< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/07/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع/ استعراض الادلة على وجوب الخمس في المقام / المال الحرام المختلط بالحلال / كتاب الخمس

ومنها: الصحيحة التي رواها الصدوق في الخصال بسنده عن ابن ابي عمير عن غير واحد عن ابي عبدالله عليه السلام قال: الخمس على خمسة اشياء, على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة ونسي ابن ابي عمير الخامس[1] .

ونقل صاحب المستند النراقي عن بعض مشايخه عن الصدوق انه قال: ان الذي نسيه ابن ابي عمير هو المال

الذي يرثه الرجل وهو يعلم ان فيه الحرام والحلال ولا يعرف صاحبه ولا يعرف الحرام بجنسه فيؤدّيه عنهم فيخرج منه الخمس[2] .

اقول: لماذا فسرّها الصدوق بذلك ولماذا قيدّها بعدم معرفة صاحب المال والمقدار؟ قال السيد الخوئي قدس سره في جواب ذلك: لا يبعد تعويل الصدوق في هذا التفسير على رواية عمار بن مروان[3] السابقة مع تقييدها بالجهل بالمقدار والجهل بصاحب المال, ولا محيص عن ارتكاب التقييد, وذلك لأنه لو علم مقدار الحرام وعلم صاحبه فيجب اعطاؤه له وهو خارج عن موردنا وكذا اذا عرف مقدار المال دون صاحبه فيجب اعطاء المقدار المعلوم صدقةً عن المالك وكذا اذا عرف صاحبه دون المقدار فيجب ارضاؤه والمصالحة معه وهذا سوف يأتي تباعاً.

ولكن في الوسائل ان مصنف الخصال وهو الصدوق لم يجزم بان الخامس هو المال الذي يرثه الرجل... الخ بل الموجود في الخصال ان الصدوق قال: أظن ان الخامس الذي نسيه ابن ابي عمير هو مال يرثه الرجل...الخ.

اقول: يوجد فرق بين ما قالته رواية عمار بن مروان وتفسير الصدوق ما نسيه ابن ابي عمير يظهر بالتأمل وهو ان رواية ابن ابي عمير قالت بالاختلاط في الحرام والحلال قبل ان يصل الى يده, بينما كلامنا في رواية عمار بن مروان هو ان يكون الاختلاط فيما وصل الى يده وبيده.

امّا صاحب المستند فقد خالف ما قاله المشهور وناقشه اذ قال: ان رواية مروان بالصيغة التي ذكرت هنا لا نقطع بوجودها في الخصال لأنها في بعض نسخ الخصال وجدت هكذا: (ان الخمس في المعادن والبحر والكنوز) وفي بعض نسخه وجدت الرواية كما ذكرها مشايخنا اذن نسخ الكتاب مختلفة فلا حجة فيما نقل في الخصال ولذا قال النراقي بإخراجه الى الفقراء من الشيعة[4] اي بعنوان الصدقة.

ولكن نقول: ان النراقي لم يعط الفحص حقّه والاّ فانّ الرواية موجودة في الخصال كما يرويها في الوسائل.

ولكن لعلّ مستند النراقي هو معتبرة السكوني عن ابي عبدالله عليه السلام قال: أتى رجل امير المؤمنين عليه السلام فقال: اني كسبت مالاً اغمضت في مطالبه (حلالاً وحراماً) وقد اردت التوبة ولا ادري الحلال منه والحرام وقد اختلط عليّ؟

فقال امير المؤمنين عليه السلام: تصدّق بخمس مالك فان الله قد رضي من الاشياء بالخمس وسائر المال لك حلالٌ[5] .

وقد يشكل على صاحب المستند فيقال: ان التصدّق بمال الغير الذي هو مختلط مع المال الحلال والاجتزاء به في

مقام تفريغ الذمّة يحتاج الى دليل خاص, لأنه تصدّق من شخص لا ولاية له على المال ولا هو وكيل عن صاحب المال, اذن كيف يكون تصدّقه مفرّغاً لذمّته مع ان الروايات قالت ادفع خمسه كما تدفع خمس المعدن والكنز والغنيمة والغوص؟

والجواب: آنتصاراً للنراقي رحمه الله – ان نقول: ان الالتزام بانّ التصدّق في مجهول المالك عن صاحب المال ويكون مفرِّغاً لذمّة مَن بيده مال الغير استندنا فيه الى الروايات الواردة في المال الخارجي أو الديون للغير المتميّز.

ولكن لا بدّ من الغاء خصوصيتهما بحسب الفهم العرفي والالتزام بانّ التصدّق لدى العجز عن معرفة المالك هو نحو إيصال الملك للمالك فهو يجزي في مقام تفريغ الذمّة وان لم يكن المال متمّيزاً (اي هو مخلوط مع مال الغير) كما فيما نحن فيه.

وكذا الرواية القائلة: (تصدّق بخمس مالك[6] ) فانها معتبرة رواها السكوني, واما رواية عمار بن مروان فقد قال النراقي انها موجودة في بعض النسخ وفي بعضها غير موجودة بل الموجود هو «ان الخمس في المعادن والبحر والكنوز» ولا يوجد المال الحلال المختلط بالحرام ولا الغنيمة اذن لا نعلم بوجوب الخمس في المال الحرام المختلط بالحلال وعدم معرفة المقدار وعدم معرفة صاحبه.

وامّا رواية الصدوق بسنده عن ابن ابي عمير عن غير واحد عن ابي عبدالله عليه السلام فهي ليس فيها الحلال المختلط بالحرام أو العكس.

اذن الى هنا أيّدنا رأي صاحب المستند رحمه الله.

ولكن يرد عليه:

1ـ اذا جاءت رواية في مورد خاص وهو (المال الحرام المختلط بالحلال) ولا يعرف كمّيته ولا صاحبه وقد دلّت على وجوب التخميس اذن ستكون هذه الرواية مخصصّة لتلك الاخبار في مجهول المالك ونحن قد عرفنا هنا ان معتبرة مروان بن عمّار قد دلّت على وجوب التخميس هنا وهي موجودة في كتاب الخصال قطعاً, اذن لا يمكن الأخذ برأي صاحب المستند ونصوص الصدقة.

2ـ ان نصوص الصدقة تتعارض مع نصوص الخمس في موردنا وذلك لأن الخمس الاصطلاحي هو عبادة ولا بدّ ان يعطيه صاحب بنيّة القربة ولوجه الله تعالى والصدقة هي ما كانت لوجه الله تعالى اذا أُخذ في معناها القرابة وليس الاعطاء للفقير مأخوذاً في معنى الصدقة.

نعم الزكاة والفطرة اللتان هما صدقتان خاصتان قد دلّ الدليل على اعطائها للفقير, وليس هذا الإعطاء للفقير ماخوذاً في مفهومهما.

وكذلك موثقة السكوني[7] فإنها قالت: (تصدّق بخمس مالك) اي اعطه قربة الى الله «اي أعطِ الخمس

الاصطلاحي قربة الى الله تعالى» وهذا منسجم مع نصوص الخمس وبالخصوص فان هذه الموثقة قالت فقرتين تشيران الى الخمس الاصطلاحي اذ قالت الفقرة الأُولى: « تصدّق بخمس مالك» وقالت: «ان الله قد رضي من الاشياء بالخمس» فكأن هذا تعليل للتصدّق بخمس المال الذي لا يتنافى مع الخمس الاصطلاحي اي ان الله عز وجل علّل برضائه من الناس الذين عندهم كنوز أو غنائم أو غوص أو معادن بأن يعطوا الخمس الاصطلاحي.

3ـ ان هذه الرواية – رواية السكوني – قد رواها الصدوق في الفقيه هكذا: قال عليٌ عليه السلام: (اخرج خمس مالك فان الله قد رضي من الانسان بالخمس وسائر المال لك حلال[8] )

اذن الى هنا يكون الصحيح: في المال الحرام المختلط بالحلال ولم يُعرف صاحبه ولا مقداره, الخمس فيدفع الى الامام مع قصد القربة وهو معنى الصدقة والامام يدفع هذه الصدقة (التي هي غير الزكاة للسادة ولمن ينشر الدين وهم اهل العلم والتبليغ أو قل يصرفه في كل ما يريده بعده للحاكم الشرعي الذي يصرفه في كلّ ما يرضي الامام عليه السلام.

أقول: يوقفنا عن القول بما تقدّم «اخراج الخمس من المال الحلال المختلط بالحرام ولم يعرف مقداره صاحبه» جملة أُمور:

الأوّلى: ان هذا الحكم لم يذكره المفيد رحمه الله ولا ابن ابي عقيل ولا ابن الجنيد (كما ذكر في المختلف[9] ) وان

ذكره الشيخ الطوسي[10] وابن زهرة[11] .

الثانية: ان هذا المورد هو كاللقطة أو مجهول المالك, وهذان حكمهما المشترك التصدّق به عن صاحبهما فان المال الذي لا املكه انا ولا اعرف صاحبه او لا يمكن إيصاله الى صاحبه, يمكننا ان نوصل عوضه اليه وهو ان

نتصرّف به عنه فيصله عوض ماله وهو ثواب الصدقة.

اذن يحتمل قويّاً: ان هذا المقدار وهو المال الحرام المملوك «لمّا كان مجهولاً مقداره وصاحبه» فان الله تعالى وهو ولّي الغائب صالح هذا المال الحرام غير المعروف القدر بالخمس, ولذا وردت في رواية: ( تصدّق بخمس مالك) وهذا غير الخمس الاصطلاحي.

الثالثة: الكليني لم يجعل الخمس من المال المختلط من قبيل الخمس المصطلح, ولذلك لم يذكر رواية السكوني في عداد روايات الخمس في كتاب الحجة من الكافي.

الرابعة: ان الخمس المصطلح هو فيما ملكه الانسان بالغنيمة أو الغوص أو استخراج المعدن أو الكنز أو ما ربحه من المكاسب واشباه ذلك, أمّا هذا المال الحرام المختلط بالحلال فهو ملك للآخرين وليس ملكاً لمن صار بيده, فكيف نقول بوجوب الخمس عليه؟ اذن هذا الخمس وهذا المقدار هو مصالحة بين ولي الغائب وولي المال غير المعروف وبين

مَن بيده ذلك المال وقد قدّرت بالخمس فيوصل الى صاحبه, وبما ان صاحبه غير معلوم أو لا يمكن ايصال المال اليه, فيوصل اليه عوض المال وهو الثواب الذي يحصل من الصدقة بهذا المقدار الذي قدّر بالخمس.

وبعبارة اُخرى: الخمس هنا (في المال الحرام المختلط بالحلال) ليس بمعنى ان خمس مالك للإمام وللسادة على نحو الشراكة, فالإمام والسادة مشاركون للمالك في المال الذي ملكه لان الشارع وضع عليه ضريبة ماليّة أوجبت حصول شركة في المال المملوك وانما الخمس هنا مطهّر للمال الحلال الذي اختلط بالحرام وصار الحكم هو حرمة التصرّف فيه باكمله فالخمس مطهّر والباقي لصاحب المال الذي اختلط الحرام مع الحلال, فالمراد من الخمس هنا هو غير الخمس الاصطلاحي.

ويقف امام هذا ايضاً معتبرة عمار بن مروان ذكرت الحلال المختلط بالحرام وقالت عليه الخمس مع الغنيمة والمعدن والغوص والكنز.

اذن الطريق الناجح هو ان يصرف هذا المقدار الى الموارد التي ترضي الإمام عليه السلام كالخمس مع الفقر حيث يكون المورد مصداقاً لمال الفقراء ومال الامام وحقّ السادات فيعطى الى سيد فقير وهو طالب علم يخدم الدين, وهذا

هو الأحوط, خلافاً لما ذهب اليه المحققّ الهمداني من التخيير بين الأمرين عملاً بكلا الدليلين فله الصرف خمساً كماله الدفع صدقة[12] .

 


[9] مختلف الشيعة، للعلاّمة الحلّي ج3، ص189، طبع مركز الابحاث والدراسات الاسلامية.
[10] النهاية ونكتها، للشيخ الطوسي، ج1، ص448.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo