< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

39/02/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع/ هل رواية الناصبي والغالي حجة/ خمس ارباح المكاسب/ كتاب الخمس

اشكالان على الاخذ برواية الناصبي والغالي:

الاشكال الاول: اشكل بعض المخالفين من عبارة السيد الخوئي قدس سره «في ترجمة احمد بن هلال العبرتائي اذ قال: لا ينبغي الإشكال في فساد الرجل من جهة عقيدته، بل لا يبعد استفادة انه لم يكن يتديّن بشيء ومن ثمَّ كان يظهر الغلو مرّة، والنصب اخرى، ومع ذلك: لا يهمنا اثبات ذلك، اذ لا أثر لفساد العقيدة أو العمل في سقوط الرواية عن الحجّية بعد وثاقة الراوي»[1] على علماء الشيعة، حيث جعلوا توثيق النواصب من نقاط الوهن في علم الجرح

والتعديل عند المخالفين، ولكن السيد الخوئي قدس سره لا يرى بأساً في ذلك كما هو صريح عبارته، وبعد هذا ينسدّ باب الطعن على البخاري في وثوقه بأمثال عمران بن حطان.والجواب:

أولاً: ان توثيق النواصب فاسدي العقيدة لم يقبل به الشيعة وعلماؤهم، وقد جعل وهناً واشكالاً على المخالفين الذين يوثّقون النواصب وسيتّضح سبب ذلك.

ثانياً: ان السيد الخوئي قدس سره انما يعمل بعمل نجبر الناصبي فاسد العقيدة بشرط ان تثبت وثاقته بمعنى ان يثبت انه لا يكذب في حديثه وروايته.

وهذا الشرط قد ثبت عند السيد الخوئي قدس سره بالنسبة لأحمد بن هلال من جملة أُمور: نقل المشايخ الثلاثة «الكليني والصدوق والطوسي، عن احمد بن هلال».

منها: وثّق النجاشي احمد بن هلال فقال عنه: ( انه صالح الرواية يعرف منها وينكر)[2] وهذا يعني الاعتماد على روايته اذا لم تكن منكرة عند الاصحاب وان كان فاسد العقيدة.

«كما يعتمد على رواية اهل السنّة أو الكافر اذا ثبت انه لا يكذب في الحديث والرواية.اذن الأصل في احمد بن هلال انه صالح الرواية الاّ ما كان من روايته ما ينكره الأصحاب فالسيد الخوئي قدس سره يرى حجيّة روايته فيما لا ينكره الأصحاب ولا يرى حجيّة روايته مطلقاً.

ثالثاً: انّ ما قاله السيد الخوئي قدس سره لا يسدّ باب الطعن على المخالفين وذلك:

1ـ ان المخالفين يعتمدون على اصالة العدالة في التوثيق، اي يقولون: «ان كل مسلم عادل» فهو لا يكذب، فيؤخذ بروايته، فالمخالفون يقولون بوثاقة الناصبي استناداً الى اسلامه.ولو لم تكن شهادة من علماء الرجال بالوثاقة من الناحية الحسيّة، وهذا لا يقول به السيد الخوئي قدس سره فضلاً عن علماء الشيعة.2ـ انّ المخالفين لا يأخذون بقول الرافضي «الإمامي» وان كان عادلاً مشهوراً له بالعدالة والوثاقة شهادة حسيّة من علماء الرجال، ويأخذون بقول الناصب وان لم يشهد أحد بوثاقته، اعتماداً على أصالة العدالة في المسلم، بخلاف السيد الخوئي الذي يأخذ بقول المخالف والكافر والناصبي اذا شهد له بالوثاقة وعدم الكذب في الحديث شهادةً حسيّة بمعنى انه لا يكذب في حديثه.

رابعاً: ان المخالفين يمدحون النواصب بالاضافة الى الأخذ بروايتهم «كما في مدح ابن ملجم لعنة الله عليه قاتل

امير المؤمنين عليه السلام» بينما السيد الخوئي قدس سره وغيره من العلماء الامامية لا يمدحون النواصب كما بُيّن

ذلك في احمد بن هلال فقالوا عنه ما قالوا لاعماله الشنيعة ونصبه، بل مغالاته في بعض الازمنة، وقد قال عنه الشيخ الانصاري ان مثله لا يتديّن بدين[3] .

ولكن السيد الخوئي قدس سره اخذ برواياته التي لا تنكر لوثاقته وعدم كذبه، وهذا ليس مدحاً له.

الاشكال الثاني: لماذا تقبل روايات الغلات؟

فان كثيراً ما نردّ تضعيفات بعض المتقدمين لبعض الرواة الذين أُتهموا بالغلو بدعوى انّ مضامين رواياتهم عالية، ومثل هذه المضامين لم تكن منقّحة بشكل جيّد عند بعض من المتقدمين فكانوا يرونها غلوّاً.

ولكن الغلوّ اذا ثبت عند المتقدمين فهو ثابت بالحسّ «لا الحدس» وحينئذ يجب ان يرّد رواية الغالي فكيف يقال: بان مضامين رواياتهم عالية فتقبل؟؟! اي اذا كان الراوي مثلاً غير ثقة فلا تقبل روايته وان كان مضمونها عالياً اذا انحصر الحكم به فليكن المغالي هكذا فلا تقبل روايته لغلوّه (كفره) وان كانت عالية المضمون، فما معنى قبول رواية الغالي لان مضمون روايته عالٍ؟؟!.

وللإجابة عن هذا الاشكال نعرض اموراً متتالية يتضح الجواب عن الاشكال الثاني من خلالها وهي:

اولاً: يوجد فرق بين الناصبي والغالي: فالناصبي له معنى واحد وهو مَن ينصب العداوة لأهل البيت عليهم السلام ويعاديهم، وقد قلنا فساد العقيدة لا يضرّ بصحة الرواية اذا كان الناصبي ثقة صالح الحديث وقد تقدّم ذلك.

امّا المغالي: فقد اختلف فيه: فبعض قال: ان من يعتقد بالعصمة للائمة عليهم السلام فهو مغالٍ.

وبعض يقول: ان من يعتقد بالائمة عليهم السلام بأنهم يعلمون ما في نفوس الآخرين فهو مغالٍ.

وبعض يقول: ان من يعتقد بان الائمة عليهم السلام يتصرفون في التكوينات فهو مغالٍ.

وبعض يقول: ان من يعتقد ان الائمة عليهم السلام يتكلمون مع الجنّ ويعلمون منطق الطير فهو مغالٍ.

وبعض يقول: ان من يعتقد ان الائمة يعرفون السنة العباد المختلفة السنتهم فهو مغالٍ.

وبعض يقول: ان من يعتقد ان اعمال العباد تعرض على الائمة فهو مغالٍ.

وبعض يقول: ان من يعتقد ان الائمة عليهم السلام كانوا انواراً محدقة بالعرش فهو مغالٍ. وغير ذلك.

وبعض يقول: ان المغالي هو فقط من يعتقد ان علياً عليه السلام هو الله تعالى أو قد حلّ الله تعالى فيه. تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

فعلى القول الاخير يكون المغالي بهذا المعنى كافراً فلا تقبل روايته على مبنى المشهور من عدم قبول رواية الكافر وهو ما رفضناه.امّا على المعاني الأُخر، فلا تكون تلك الاعتقادات كفراً، بل هذه المعتقدات هي معتقدات بمقامات وصل اليها الائمة عليهم السلام باختيارهم وبقدراتهم الذاتية بعناية الله تعالى.

ثانياً: ان مضامين روايات الائمة عليهم السلام العالية لم تكن منقّحة بشكل جيّد عند بعض المتقدّمين فكانوا يرونها غلوّاً.

امّا بعد ان نقحّت هذه المضامين بشكل جيد فقد اصبح واضحاً انها ليست غلوّا.

ثالثاً: نعم ان اصل التوثيقات والتضعيفات والتصريح باحوال الرواة عند المتقدمين هو الحس وليس الحدس، ومع هذا فان علماء الرجال ينقلون شيئاً حسيّاً عن الراوي التي يرونها انها غلوّ، وهذا الذي يرونه انّه غلوّ هو اجتهاد منهم وصلوا اليه بحسب فهمهم قبل ان ينقّح المضمون تنقيحاً جيّداً.

فعالم الرجال ينقل الشيء الحسي ويجتهد في معناه، وحينئذٍ يأتي من لم يرَ ات الشيء المحسوس فلا ينسب الراوي الى الغلوّ.اذن الراوي الذي يقول عنه عالم من العلماء الرجال انه غالٍ لا يكون هذا القول حسّياً، بل الحسّي هو نشأ قول عالم الرجال انه غالٍ، وهذا المنشأ قد يحسب على انه مضمون مترقّي وصل اليه الامام عليه السلام فهو هبة من الله تعالى وصل اليه الامام عليه السلام بقدراته واختياره، اذن لم يثبت الغلوّ.

رابعاً: وحينئذٍ اذا جاء التوثيق لهذا الراوي الذي لم يثبت غلوّه فتكون الرواية التي يرويها في الاحكام الشرعية معتبرة لا فقط عند السيد الخوئي قدس سره بل عند جميع علماء الشيعة الذين لا يرون ما نقله الراوي غلوّاً.

مثلاً: اذا اعتقد الراوي ان الائمة عليهم السلام يتصرّفون في التكوينات مثلاً وقد اعتبره النجاشي انه غلوّ، فنحن نأخذ شهادته الحسّية التي يقول فيها النجاشي ان فلان الراوي يعتقد ان الائمة عليهم السلام يتصرّفون في التكوينات ولم نأخذ باجتهاده بأنّ هذا الاعتقاد غلوّ. لان اجتهاد النجاشي ليس حجّة علينا ولأن التصرّف في التكوينات هو مضمون جيّد وعالٍ للتربية على إطاعة الله تعالى، وقد ثبت ان الله تعالى قال: في الحديث القدسي: (عبدي اطعني تكن مثلي تقول للشيء كن فيكون) فلا يكون هذا الاعتقاد غلوّاً.

خامساً: نحن لا نقبل ما ذكر من ان وصف الراوي بالغلوّ قد يكون هو لما يرويه ولم يصل الينا.

أمّا ما وصل الينا من مروياته فليس فيه غلوّ، ليس نافعاً، وذلك لأنه اذا ثبت ان الراوي مغالٍ فلا يؤخذ برواياته حتى وان كانت تقيّة لا غلوّ فيها اذا انحصر الحكم على وُفقها ولم يوجد غيرها، لأنها ليست بحجّة، لان الكلام في حجّة نقل الغالي، فاذا كان مغالياً كافراً يعتقد ان عليّاً هو الله تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً فلا يكون كلامه حجّة وان كان نقياً اذا انحصر استناد الحكم الشرعي فيه.وهذا كلام غير مقبول لان فساد العقيدة لا أثر له في ردّ الرواية، بل ردّ الرواية لعدم الوثاقة فحتى لو كان الراوي

مغالياً فتقبل روايته اذا كان ثقة في النقل والغلو لوحده (اي فساد العقيدة) لا يكون موجباً لردّ الرواية[4] .

 


[4] اقول: ان عدم الأخذ برواية الكافر يعود الى عدم كونه مأموناً على الدين فيما ينقله من امر الدين ولا يوجد أمر غيره يحتمل انه السبب في ردّ رواية الكافر غير التخوّف منه على الدين، مخافة ان يدخل في الدين ما ليس فيه ويخرج منه ما فيه ويغيرّ ويبدل، واذا انتفى هذا المانع لإحراز وثاقته فلا مانع من الأخذ به لكونه ثقة مأموناً على الدين ويكون المغالي كالكافر عندئذٍ ان كان ثقة وكذا الناصب فلا بأس بأحمد بن هلال سواء كان ناصباً ام مغالياً ما دام يؤمن على الدين من جهة وثاقته في النقل فهو كاف في حجية خبره. المقرر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo