتقد بعدم استحقاق ذي القربى للخمس.

2ـ عدم العمل بالحقّ والعمل بالباطل أدّى الى التفكير بمصالح المسلمين العامّة وترك مصلحة ذي القربى المالية, فانّ الانحراف اذا بدأ في الناس عن الشريعة الحقّة فلا معنى للمطالبة بتشريع حقّ مالي لذي القربى وقبيلهم, فانّ الأساس في خطر وهو الاسلام العظيم, فيخشى الائمة عليهم من إنحراف الأمّة عن الاسلام فكانوا يفكّرون في إصلاح الأمة وحينئذٍ لا معنى للمطالبة بحقهم المالي.

ولكن مع هذا لم يثنهم عن التأكيد عن حقّهم وانْ لم يطالبوا به فقد روى الطبري في تفسيره سؤال الامام علي بن الحسين عليه السلام لرجل من اهل الشام: أما قرأت في الانفال: واعلموا انما غنمتم من شيء فانّ لله خمسه وللرسول؟ قال: نعم... فإنكم لأنتم هم؟ قال: نعم [14] [15] .

كما روى القرطبي في تفسيره لآية الخمس: فمن الاقوال في كيفية تقسيم الخمس عن المنهال بن عمرو أنه سأل علي بن الحسين عن الخمس فقال: هو لنا, فأعاد عليه السؤال حول قوله تعالى: واليتامى والمساكين وابن السبيل, فإجابه ايتامنا ومساكيننا[16] [17] .

3ـ ان المطالبة به واخذه يوجب لهم مشاكل مع الحكّام حيث يحسبونه مقدّمة لتغيير مجرى الامور فيعاقبون عليها عقاباً يصل الى حدّ القتل أو التشريد أو مصادرة الاموال وتتبّع الشيعة والمراقبة والمحاسبة والاخافة والتنكيل وهذا ما لا يرضاه الائمة سلام الله عليهم.

4ـ على انهم قد طالبوا به في حدود شيعتهم الذين يعتقدون بأمانتهم وعصمتهم, وقد كان الامام عليه السلام له وكلاء يأخذون هذا الحقّ لهم ويرسلونه له مع التحفّظ في العمل وعدم التصريح بذلك وحتى في زمن الإمام الحسن العسكري الذي كان محكوماً عليه بالإقامة الجبريّة في سامراء من قبل السلطة الظالمة فقد كان مكتوباً عليه ان يحضر يومياً الى مجلس الخلافة, وان لا يتصل بالشيعة واصحابه ولا يتصلوا به, فقد كان الشيعة المخلصون له يرسلون له الحقّ الشرعي بواسطة زق سمن بحجّة البيع له فيضعون الاموال فيه لتصل اليه, كما هو واضح في الروايات وستأتي ان شاء الله تعالى في مظانها.

5ـ اضافة الى أنّ الخمس حقّ لذي القربى الذي أُقصي عن الحكم وقبيله من بني هاشم فلهم الحقّ في عدم المطالبة به لأمرٍ أهم راجح أو واجب.


[3] كما نراه اليوم من معاداة السلطات الظالمة المنحرفة عن خط اهل البيت عليهم السلام كما في البحرين والسعودية وامثالهما من النظر الى الحقوق الشرعية التي تصل الى مراجع الدين هي تقوية لهم على الإرهاب والحشد الشعبي الذي أمر به المرجع ليقف أمام داعش من الإستيلاء على السلطة فهل يتمكن أحد علماء البحرين أو السعودية من المطالبة بالحقّ الشرعي (الخمس)؟ وقد طرق سمعي عدم قبض الحقوق من قبل العلماء لان ذلك يعدّ جمعاً للمال من اجل الارهاب وطبعاً لا يدفع من عليه الخمس الى العالم ولا يستلمه منه الاّ اذا وثق به انه ليس عيناً عليه، فلاحظ. واعتبر بنظام صدّام أو النظم الوضعية الحاكمة أترى أنّ عالماً يطالب بتطبيق حكم الاسلام في حدود الله في شرب الخمر أو الزنا أو ما شابه ذلك حينما يرى السلطة والجوّ الموجود معها يعارض ذلك ولا يطبقّه.
[4] الخراج:1: 168.
[6] الاموال: 137، ح848.
[8] الكشاف2: 159.
[9] السنن الكبرى: 6: 342.
[10] الاموال: 138 ح853.
[11] الأغاني3: الجزء السادس، 57.
[12] جامع احاديث الشيعة8: 147، باب7، ح4 وح6.
[14] جامع البيان:6: :10 : 5.
[16] الجامع لأحكام القران4: 8: 9.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo