< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/05/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع/ حكم الغوص ومعناه/خمس الغوص /كتاب الخمس

الرابع: الغوص وهو: اخراج الجواهر من البحر مثل اللؤلؤ والمرجان وغيرهما معدنياً كان أو نباتياً(1).

1)اقول: ان المراد من الغوص هنا هو ما يُخرَج لا نفس عملية الغوص[1] فان الغوص كالكنز يطلق على ما هو نتيجة

الغوص وهو المال المكتنَز المستخرج من قبل غير المكتنز والمال المستخرج بالغوص لا عملية لا خراج .

اذن المراد بالغوص كل نفسية تتكون في البحر وتُخرَج من البحر, فعليها الخمس من غير فرق بين انواعها معدنية

كانت أو نباتية كاليُسر المصنوع منه المسابِح الذي هو نبات ينبت في البحر, وكذا المرجان الذي هو مثل الشجر ينبت في البحر.

ولكن صاحب المدارك خصّ الخمس بالعنبر واللؤلؤ الواردين[2] في صحيحة الحلبي حيث قال: سألت ابا عبدالله عليه السلام عن العنبر وغوص اللؤلؤ فقال: عليه الخمس[3] .

وبما ان صاحب المدارك لم يعتنِ الاّ بالصحيح الاعلائي, ولهذا لم يعتنِ بغيره من الروايات الاّ ان هذا المسلك باطل لان الحجّة هو كل حديث ثبت توثيقه أو حسنه فضلاً عن صحته, فالصحيح والموثق والحسن كلها حجّة وحينئذٍ يكون الصحيح الاعلائي الذي ذكره صاحب المدارك يُثبِت الخمس في العنبر وغوص اللؤلؤ, وغيره من الروايات المعتبرة الحجّة اثبت الخمس في غيرهما من النفائس المستخرجة من البحر بالغوص وغير الغوص كما سيأتي, ولا تعارض بينهما لأنها كلها مثبَتات وليس الحكم واحداً, فبعض الروايات اثبت الخمس في بعض وبعضها اثبت الخمس في بعض آخر وبعضها اثبت الخمس في كل نفسية موجودة في البحر قد استخرجها أو حصل عليها الانسان فهي خاضعة للخمس ولا تعارض في ذلك فلاحظ وانتظر.

ولكن السيد الخوئي قدس سره من ناحية أخرى ناقش صاحب المدارك قدس سره اذ قال: بوجود روايات صحيحة دلّت على عموم الحكم في كلّ ما يخرج من البحر[4] فقد روى الصدوق بإسناده عن عمّار بن مروان قال: سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول: فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام اذا لم يعرف صاحبه والكنوز, الخمس[5] .

وهذه الرواية صحيحة كما قال السيد الخوئي قدس سره لان عمّار بن مروان وان كان مشتركاً بين اليشكري الموثق جزماً وبين الكلبي الذي لم يوثق, الاّ ان الاول الذي يروي عن الامام الصادق عليه السلام معروف مشهور وله كتاب بخلاف الثاني, وحينئذٍ يكون اللفظ منصرفاً الى المعروف عند اطلاقه فالرواية صحيحة[6] .

اقول: اننا وثّقنا الكلبي لرواية ابن ابي عمير عنه وهو شيخه فعلى المختار في الاصول في بحث الخبر الواحد قبلنا الشهادة الحسيّة من الشيخ الطوسي والنجاشي في تصحيح ما يصح عن جماعة ومنهم ابن ابي عمير, فلاحظ.

ثم ان هنا صحيحة اخرى وردت بعنوان الغوص لابن ابي عمير عن غير واحد عن ابي عبدالله عليه السلام قال: الخمس على خمسة اشياء: على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة ونسي ابن أبي عمير الخامس[7] .

وكذا صحيح البزنطي دلّ على ان الخمس في كل ما يُستخرج من البحر قال: سألت ابا الحسن عليه السلام عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة هل فيها زكاة؟ فقال: اذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس[8] .

والمهم البحث هنا في جهات:

الجهة الاولى: هل يشترط في كون ما يخرج من خصوص البحر, أو يشمل ما يخرج من النهر, وهل يشترط ان يكون ما يخرج بالغوص ام يعمّ غيره"

اقول: بما ان المأخوذ في الروايات هو:

1ـ عنوان الغوص وهو يصدق في الغوص في البحر والغوص في النهر, بل الغوص في المحيطات ايضاً اذا فرّقنا بين البحر والمحيط.

2ـ عنوان ما يُخرَج من البحر وهو يصدق بالغوص وبغير الغوص.

اذن بينهما عموم من وجه حيث يلتقيان في الغوص في البحر ويختلف كل منهما عن الآخر حيث يختلف الغوص (عمّا يخرج من البحر) في الغوص في غير البحر (في النهر) ويختلف (ما يخرج من البحر) عن الغوص في ما يخرج بدون الغوص كاستخراجه بآلةٍ أو اخذه من ساحل البحر بلا غوص كأخذ العنبر الذي هو جلد أو روث دابةٍ بحرية تنزعه أو تقذفه فيطفو على سطح البحر, فيؤخذ من البحر من دون غوص.

وحينئذٍ نقول: ما هو الموضوع؟ الذي يجب فيه الخمس؟ وهنا اربعة أقوال:

الاول: ان الموضوع هو كلا العنوانين معاً «ما يخرج من البحر بالغوص» لصلاحيّة كلّ عنوان للتقييد بالآخر فيجمع بين العنوانين, وهذا هو الذي ذهب اليه جماعة منهم المحقق الهمداني قدس سره[9] والسيد الحكيم قدس سره[10] واختاره صاحب الشرائع[11]

الثاني: ان الموضوع هو صدق كل منهما, فيكون كلّ منهما موضوع مستقلّ للخمس لأنهما مثبتان ولا تنافي بينهما, وهذا هو الذي اختاره السيد الخوئي قدس سره[12] .

الثالث: ان الموضوع يصدق بعنوان الغوص ونُرجع الآخر وهو ما يخرج من البحر اليه, اي ينصرف عنوان ما يخرج من البحر الى الغوص باعتبار أنّ ما يخرج من البحر يجري مجرى الغالب وهو الاخراج بالغوص.

الرابع: ان الموضوع يصدق بعنوان الاخراج من البحر ولو بدون الغوص, امّا عنوان الغوص فيرجع الى عنوان ما يخرج من البحر حيث ان الغوص غالبي لان اخراج الجواهر من البحر يكون غالباً بالغوص.

فالمهم هو ما يُخرج أو يَخرُج من البحر وان كان الاكثر هو الخروج من البحر بواسطة الغوص الاّ ان هذا كثرة وجود فلا انصراف في لفظ (ما يخرج من البحر) اليه.

وقد اختار السيد الخوئي قدس سره القول الثاني, حيث استظهره من اطلاق كلِّ من الصحيحين, وعدم التنافي بينهما, فكلّ ما أخرج من البحر سواء كان غوصاً ام غيره هو موضوع الخمس, وكلّ ما أُخرج من البحر سواء كان من البحر أو من غير البحر (كالنهر) هو موضوع للخمس.

ويمكن ان ننتصر للقول الأوّل الذي اختاره المحقق الهمداني[13] والسيد الحكيم[14] فنقول:

1ـ ان ظاهر النصوص والفتاوى حصرُ ما يجب فيه الخمس في خمسة أشياء, فاذا قلنا: ان الخمس في عنوان الغوص وفي عنوان ما أخرج من البحر صار الخمس في ستّة أشياء, وهو ينافي النصوص والفتاوى فلابد من التقييد «أي تقيّد ما اخرج من البحر بالغوص» فيكون الخمس على ما اخرج من البحر غوصاً ولكن يمكن لصاحب القول الثاني وهو السيد الخوئي قدس سره ان يردّ هذه المناقشة فيقول: (كما ذكر ذلك هو) فقال: ان صحيحة ابن ابي عمير[15] ظاهرة في الحصر, ولكن لابدّ من رفع اليد عن الحصر وذلك: لوجوب الخمس فيما يخرج من البحر بغير الغوص, اما بعنوان ما يخرج من البحر بالآلات أو بعنوانه المستقل «كرواية العنبر»[16] او بعنوان الفوائد والارباح, والفرق بين هذه وما يخرج من البحر بالغوص هو استثناء مؤنة السنة من هذه العناوين دون ما يخرج من البحر بالغوص اذ يجب تخميسه فوراً ومن الواضح ان هذه العناوين لم تكن من الخمسة وحينئذٍ يكون الحصر غير حاصر, فلابدّ من رفع اليد عن ظهوره في الحصر[17] .

2ـ نقول في انتصارنا للقول الاول مع التنازل والغضُ عن التقييد فتنتهي النوبة الى مرحلة الشك في وجوب الخمس (في غير مجمع العنوانين) وهو ما يؤخذ من سطح البحر أو يخرج بالغوص في النهر, والمجرى هو البراءة للشك في اصل التكليف.

وقد ردّ السيد الخوئي قدس سره[18] هذا الدليل فقال: بعدم جريان البراءة بعد ما عرفنا القطع بوجوب الخمس فيما أُخرج من البحر بآلات «لا بالغوص» وما أُخرج من غير البحر بالغوص, امّا بعنوان نفسه كالعنبر أو بالفائدة, فيعلم

ان خمس المال قد انتقل الى اربابه بمجرد التملّك, فيتوقَّف جواز التصرّف على احراز الاذن, ولم يُحرز مالم يخمّس اذن مقتضى الأصل عدم الجواز في التصرّف ووجوب اخراج خمسه بمجرّد حيازته.

وبعبارة اخرى: ان اصل التعلّق معلوم والشك في كيفيته فهل يؤدّي الخمس فوراً أو يجوز التأخير في نهاية السنة فتستثنى المؤنة منه؟ اي ان الشك يكون في سقوط الخمس اذا صُرف بالمؤنة؟ والأصل هو عدم السقوط.

أقول: في مناقشة السيد الخوئي قدس سره:

أولاً: ان الشك في الكيفية بعد تعلّق العلم بالأصل يرجع الى الشك في تعلّق الخمس بين الأقل والاكثر الارتباطيين, اي هل يجب ان يخمس ما اخرج فعلاً وهو الاكثر أو يجب ان يخمّس ما اخرج بعد مرور سنة واستثناء مؤنة السنة وهو الأقل وهو المتيقن امّا ما صرف في السنة مع ما بقي بعد الاستثناء فهو الاكثر يكون مشكوكاً, فتجري البراءة فيه.

واذا كان ما صرف في السنة قد قضى على كل ما استخرج من البحر فيكون الشك في وجوب الخمس, والاصل عدم الوجوب لعدم صدق الفائدة.

 


[1] ان المراد من الغوص المفعول به أو قل ما يخرَج لا المصدر أي عملية الاخراج بل اسم المصدر. المقرر.
[2] مدارك الاحكام للسيد محمد العاملي:5: 376 طبع مؤسسة ال البيت عليهم السلام.
[3] وسائل الشيعة، للحر العاملي، باب7 مما يجب فيه الخمس ح1.
[4] المستند في شرح العروة الوثقى، للسيد الخوئي، 25 : 107.
[5] وسائل الشيعة، للحر العاملي، باب3 مما يجب فيه الخمس ح6.
[6] المستند في شرح العروة الوثقى، للسيد الخوئي، 25: 108.
[7] وسائل الشيعة، للحر العاملي، باب3 مما يجب فيه الخمس ح7.
[8] وسائل الشيعة، للحر العاملي، باب3 مما يجب فيه الخمس ح5.
[9] مصباح الفقيه، لآغا رضا الهمداني، 14: 86 طبع جماعة المدرسين.
[10] مستمسك العروة الوثقى، للسيد الحكيم 9: 483.
[11] جواهر الكلام، للنجفي16: 338.
[12] المستند في شرح العروة الوثقى، للسيد الخوئي 25: 109.
[13] مصباح الفقيه لآغا رضا الهمداني، 14: 86.
[14] مستمسك العروة الوثقى للسيد الحكيم قدس سره، 9: 483.
[15] وسائل الشيعة للحر العاملي، باب3 مما يجب فيه الخمس ح7.
[16] وسائل الشيعة للحر العاملي، باب7 مما يجب فيه الخمس ح7.
[17] المستند في شرح العروة الوثقى للسيد الخوئي: 25: 110.
[18] المستند في شرح العروة الوثقى للسيد الخوئي 25 :111.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo